بايدن أخطأ فى حق العالم!
عندما أسقطت طائرات إسرائيل، أمريكية الصنع، من طراز F-35، أطنانًا من القنابل الخارقة التحصينات، على ستة بنايات بالضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفة المقر الرئيسى لحزب الله، وقت أن كان أمينه العام يجتمع فيه مع بعض قياداته وقيادات من الحرس الثورى الإيرانى.. أُشيع وقتها أن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، أُصيب إصابات خطيرة، تستدعى نقله إلى طهران للعلاج.. ساعتها، حلقت الطائرات الإسرائيلية حول مطار رفيق الحريرى فى بيروت، للحيلولة دون خروج نصر الله حيًا، حتى ولو استدعى ذلك ضرب المطار.. ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل منعت هبوط الطائرات الإيرانية، خشية أن تكون محملة بإمدادات عسكرية لحزب الله من طهران، وعليه، أوقفت إيران رحلات طائراتها المدنية إلى بيروت.. وكذلك فعلت تل أبيب مع مرفأ بيروت، فارضة على لبنان ما يشبه الحصار العسكرى، جوًا وبحرًا، وهى التى سبق ودمرت المعابر البرية بين لبنان وسوريا، لنفس الغرض.. فهل باتت لبنان وحيدة تواجه ظروفها الصعبة؟
كعادته فى مثل هذه الظروف، اتصل الرئيس عبدالفتاح السيسى هاتفيًا برئيس الحكومة اللبنانى، نجيب ميقاتى، ليؤكد دعم مصر الكامل للبنان، ووقوفها بجانبه فى هذه الظروف الدقيقة، ورفض القاهرة المساس بأمنه أو استقراره أو سيادته ووحدة أراضيه، ومشددًا على ضرورة الوقف الفورى والشامل والدائم لإطلاق النار بكل من لبنان وغزة.. ومن جديد، حذر الرئيس السيسى، من أن عدم اضطلاع المجتمع الدولى بمسئولياته لوقف الممارسات العدوانية تجاه الأراضى الفلسطينية ولبنان، يهدد بانزلاق المنطقة لحالة خطيرة من التصعيد، بما يضع الاستقرار والسلم الإقليميين والدوليين على المحك.. ثم وجه بإرسال مساعدات طبية وإغاثية طارئة للبنان بشكل فورى، تضامنًا مع شعبه، مؤكدًا استمرار دعم مصر لهذا البلد المنكوب على جميع الأصعدة.
ليس ذلك فحسب، بل إن كلمة مصر بالجمعية العامة للأمم المتحدة جاءت شاملة وجامعة، عندما تحدثت، على لسان بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، عن أهمية الحفاظ على مصداقية الأمم المتحدة والنظام متعدد الأطراف، لأن ما يحدث فى غزة يشكك فى هذه المصداقية، بسبب ما يراه الرأى العام من ازدواجية فى المعايير ونفاق دولى، بعدم التدخل والصمت على جرائم تُرتكب على مدار العام دون أى تدخل خارجى.. كما تناولت مبادئ القانون الدولى وأهمية الحفاظ عليه وأهمية صيانته، لأن هناك من لم يعد يؤمن بهذه المبادئ.. كما عرجت الكلمة على قضايا العالم الثالث وقضايا إفريقيا «لأننا نعتز بإفريقيتنا»، كما تحدثت عن أزمات غزة والسودان والأزمة اليمنية والسورية وأزمات الشرق الأوسط، وضرورة الاستقرار فى البحر الأحمر، الذى سبب انخفاضًا كبيرًا فى عائدات قناة السويس، وكذلك ضرورة وحدة الدولة الصومالية، والأمن المائى.. كلمة شاملة وجامعة نقلت صوت مصر، الذى هو صوت إفريقيا والعرب، إلى العالم والمحفل الأممى المهم.
وفور انتهائه من إلقاء كلمة مصر أمام المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أجرى موقع «أخبار الأمم المتحدة»، التابع للمنظمة الدولية، حوارًا مع وزير الخارجية، الذى أكد فيه أن العائق أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين هناك، هو عدم وجود «إرادة» لدى الحكومة الإسرائيلية لفعل ذلك.. وحذر من «نوايا» جر المنطقة بأسرها إلى حرب إقليمية شاملة.. وفى الوقت الذى تدين فيه مصر أى انتهاك لسيادة لبنان، فإنها حذرت مرارًا من وجود نية مبيتة للتصعيد فى المنطقة، التى أصبحت على حافة الهاوية، مما خلق شعورًا بالإحباط والغضب فى الشارع العربى، إزاء ازدواجية المعايير و«وجود دولة فوق القانون بإفلاتها من العقاب».. وأن عدم التعامل «مع التهديد الإسرائيلى الآن فى المنطقة، وما يمثله من تهديد للأمن والسلم الدوليين، مسألة خطيرة، ولا يجب التسامح معها».. وشدد على ضرورة التدخل لفرض إجراءات «لمنع هذا العدوان ووقفه عند حدوده».
الحقيقة المرة، هى وجود نية مبيتة للتصعيد فى المنطقة.. فكل هدف الحكومة الإسرائيلية الحالية، ليس استمرار العدوان على غزة والضفة الغربية ولبنان، ولكن أيضًا التصعيد الإقليمى، وإمكانية جر المنطقة برمتها إلى حرب إقليمية شاملة.. المنطقة بالفعل على حافة الهاوية والتصعيد مستمر.. وللأسف الشديد، نلحظ تقاعسًا من المجتمع الدولى، وعدم تحرك جاد وتدخل من جانب المنظومة الدولية، ومن الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية، للعمل على تجنب الوصول إلى مواجهة شاملة.. «لن نتوقف عن الجهود المبذولة، وكل هذا يتوقف على الإرادة السياسية، وخصوصًا من المجتمع الدولى»، هكذا أوضح وزير الخارجية، بدر عبدالعاطى، إذا كانت هناك جدية وإجراءات محددة وثمن يتم دفعه، لهذه التجاوزات والانتهاكات الصارخة للقانون الدولى ومبادئ القانون الدولى الإنسانى، فهنا سيكون الأمل.. أما إذا تُرك الأمر لطرف ما أن يعيث فى المنطقة بهذا الشكل ويقودها إلى حافة الهاوية، فهذا أمر شديد الخطورة، وينبئ بتصعيد غير مسبوق وانفجار محتمل فى المنطقة.. فمن يستطيع كبح جماح إسرائيل؟
حين سُئل جون كيربى، المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، عن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الرافض لمشروع وقف إطلاق النار المؤقت لمدة واحد وعشرين يومًا، ضد حزب الله فى لبنان، الذى اقترحته واشنطن وباريس، وأيدته دول عديدة، بعدما أشارت مصادر فى مكتبه إلى موافقته.. لم يجد المسئول الأمريكى جوابًا.. بل أكد أن المقترح الفرنسى الأمريكى، أو «النداء» الذى انضمت إليه عدة دول أوروبية وعربية، صِيغ بالتشاور مع الجانب الإسرائيلي، وقال، «إن البيان الذى عملنا عليه لم يتم صياغته من فراغ، بل بعد مشاورات متأنية، ليس فقط مع الدول التى وقعت عليه، إنما مع إسرائيل نفسها».. وتساءل: ما الذى دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى التصريح بذلك؟
هذه ليست المرة الأولى التى ينسف فيها نتنياهو المبادرات الأمريكية، منذ تفجُر الحرب فى قطاع غزة، يوم الثامن من أكتوبر الماضى.. فخلال الزيارات التسع التى قام بها وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، إلى المنطقة منذ أكتوبر، وجد الدبلوماسى الأمريكى الرفيع نفسه على خلاف عدة مرات مع كبار القادة الإسرائيليين.. إذ فى إحدى المناسبات، فى نوفمبر الماضى، حث بلينكن فى مؤتمر صحفى إسرائيل على وقف هجومها العسكرى فى غزة، للسماح بدخول المساعدات إلى القطاع الفلسطينى.. لكن بعد لحظات معدودة، رفض نتنياهو الفكرة فى بيان أذاعه التليفزيون الإسرائيلى، وقال فيه، إنه أوضح لبلينكن أن إسرائيل ستواصل عملياتها «بكل قوة».. كذلك، بُعيد ساعات من تأكيد الولايات المتحدة، قبل أشهر، أن الجانب الإسرائيلى وافق على مقترح للتهدئة فى غزة، خرجت الحكومة الإسرائيلية نافية.. والأمر نفسه تكرر فى ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلى، من ممر فيلادلفيا الحدودى مع مصر، جنوب القطاع، قبل أشهر أيضًا.. كل ذلك، أضعف بشكل كبير الموقف الأمريكى.
لقد حاول الرئيس الأمريكى، جو بايدن، على مدار العام الماضى، تحقيق التوازن بين دعم إسرائيل ضد حركة حماس فى غزة، وحزب الله فى لبنان، وبين محاولته احتواء الخسائر بين المدنيين؛ حفاظًا على الصورة الأمريكية، ومنعًا لانقلاب الناخبين ضده، ومنع اتساع نطاق الصراع فى الشرق الأوسط.. وواجه مرارًا أوجه القصور فى هذه الاستراتيجية، كان آخرها رفض إسرائيل مقترحًا تدعمه واشنطن، بإعلان هدنة عبر الحدود اللبنانية، بينما تواصل إسرائيل شن ضربات قتلت مئات اللبنانيين، وقادة كبار من حزب الله، قبل أن تغتال بعدها بساعات، حسن نصر الله، أمين عام الحزب اللبنانى وعشرين من كبار القيادات.. وهنا، يرى جوناثان بانيكوف، نائب ضابط المخابرات الوطنية السابق لشئون المنطقة فى الحكومة الأمريكية، «ما نراه هو حدود قوة الولايات المتحدة ونفوذها فى الشرق الأوسط».. كما رأى بعض الدبلوماسيين الأجانب، أن تعامل بايدن مع الأوضاع فى الشرق الأوسط المضطرب، وخصوصًا فى طريقة الاستجابة لحرب غزة، أضعف مصداقية الولايات المتحدة على الساحة الدولية.. وقال أحد المسئولين الغربيين «كان الخطأ الأصلى الذى ارتكبه بايدن، هو القول إن بلاده ستقف إلى جانب إسرائيل مهما كلف الأمر.. ولم نتعافَ من ذلك حتى الآن».
خلاصة القول، إن الدبلوماسية الأمريكية «فشلت فى ترهيب الخصوم»، عندما أرسل بايدن أصولًا عسكرية إلى المنطقة، بعد السابع من أكتوبر، كتحذير لإيران والجماعات المتحالفة معها، لكن يبدو أن ذلك لم يردعها على الإطلاق.. لأن بايدن أحجم عن ممارسة قدر كبير من نفوذ واشنطن، باعتبارها أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل، والدرع الدبلوماسية لها فى الأمم المتحدة، لإخضاع نتنياهو لإرادتها أولًا.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.