رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا خاطبت مصر العالم

مفتاح المقاربة المصرية لكل أزمات المنطقة، من ليبيا إلى سوريا ومن السودان إلى الصومال، هو الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية وسلامتها الإقليمية ودعم مؤسساتها. ومن منبر الأمم المتحدة، أوضحت مصر أمس الأول، السبت، أن الحل دائمًا، فى كل هذه الأزمات، هو عملية سياسية شاملة، تعيد توحيد مؤسسات الدولة الوطنية، وتواجه محاولات خلق فراغ سياسى وأمنى تملؤه الميليشيات الطائفية والسياسية، أو تستغله أطراف إقليمية أو دولية طامعة فى مد نفوذها على حساب دول المنطقة وشعوبها.

مخاطِبًا المجتمع الدولى باسم دولة مؤسسة للأمم المتحدة، يدرك القاصى والدانى دورها فى بناء الجسور ونسج التوافقات والدفاع عن مصالح نطاقاتها العربية والإفريقية والنامية، ألقى وزير خارجيتنا بيان مصر أمام النقاش رفيع المستوى للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذى انتهى بالتأكيد على أننا سنستمر فى العمل على بناء السلام وتعزيز الاستقرار فى منطقتنا والعالم، مستلهمين حضارة ضاربة فى جذور التاريخ، متسلحين بعقول شباب واعد قادر على صنع المستقبل، داعين للحفاظ على حرمة الحياة دون تفرقة بين لون أو جنس أو دين، متمسكين بعدالة النظام الدولى متعدد الأطراف.

مُجددًا، قالت مصر إن العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية، منذ حوالى عام، يمثل وصمة عار حقيقية على جبين المجتمع الدولى ومؤسساته العاجزة عن ممارسة الحد الأدنى من الجهد والضغط لوقف هذا العدوان. ومع إدانتها الشديدة للتصعيد الإسرائيلى الخطير، الذى لا يعرف حدودًا، وقد يجر المنطقة إلى حافة الهاوية، أكدت الدولة المصرية رفضها التام وإدانتها الكاملة العدوان الإسرائيلى الراهن على لبنان الشقيق، الذى يشكل انتهاكًا لسيادته ووحدته وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسى.

أولويتنا القصوى، الآن، هى وقف حمام الدم بشكل فورى ودائم وغير مشروط، وإدخال المساعدات الإنسانية والوقوف بمنتهى الحسم أمام أى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسرى أو سياسات الإحلال السكانى. كما أعادت مصر، بلسان وزير خارجيتها، التأكيد على أن إقامة دولة فلسطينية موحدة على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية يظل هو السبيل الوحيد للحل العادل والشامل الذى يعيد الاستقرار للمنطقة والعالم، باعتبارها القضية المركزية، ولب الصراع بالمنطقة.

سبيل آخر، رأت الدولة المصرية أنه الوحيد لتحويل الاختلافات فى الموارد بين الدول إلى ميزات نسبية لتحقيق التكامل والتعاون، هو تعزيز مبدأ المسئولية المشتركة، الذى يتلازم، حكمًا، مع رفض النهج الأحادى فى إدارة الموارد وتسوية أى خلافات بشأنها. ومن هذا المنطلق، أوضح البيان أن مبدأ التعاون مع دول حوض النيل الشقيقة يمثل الركن الأساسى فى المقاربة المصرية للتوصل إلى أفضل السبل لإدارة موردنا المائى المشترك، لافتًا إلى أن إثيوبيا أصرت على تبنى سياسة التسويف والتعنت ولىّ الحقائق ومحاولة فرض أمر واقع بإنشاء وتشغيل ذلك السد، الذى تبنيه على النيل الأزرق، بالمخالفة لقواعد القانون الدولى، وبلا اكتراث بأثر ذلك على حياة الملايين فى دولتى المصب، مصر والسودان.

تأسيسًا على ذلك، وبعد ١٣ سنة من التفاوض، دون جدوى، وفى ظل استمرار الإجراءات الإثيوبية الأحادية فى انتهاك صارخ للقانون الدولى، خاصة اتفاق إعلان المبادئ لسنة ٢٠١٥، والبيان الرئاسى لمجلس الأمن لسنة ٢٠٢١، وبعد انتهاء المفاوضات فى ديسمبر ٢٠٢٣، أكدت مصر، فى بيانها، أنها ستستمر فى مراقبة تطورات عملية ملء وتشغيل ذلك السد، عن كثب، محتفظة بكل حقوقها المكفولة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لاتخاذ كل التدابير اللازمة دفاعًا عن مصالح وبقاء شعبها. وبمنتهى الحسم، قال البيان: «مخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف أو تتسامح مع أى تهديد وجودى لبقائها». 

.. وتبقى الإشارة إلى أن بيان مصر أمام النقاش رفيع المستوى للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد أن الظرف الدولى الراهن يستوجب دق ناقوس الخطر، محذّرًا من أن المنظومة الدولية، التى تأسست منذ حوالى ثمانية عقود، باتت تواجه خللًا جوهريًا قد يفضى إلى تآكلها ويهدد بقاءها، بفعل غياب الفاعلية، وانعدام المساواة، وتفشّى المعايير المزدوجة.