هل لا يزال السلام ممكنًا؟!
السؤال، العنوان، بدون علامة التعجب، طرحته شبكة «الحرة» الأمريكية على الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى خلدون البرغوثى، فأجاب بأن «فرصة السلام أصبحت خلف ظهورنا، وحمامة السلام فى القبر منذ سنوات، بسبب السياسات الإسرائيلية»، مؤكدًا أن الفلسطينيين «سعوا للسلام أملًا فى الوصول إليه بنهاية فترة الحكم الذاتى، سنة ١٩٩٩، بينما سعى الإسرائيليون إلى مواصلة سياسة الاستيطان وتوسيع السيطرة على الأرض، التى يُفترض أن تصبح دولة فلسطينية».
فى المقابل، قال مئير مصرى، أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة العبرية بالقدس، عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلى، إن «السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قائم، فيما يتعلق بمناطق الحكم الذاتى فى الضفة الغربية». ولشبكة «الحرة»، أيضًا، أكد «مصرى»، أن «التنسيق الأمنى والإدارى مستمر على كل المستويات، وأما على مستوى التبادل التجارى والثقافى فحدث ولا حرج». ودعا المذكور إلى التمييز «بين توقف المفاوضات بخصوص المسار الانفصالى، المعروف إعلاميًا بحل الدولتين، وحالة الحرب التى انتهت عمليًا بالقضاء على ما عُرف بالانتفاضة الثانية سنة ٢٠٠٥».
بالدعوة إلى «إعطاء فرصة للسلام»، اختتمت الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشتها العامة، الإثنين الماضى. وكان لافتًا أن الكاميرونى فيليمون يانج، رئيس هذه الدورة، الذى اختار لرئاسته عنوان أو شعار «تعزيز السلام والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية للجميع فى كل مكان»، أكد أن «السلام فى منطقة الشرق الأوسط على المحك»، ودعا المجتمع الدولى إلى عدم السماح بحدوث حرب شاملة فى هذه المنطقة المتقلبة. وخلال افتتاح وختام المناقشة العامة، قال «يانج»، الذى كان رئيسًا لوزراء الكاميرون، إن السبيل الوحيد لضمان السلام والأمن الدائمين، للشعبين الإسرائيلى والفلسطينى وباقى شعوب المنطقة، هو حل الدولتين، على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
مع الفلسطينى خلدون البرغوثى، صاحب كتاب «الصهيونية.. إسرائيل ومناهضة السامية»، والإسرائيلى المتطرف مئير مصرى، الذى يكتب بالفرنسية والعبرية ويعيش متنقلًا بين فرنسا وإسرائيل، طرحت شبكة «الحرة» السؤال نفسه على الأمريكى دانيال سيروير، المتخصص فى إدارة النزاعات بجامعة «جونز هوبكنز» للدراسات الدولية، والأردنى عامر السبايلة، الأستاذ الجامعى والمحلل الجيوسياسى. والأخير، أجاب بأن السلام «لم يعد أولوية اليوم، خاصة مع فتح إسرائيل الصراع على جبهات متعددة»، وأكد أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية «لم تعد تنظر للسلام أو التطبيع على أنه أولوية فى الداخل الإسرائيلى»، بل تروج لفكرة استمرار وجود خطر أمنى فى الداخل ومن الخارج أيضًا.
فى منطقة وسط، وقف «سيروير»، الذى أبدى تفاؤله بأن تحقيق السلام وتطبيع العلاقات لا يزال ممكنًا بشرط «وقف الحرب»، لكنه أوضح أن ذلك يتطلب من إسرائيل «الموافقة على مسار يؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما لن يقبل به رئيس الوزراء الإسرائيلى». كما أشار إلى أن الدول العربية والإسلامية «أعلنت بوضوح عن أنها مستعدة لضمان أمن إسرائيل»، مستدركًا بأن هذا «لا يمكن أن يحدث حقًا فى ظل وجود حزب الله أو حماس»، وما لم تكن إسرائيل «مستعدة للتخلى عن الضفة الغربية وقطاع غزة» للسلطة الفلسطينية، التى قال إنها فى حاجة إلى إصلاحات جادة.
.. أخيرًا، ومع تسليمنا بعبثية الكلام أو طرح الأسئلة بشأن السلام، فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، الذى سيدخل سنته الثانية خلال أيام قليلة، نرى أن توقف هذا العدوان لن يقود إلى تحقيق السلام، ما لم يحصل الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، وأبرزها حقه فى التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة والمُتصلة جغرافيًا والقابلة للحياة على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، اتساقًا مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولى ومبادرة السلام العربية. ولعلك تعرف أن مصر أكدت، فى سياقات ومناسبات مختلفة، دعمها غير المحدود للشعب الفلسطينى فى الدفاع عن قضيته، باعتبارها قضية العرب الأولى والمركزية، وشدّدت، ولا تزال، على أن الاستقرار الإقليمى لن يتحقق إلا من خلال تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.