هل يشعل اغتيال حسن نصرالله حربًا مفتوحة فى لبنان؟
تقف منطقة الشرق الأوسط حاليًا أمام تداعيات خطيرة، بعد نجاح إسرائيل فى اغتيال حسن نصرالله، الأمين العام لـ«حزب الله»، والذى يعنى الانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة بين تل أبيب والتنظيم اللبنانى المسلح.
ويمثل الهجوم الإسرائيلى الأخير على لبنان، واغتيال «نصرالله»، إعلانًا واضحًا بالانتقال إلى مربع «الحرب المفتوحة»، خاصة مع التوقعات بإمكانية تصعيد «حزب الله» من مستوى هجماته داخل العمق الإسرائيلى، متجاوزًا الهجمات الصاروخية التى شنها خلال الأيام الماضية.
ومما يعزز فرضية الانتقال إلى «الحرب المفتوحة»، تكثيف سلاح الجو الإسرائيلى، خلال الساعات القليلة الماضية، وبعد عملية اغتيال حسن نصرالله، من هجماته ضد «حزب الله»، بالتزامن مع زيادة حالة التأهب والاستعدادات فى الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع حدود لبنان.
كل ذلك يعنى أنه ليس مستبعدًا أن تكون إسرائيل بصدد تنفيذ عملية اجتياح برى جزئى لجنوب لبنان، خاصةً مع تضمن استعداداتها الحالية فى الجبهة الشمالية تدريبات على هذه العملية، بجانب تعزيز قواتها بلواءين إضافيين.
الهجوم الشامل على إسرائيل سيناريو متوقع.. والهجمات الانتقامية الأقرب للتنفيذ
أثرت الضربات الإسرائيلية الأخيرة فى جنوب لبنان على كفاءة القيادة والسيطرة لدى «حزب الله»، ما أدى إلى إضعافها بشكل كبير، وهو ما سيظهر بطبيعة الحال فى أى مواجهة مقبلة.
وكان «حزب الله» لا يزال يلتزم بقواعد «الاشتباك المتدرج»، فى هجماته الأخيرة ضد إسرائيل، سواء التى استخدم فيها الصواريخ أو الطائرات المسيرة، وتجاوزت جنوب حيفا، ما عكس عدم رغبة التنظيم فى استخدام مخزونه من الصواريخ الباليستية لضرب «أهداف استراتيجية» فى العمق الإسرائيلى، رغم أنها قد تُحدث خسائر كبيرة.
لكن قد يتغير التقدير داخل «حزب الله» إلى ضرورة الرد على إسرائيل، بعد اغتيال أمينه العام، ليبدأ تصعيد ضرباته ضد العمق الإسرائيلى، على أن يشمل ذلك أهدافًا تمثل أضرارًا بشكل ما لدولة الاحتلال.
ولن تكون جبهة اليمن والعراق بمعزل عن رد «حزب الله» على اغتيال إسرائيل لـ«نصرالله»، فمن المتوقع شن ضربات بطائرات مسيرة وصواريخ من هناك ضد أهداف إسرائيلية، لكنها ستكون ضعيفة نسبيًا، وإن كان هدفها الرئيسى مهمًا، وهو ممارسة ضغط على إسرائيل لإجبارها على وقف توسيع التصعيد.
فى المقابل، يستعد الجيش الإسرائيلى لعدد من السيناريوهات والتداعيات، بعد اغتيال حسن نصرالله، أولها سماح إيرانى لـ«حزب الله» و«الحوثيين» بشن هجوم بكمية ضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بالإضافة إلى إمكانية انضمام إيران نفسها إلى الرد المباشر، بشن ضربات من طهران.
ويعد هذا السيناريو الأكثر خطورة، لكن حدوثه غير مرجح بنسبة كبيرة، على الأقل فى الوقت الحالى، فى ظل حاجة إيران وأذرعها إلى ترتيبات داخلية عديدة، إلى جانب الضغوط الدولية الساعية لمنع اشتعال المنطقة بحرب شاملة. أما السيناريو الثانى فيتضمن ردود أفعال محددة من قبل أذرع إيران فى المنطقة، من خلال تنفيذ هجمات انتقامية من عدة مراكز، بالإضافة إلى إحداث اضطراب فى الضفة الغربية، وهو السيناريو الأقرب للتنفيذ حاليًا، فى ظل فقدان «حزب الله» الصفين الأول والثانى من قياداته داخل لبنان.
وفى كل الأحوال، رفع جيش الاحتلال الإسرائيلى حالة التأهب إلى أعلى مستوى دفاعى، فى البر والبحر والجو، استعدادًا لتنفيذ أى من هذه السيناريوهات، مع تعزيز الجبهة الشمالية بلواءى مشاة إضافيين، وتجهيزهما لأى مناورات برية فى لبنان، إذا لزم الأمر، وفق تقارير إعلامية إسرائيلية.
وتترقب التقديرات الإسرائيلية الآن ما إذا كانت القيادة الحالية لـ«حزب الله»، بغض النظر عن نتائج الهجوم، ستتمسك بالخط المتشدد ضد إسرائيل، بما يربط مصير التنظيم باستمرار القتال فى قطاع غزة، أم ستعيد حساباتها من جديد، بعد اغتيال حسن نصرالله.
وبحسب التقارير الإسرائيلية ذاتها، فإن تزامن عملية اغتيال «نصرالله»، بالتزامن مع إلقاء بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان أمرًا مدروسًا، وجاء لتوجيه رسالة تهديد واضحة إلى إيران و«حزب الله»، مفادها أن «أى هدف ليس ببعيد عن إسرائيل». كما أن توقيت العملية يشير إلى حقيقة واضحة، هى عدم وجود أى نية لدى إسرائيل للتجاوب مع مبادرات ومقترحات وقف إطلاق النار، واعتمادها على استراتيجية «التصعيد الشامل» مع «حزب الله» حتى تحقيق الهدف المعلن.
وتزعم إسرائيل أن الهدف الحقيقى من عملياتها العسكرية فى لبنان إعادة السكان الإسرائيليين إلى مناطق الشمال، وتدمير القدرات العسكرية لـ«حزب الله»، ومنع أى تهديد مستقبلى من الجبهة الشمالية، لكن توقيت الهجوم يكشف عن رفض تل أبيب أى مبادرة مطروحة لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد، وأن هدفها من هذه الحرب يتجاوز الرغبة فى إعادة السكان إلى مستوطنات الشمال.
نعيم قاسم وهاشم صفى الدين أبرز المرشحين لقيادة التنظيم اللبنانى
يمثل اغتيال حسن نصرالله حالة اضطراب واضحة لقيادة «حزب الله»، خاصةً مع الحاجة لسرعة اختيار خليفته، لمنع انهيار التنظيم اللبنانى بشكل كامل.
ويعد الشيخ نعيم قاسم، الذى يشغل نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، أحد أبرز المرشحين لتولى رئاسة التنظيم خلال الفترة المقبلة، خاصةً أنه كان أحد أهم المقربين إلى «نصرالله». كما أن هاشم صفى الدين، ابن خالة حسن نصرالله، يعد أحد أبرز المرشحين لخلافة الأمين العام لـ«حزب الله»، خاصة فى ظل تشابه سلوكه وإدارته الأمور مع «نصرالله»، وهو ما قد يحافظ على عدم إجراء تغيير كبير فى آلية عمل الحزب. لكن، مع الاختراق الإسرائيلى الواسع لـ«حزب الله»، وهياكله التنظيمية حتى مستوى القيادة، ستكون هناك احتمالات واردة لإمكانية اغتيال أى منهما من قِبل إسرائيل، على طريقة حسن نصرالله.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكى، بدا التنسيق بين إدارة جو بايدن وإسرائيل واضحًا، فى العمليات الأخيرة ضد «حزب الله» فى لبنان، وهو ما أكده إعلان «البنتاجون» عن أن لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكى، تحدث بالفعل مع نظيره الإسرائيلى، يوآف جالانت، خلال تنفيذ جيش الاحتلال عملية اغتيال «نصرالله». ويتواءم موقف الولايات المتحدة مع نية إسرائيل تنفيذ عملية اجتياح برى جزئى للبنان، فى ظل ما يمكن أن تمثله هذه الخطوة من عامل ضغط واسع على «حزب الله»، قد يجبره على قبول إرجاع قواته إلى شمال نهر الليطانى.