كوارث أكبر من الانتصارات
الآن يتوحد العالم ويتكاتف من أجل القضاء على الفوضى والإرهاب، ومنع الحروب، ومكافحة الأمراض، وإحلال السلام وتكريس الاستقرار.
ولكن يبدو أن منطقتنا العربية لم تشبع ولم ترتوِ من الحروب التى خاضتها منذ ثمانين عامًا. والتى تدفع ثمنها الشعوب البائسة، والتى أنتجت آلاف الضحايا والأيتام والمصابين والعجزة فضلًا عن المشردين، ومن شوهتهم الحروب. فضلًا عما يعانيه هؤلاء من النتائج الاقتصادية البائسة التى سببتها لهم الحروب وتركتهم غالبًا فى حالة عوز وفقر.
لا يوجد قائد ديمقراطى، يأخذ ما يتحمله هؤلاء الضحايا فى اعتباره، حين يتخذ قرار الحرب.
ربما كانت أهداف هؤلاء القادة إثبات واكتشاف وحشيّة العدوّ الإسرائيلى وتقديم دليل قاطع على تلك الوحشية التى تنهش مقدراتنا وشعوبنا، هذا الدليل الذى يريدون إثباته، دليل قاطع وظاهر ويراه العالم أجمع، ولكنه أصبح يتغاضى عنه، لم تعد تلك الصورة عن إسرائيل تهمه كثيرًا لفرط تكرارها، وظهورنا بمظهر الذليل فى كل مرة. لقد أصبحت تلك الصور على بشاعتها، مكررة وباردة فى عيون الغرب، ولم يعد يهتم بها.
فى كل الحروب التى تخوضها الدول المحترمة والراقية، يحسب قادتها حسابات المكسب والخسارة والفائدة من الحرب، قبل الدخول فيها، ولا توجد دولة دخلت حرب بإرادتها، إلا وكان لها غرض سياسى تفرضه، أو غرض اقتصادى تبتغيه، وربما لفك حصار اقتصادى أو تحقيق أى هدف آخر، حتى ولو كان توسعيًا مثلما فعل هتلر وموسولينى وقادة الدول الذين تعاطفوا معه ومن قبلهم نابليون بونابرت.
يسمى بعض الساسة الكبار، الحرب بأنها التفاوض بالنيران. الحرب اليوم لم تعد ساحة معركة؛ إنها معاناة، إنها قتل وموت وإصابات جسيمة، ومدن مدمرة ونساء وأطفال تمت التضحية بهم دون سبب، وعالم دمرته الحروب ودمرته رياح الوحشية والجنون التى تنتاب بعض القادة المتحمسين، وتدفع الشعوب البسيطة الثمن.
قرارات الحرب يتخذها القادة فى غرف مغلقة، وفى الدول الديمقراطية لا بد أن يوافق البرلمان على قرار الحرب، لأنه قرار خطير يتعلق بمستقبل الشعب وهو من سيدفع التكاليف، أما فى الدول التى يحكمها الأباطرة، فإن قرارات الحرب يتخذها القادة بإرادتهم المنفردة لإرضاء غرورهم، ويؤيدها المنافقون من أتباعهم، ولا مجال للنقاش أو بحث الجدوى والنتائج، من يعترض يكون مصيره القتل والسجن على أقل تقدير، مثلما اختار صدام حسين قرار الحرب ضد الكويت فى أغسطس 1989، وكانت النتيجة كارثية على الكويت والعراق والمنطقة العربية كلها، وأوجدت تحالفًا دوليًا ضد العراق، وتم تدميرها، وتقسيمها إلى طوائف، وانهار اقتصادها، بعد أن كان يفيض على الدول الأخرى مثل سوريا والجزائر ومصر تونس والأردن. الآن العراق ما زال يعيش مريضًا من جراء قرار حرب كان خاطئًا بكل المقاييس.
ودفعت القضية الفلسطينية ثمن تأييد قرار صدام حسين.
وهو نفس القرار الذى اختاره قادة حماس، يوم بدأت الحرب على إسرائيل، فى 7 أكتوبر 2023. لم تؤثر التداعيات الاقتصادية على حماس وغزة واسرائيل والضفة الغربية فقط، فقط بل طالت بقية دول الجوار أيضًا، إذ وصلت الخسائر الشهرية لقطاع السياحة فى الأردن حوالى 250 مليون دولار، أما قناة السويس فوصلت الخسائر المباشرة إلى مليارى دولار.
أما لبنان فقد دفع ثمنًا فادحًا، وتحمل الشعب اللبنانى عذاب التهجير دون ذنب سوى أنه على أرضه نشأ حزب الله الذى يوالى إيران ويأتمر بأمرها.
لقد دخلت حماس الحرب وكانت تهدف منها تحقيق الأهداف التى تريدها وهي: محاولة فك الحصار المفروض على غزة من قبل إسرائيل منذ 16 عامًا. وإنهاء السيطرة الأمنية العسكرية على معابر غزة التى تعتبر شريان الغذاء والدواء والطاقة والتجارة. والتخلص من هيمنة إسرائيل على الضرائب والنظام المصرفى والكهرباء والمياه والغاز والبلديات المحلية.
ولكن هل تحقق شىء من ذلك؟ ولا شك أن ما دفعته منظمة حماس من تضحيات، فاقت 42 ألف شهيد من الفلسطينيين، فضلًا عن إصابة أكثر من 90 ألف مصاب، وتهدم أكثر من 80% من المنشآت الحيوية فى غزة تحتاج لمليارات الدولارات لإعادة إعمارها، فضلًا عمن تم تشريدهم من الأهالى وخسائرهم النفسية والمادية، وقد دفعت المنظمة مقابل ذلك اغتيال أبرز قادتها وخيرة رجالها.
وهل حققت إسرائيل ما تهدف إليه من تحقيق الأمن، وتحرير الأسرى الذين استمرت الحرب من أجلهم؟، لم يحدث شىء من ذلك.
يحتاج السلام، إلى قرار جرىء، وقادة عظام أكثر جراءة، يتحملون المسئولية أمام شعوبهم لإنقاذ ما تبقى وتحقيق السلام والطمأنينة والرخاء لأبناء بلدهم ومواطنيهم.