رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب غزة أرهقت جنرالات إسرائيل

كما قلت فى مقال سابق، إن الحقيقة هى الضحية الأولى التى تسقط فى أى حرب.. وذلك يبدو واضحًا، والعام الأول للحرب بين إسرائيل وحماس فى قطاع غزة يكاد يكتمل، حيث جرت، خلال الشهرين الأخيرين، مياه كثيرة فى النهر، لم تُعلن عنها تل أبيب ولا واشنطن، قلبت موازين القوى فى الصراع الدائر فى المنطقة، والذى تطور إلى حرب برية بين الجيش الإسرائيلى وقوات حزب الله فى لبنان، بعدما أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بدعم عسكرى ضخم، وحركت قطعها البحرية الضخمة إلى قبالة سواحل لبنان، وأرسلت المزيد من قواتها، إضافة إلى أربعين ألف مقاتل أمريكى، كانوا متواجدين لدعم إسرائيل، وثلاثة أسراب إضافية من الطائرات المقاتلة.
فى الفترة الماضية، كان كبار جنرالات إسرائيل يريدون بدء وقف لإطلاق النار فى غزة، حتى لو أبقى ذلك «حماس» فى السلطة فى الوقت الحالى، مما وسَّع الخلاف بين الجيش ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذى عارض هدنة تسمح لحماس بالنجاة من الحرب.. فى حين كان هؤلاء الجنرالات يعتقدون أن الهدنة ستكون أفضل طريقة لتحرير ما يقرب من مائة وعشرين إسرائيليًا ما زالوا محتجزين، أحياءً وأموات، فى غزة.. وقال العديد من المسئولين إن الجنرالات الذين يفتقرون إلى التجهيز لمزيد من القتال، بعد أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ عقود، يعتقدون أيضًا أن قواتهم تحتاج إلى وقت للتعافى، فى حالة اندلاع حرب برية ضد حزب الله، اليى تخوض معركة منخفضة المستوى- وقتها- مع إسرائيل منذ أكتوبر الماضى.. كما أن الهدنة مع حماس يمكن أن تسهل التوصل إلى اتفاق مع حزب الله، الذى سيواصل ضرب شمال إسرائيل، حتى توقف إسرائيل القتال فى قطاع غزة.
يعكس موقف الجيش هذا من وقف إطلاق النار تحولًا كبيرًا فى تفكيره خلال الأشهر الماضية، حيث أصبح من الواضح أن نتنياهو كان يرفض التعبير عن خطة ما بعد الحرب أو الالتزام بها.. وخلق هذا القرار فراغًا فى السلطة فى قطاع غزة، أجبر الجيش على العودة والقتال فى أجزاء منها، كان قد أخلاها بالفعل من مقاتلى حماس، فى الوقت الذى كان الجيش يدعم، بشكل كامل، صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، حيث يرى إيال هولاتا، الذى شغل منصب مستشار الأمن القومى الإسرائيلى حتى أوائل العام الماضى، ويتحدث بانتظام مع كبار المسئولين العسكريين، «إنهم يعتقدون- أى جنرالات الجيش- أن بإمكانهم دائمًا العودة والاشتباك مع حماس عسكريًا فى المستقبل.. إنهم يفهمون أن هدنة فى غزة تجعل خفض التصعيد أكثر احتمالًا فى لبنان.. ولديهم ذخائر أقل، وقطع غيار أقل، وطاقة أقل مما كانوا يفعلون من قبل.. لذلك يعتقدون أن التوقف المؤقت فى غزة يمنحنا مزيدًا من الوقت للاستعداد، فى حالة اندلاع حرب أكبر مع حزب الله».. هذا الخلاف فى المواقف، أضفى لمحات من إحباط الجنرالات فى العلن، فضلًا عن إحباط رئيس الوزراء من الجنرالات.
نتنياهو قال إن إسرائيل ستنهى الحرب «فقط بعد أن نحقق جميع أهدافها، بما فى ذلك القضاء على حماس وإطلاق سراح جميع رهائننا»، ويشعر بالقلق من هدنة تُبقى «حماس» فى السلطة، لأن هذه النتيجة قد تؤدى إلى انهيار ائتلافه، بعد أن هدد وزيرا المالية والأمن الداخلى، يتسائيل سموتريتش، وبن غفير، أنهما سينسحبان من التحالف، إذا انتهت الحرب دون هزيمة حماس، أو إذا وافق نتنياهو على هدنة.. وحتى وقت قريب، أكد الجيش علنًا، أنه كان من الممكن تحقيق هدفى الحرب الرئيسيين للحكومة فى وقت واحد، هزيمة حماس وإنقاذ الرهائن الذين احتجزتهم حماس خلال هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل.. والآن، خلصت القيادة العسكرية العليا إلى أن الهدفين غير متوافقين بشكل متبادل، بعد عدة أشهر من بدء الشكوك لدى الجنرالات.
ومنذ غزو غزة فى أكتوبر، تغلبت إسرائيل على بعض كتائب حماس تقريبًا، واحتلت معظم الأراضى فى مرحلة ما من الحرب.. لكن أقل بقليل من نصف الرهائن المائتين وخمسين، الذين احتجزوا فى غزة، ما زالوا فى الأسر، وتخشى القيادة العليا من أن يؤدى المزيد من العمل العسكرى لتحريرهم إلى المخاطرة بقتلهم.. ومع عدم رغبة نتنياهو علنًا فى الالتزام، إما باحتلال غزة أو نقل السيطرة إلى قادة فلسطينيين بدلاء، يخشى الجيش من «حرب أبدية»، تتآكل فيها طاقاته وذخيرته تدريجيًا، حتى مع بقاء الرهائن أسرى، ولا يزال قادة حماس طلقاء.. وفى مواجهة هذا السيناريو، فإن إبقاء حماس فى السلطة فى الوقت الحالى مقابل استعادة الرهائن، يبدو الخيار الأقل سوءًا بالنسبة لإسرائيل.. إلا أن نتنياهو ما زال مُصرًا على تحقيق أهداف حربه، بما فى ذلك تدمير «قدرات حماس العسكرية والحاكمة، وإعادة الرهائن، وعودة المدنيين الإسرائيليين من الجنوب والشمال بأمان إلى منازلهم».. وهو ما لم يتحقق رغم مرور عام بالكامل.
حتى دانيال هاجارى، كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلى، أكد أن أولئك الذين يعتقدون أننا يمكن أن نجعل حماس تختفى مخطئون، «حماس فكرة.. حماس حزب سياسى متجذر فى قلوب الناس»، والإيحاء بخلاف ذلك- يقول هاجارى فى انتقاد مبطن لنتنياهو- هو «ذر للرماد فى أعين الجمهور الإسرائيلى.. ما يمكننا القيام به هو إقامة شىء آخر، شىء سيحل محله، شىء سيجعل السكان يعرفون أن شخصًا آخر يوزع الطعام، وأن شخصًا آخر يقدم الخدمات العامة.. من هو هذا الشخص؟، ما هو هذا الشىء؟.. ذلك أمر متروك لصانعى القرار ليقرروا».
●●●
يرى محللون أن اغتيال بعض قادة حماس قد يكون انتكاسة قصيرة الأجل، وليس كافيًا لمنع الحركة من الظهور مرة أخرى سليمة، وربما أكثر عنفًا.. لقد جاء مقتل رئيس مكتبها السياسى فى الخارج، إسماعيل هنية، فى انفجار قنبلة زرعت فى طهران.. ثم جاء إعلان إسرائيل أنها قتلت القائد العسكرى الأكثر مراوغة ويحتل مكانة التقدير فى حماس، محمد الضيف.. كل هذا فى الوقت الذى تواصل فيه إسرائيل شن الحرب الأكثر دموية، التى واجهها الفلسطينيون فى قطاع غزة، الذى تحكمه حماس على الإطلاق.
وللوهلة الأولى، تبدو النتيجة الأخيرة فى الصراع المستمر منذ ثلاثين عامًا، بين إسرائيل وحماس، مدمرة لحركة المقاومة، وهى نتيجة تلقى بمستقبلها موضع تساؤل.. ومع ذلك، فإن تاريخ حماس، وتطور الجماعات المسلحة الفلسطينية على مدى عقود، ومنطق المقاومة على نطاق أوسع، تشير إلى أن «حماس» لن تنجو فحسب، بل قد تظهر أقوى سياسيًا.. ويرى المحللون والمراقبون الإقليميون، الذين هم على اتصال بقادة حماس، أن الضربات الأخيرة التى تعرضت لها-بما فى ذلك اغتيال هنية، الذى يُعتقد على نطاق واسع أنه على يد إسرائيل- تقدم للقوات الإسرائيلية نصرًا قصير الأجل، على حساب النجاح الاستراتيجى على المدى الطويل، و«بدلًا من خلق الانفصال الذى كانوا يأملون فيه، والذى من شأنه أن يجعل الناس خائفين أو مهزومين تمامًا، سيكون لهذا تأثير معاكس».
وقد أدت الحملة العسكرية التى شنتها إسرائيل، ردًا على هجمات حماس فى السابع من أكتوبر، إلى نزوح نحو 90% من سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليونى نسمة، ودمرت مساحات من مدن القطاع وقتلت ما يزيد على أربعين ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال.. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال حماس تعمل، ليس ذلك فحسب، بل تقوم بتجنيد مقاتلين جدد فى غزة وخارجها، كما بدأ المقاتلون فى الظهور من جديد، فى المناطق التى طردتهم منها إسرائيل قبل أشهر.. وبالنسبة لحماس، فإن منطق المقاومة يعنى، أن مجرد البقاء فى مواجهة جيش أقوى بكثير، يوفر نصرًا رمزيًا.. ومع ذلك تأتى فرصة للبقاء فى القطاع، التى تتجاوز أى ألم تسببت فيه إسرائيل. 
وعندما أعلن الجيش الإسرائيلى عن مقتل محمد ضيف، رئيس الجناح العسكرى لحماس، الذى يُنظر إليه على أنه مهندس هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، فإن وفاته ستمثل نهاية جهد إسرائيلى استمر لسنوات، لقتل الرجل الذى هو فعليًا ثانى أكبر زعيم بعد الرجل المطلوب فى إسرائيل، يحيى السنوار، رئيس حماس الآن.. وجاء إعلان إسرائيل عن مقتل ضيف، فى اليوم الذى تجمع فيه المشيعون لتوديع هنية، الذى قتل أثناء زيارته لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد، واتهمت كل من إيران وحماس إسرائيل، التى لها تاريخ طويل فى اغتيال خصومها، بالوقوف وراء مقتله، والتى ستكون خسارته صعبة على حماس، لأن المحللين الإقليميين كانوا ينظرون إلى هنية على أنه شخصية أكثر اعتدالًا داخل حركة حماس، ويعمل كجسر بين الفصائل المتنافسة فيها.. وكان يُنظر إليه على أنه زعيم مستعد للضغط من أجل الوساطة، بما فى ذلك محادثات وقف إطلاق النار، المتعثرة مع إسرائيل.. وكأنما تقول إسرائيل: «المفاوضات لا تهم». 
●●●
يقول خبراء أمضوا عقودًا فى دراسة المنطقة، إن أصل الصراع الدموى الدائر فى غزة وإسرائيل مُعقد، نظرًا للتاريخ الطويل المتنازع عليه فى المنطقة.. ومع استمرار الهجمات، يخشى الخبراء من أن أى محاولات لتحقيق السلام الحقيقى بين الفلسطينيين والإسرائيليين ربما تكون قد تعرضت لصد قوى.. وتعود الصراعات إلى العصور الوسطى، ولكن على وجه التحديد، فإن الصدامات الأكثر حداثة، نشأت عن تداعيات الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1967، كما تقول سوزانا هيسشيل، رئيسة برنامج الدراسات اليهودية فى جامعة دارتموث، والتى كتبت العديد من الكتب حول هذه المنطقة.. وانتهت الحرب، المعروفة فى إسرائيل بحرب الأيام الستة، بسيطرة إسرائيل على عدة أراضٍ، بما فى ذلك قطاع غزة، وهو ما أدى إلى العنف والتداعيات السياسية التى حلت بالمنطقة حاليًا، «ما نراه اليوم، هو نتيجة تلك الحرب، أو كيف استجابت الأطراف المختلفة فى تلك الحرب حتى النهاية».. لقد أعلنت إسرائيل، بعد معاركها مع مصر ولبنان وسوريا والأردن، عن انتصارها السريع وأراضيها الجديدة، شملت أراضى يزعم اليهود الإسرائيليون أنها ذات أهمية تاريخية طويلة بالنسبة لهم.. وفى الوقت نفسه، كان على إسرائيل أن تتعامل مع تدفق العرب الذين يعيشون الآن تحت سيطرتها، والانتقام من الدول المجاورة التى لا تزال تنازع إسرائيل بشأن مطالبات الأرض.
وهنا يأتى السؤال: هل كان ما حدث ليس نصرًا فى الواقع بأى شكل من الأشكال، لأن عواقبه كانت صداعًا هائلًا لإسرائيل؟.
كانت إسرائيل هدفًا للعديد من الحملات العسكرية التى شنتها الدول فى تلك الحرب، وخصوصًا مصر، لمحاولة استعادة أراضيها، بما فى ذلك حرب 1973 العربية- الإسرائيلية، المعروفة فى إسرائيل باسم حرب «يوم الغفران».. وفى نهاية المطاف، استعادت مصر شبه جزيرة سيناء عام 1982، بعد اتفاق وقعته مع إسرائيل.. لكن ظلت غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، واستمرت التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذين بدأوا فى بناء المستوطنات فى المنطقة.. لقد بلغت التوترات نقطة تحول عام 1987 أثناء الانتفاضة الأولى، عندما بدأ الفلسطينيون فى التمرد بعنف ضد القوات الإسرائيليية.. وفى هذه الأثناء ظهرت حماس، وبدأت فى شن هجمات عنيفة ضد هذه القوات.. وبحلول نهاية الانتفاضة أوائل التسعينيات، كان أكثر من ألف شخص قد قُتلوا، وتحولت غزة إلى خراب بسبب القتال.. وفى نهاية المطاف، وافقت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو عام 1993، التى منحت الفلسطينيين حق الحكم الذاتى.. كانت المعاهدة بداية جيدة، ولكن كان بإمكان الزعماء على الجانبين أن يبذلوا المزيد من الجهود لتقليل التوترات والعنف.
عندئذ، حاولت السلطة الفلسطينية التى تحكم غزة- فى ذلك الوقت- وتستمر فى حكم الضفة الغربية، كبح جماح المقاومة، إلى جانب الحكومة الإسرائيلية، ولكنها لم تكن ناجحة دائمًا، واستمرت جماعات مثل حماس فى التحريض على المقاومة ضد إسرائيل.. إلى أن اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000، وأصيب وقُتِل المئات فى الاحتجاجات العنيفة.. وبعد خمس سنوات، صوتت الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب من غزة، وأخلى رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك، أرييل شارون، إحدى وعشرين مستوطنة فى القطاع.. وقد ترك انسحاب المستوطنات اليهودية لدى بعض اليهود الإسرائيليين، مشاعر الاستياء التى لا تزال تشتعل فى نفوسهم حتى يومنا هذا.. وبصعود حماس فى الانتخابات التى جرت فى 2006، أصبحت الحزب الرائد فى غزة، وزادت حدة المقاومة، بالرغم من تراجع الموارد الاقتصادية المتاحة لحماس، حيث قطعت إسرائيل ودول أخرى الدعم عن القطاع، كما فرضت إسرائيل حصارًا على القطاع الساحلى، والذى لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا.
لذلك، فإن مجرد التفكير فى أن إسرائيل قد تفكر فى عملية سلام مع حماس، هو أمر غير واقعى على الإطلاق.. ورغم أن المشاعر متوترة، ولا يزال من المرجح أن يستمر العنف فى المستقبل المنظور، فإن على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين أن يأخذوا الوقت الكافى لحل قضية الأرض التى استمرت لعقود من الزمن، لأنه من المستحيل تحديد العواقب طويلة الأمد لهجوم حماس والرد الإسرائيلى، لكن الجانبين سيعيشان فى خوف مع تصاعد العنف، وإلى إشعار آخر.
●●●
ومع هذا، يبقى للكاتب الأمريكى، توماس فريدمان، رأى آخر.. إذ يلفت انتباهنا إلى خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. عندما رفع نتنياهو خريطتين خلال خطابه، واحدة أسماها «النعمة»، والأخرى «اللعنة»، وأظهرت لوحة «اللعنة» سوريا والعراق وإيران باللون الأسود، كتحالف مانع بين الشرق الأوسط وأوروبا.. وأظهرت الخريطة الثانية، «النعمة»، الشرق الأوسط مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر والسودان باللون الأخضر، وسهم أحمر ثنائى الاتجاه يمر عبرها، كجسر يربط عالم التحالف الأمريكى فى آسيا بنظيره فى أوروبا.. وإذا نظرت عن كثب إلى خريطة «اللعنة»، فإنها تُظهر إسرائيل، ولكن لا حدود مع غزة والضفة الغربية التى تحتلها إسرائيل، كما لو كانت قد تم ضمها بالفعل، الذى هو هدف الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وهذا هو المغزى.. القصة التى يريد نتنياهو أن يرويها للعالم، هى أن إيران ووكلاءها، هم العقبة الرئيسية أمام عالم التحالف الممتد من أوروبا، عبر الشرق الأوسط، وإلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.. لكن فريدمان يرى أن حجر الزاوية فى هذا التحالف برمته هو التطبيع السعودى  الإسرائيلى، القائم على المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين المعتدلين.. إذا مضت إسرائيل قُدمًا الآن، وفتحت حوارًا حول حل الدولتين لشعبين مع سلطة فلسطينية تم إصلاحها، والتى قبلت بالفعل معاهدة أوسلو للسلام، فستكون هذه هى الضربة الدبلوماسية القاضية، التى ستصاحب وتعزز الضربة العسكرية التى وجهتها إسرائيل إلى حزب الله وحماس.. ومن شأن ذلك أن يعزل قوى المقاومة فى المنطقة عزلًا تامًا ويزيل عنها ما يقولون بأنهم المدافعون عن القضية الفلسطينية.. لا شىء سيهز إيران وحماس وحزب الله وروسيا، وحتى الصين، أكثر من ذلك.. ولكن للقيام بذلك، سيتعين على نتنياهو أن يخاطر سياسيًا، أكبر من المخاطرة العسكرية التى قام بها للتو، بقتل قيادة حزب الله، حسن نصرالله.
سيتعين على نتنياهو أن ينفصل عن «حزب الله الإسرائيلى»- وهو فى نظر فريدمان، ائتلاف المستوطنين اليهود اليمينيين المتطرفين، والمسيحيين الذين يريدون أن تسيطر إسرائيل بشكل دائم، على جميع الأراضى من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، مع عدم وجود خطوط حدودية بينهما- تمامًا كما هو الحال على خريطة الأمم المتحدة.. هذه الأحزاب تُبقيه فى السلطة، لذلك سيحتاج إلى استبدالها بأحزاب وسطية إسرائيلية، يمكن أن تتعاون معه فى مثل هذه الخطوة.. ليبقى التحدى الكبير أمام نتنياهو هو استعداد نتنياهو لمتابعة ضربته لـ«حزب الله» فى لبنان، من خلال توجيه ضربة سياسية مماثلة لـ«حزب الله» فى إسرائيل.. على حد تعبيره.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.