كلنا مع لبنان.. ولكن!
لم يذق شعب مرارة الحروب كما ذاق شعب لبنان، حروب ممتدة من أعوام 48 ومستمرة حتى اليوم الذى استعر فيه العدو الصهيونى مستهدفًا هذا البلد المسالم الجميل.
الرغبة الصهيونية فى توسيع دائرة الحرب فى المنطقة وإجبار الولايات المتحدة على الاشتباك مع جيرانها حتى تمتد الحرب لإيران وتستمر لسنوات تتعطل خلالها كل سبل التنمية والاستقرار فى محيطنا العربى لعشرات السنين، يدفع ثمنه الآن شعب لبنان.
شعب لبنان ليس مغلوبًا على أمره كما كنا نقول طوال السنوات الماضية، ولن نقولها هذه المرة، لأنه من الطبيعى أن تستعد الدول للأخطار المحيطة بها، ومن المعروف فى النظريات العسكرية والأمنية أن تعامل الدول مع المخاطر واستعدادها تحدده نوعية تلك المخاطر المحتملة والمحيطة.
فمن غير المنطقى مثلًا أن تسعى دولة فى القطب الشمالى لامتلاك السلاح النووى، وهى غير مستهدفة من أى قوى تحيط بها، ولكن من الأفضل فى هذه الحالة أن تسعى الدول التى يحيطها الجليد بما يضمن لها بقاءها من وسائل دفاع ونقل وطاقة تناسب جغرافيتها وتضمن لشعبها البقاء.
ومن هنا كان لا بد أن يسعى لبنان لامتلاك القوة التى تحميه وأن يبنى قدراته الدفاعية بعدما أصبح محاطًا بحدود مشتعلة، وبعد أن زُرع العدو الصهيونى بجواره، وقد ذاق هذا الشعب المسالم مرارة العدوان والغزو والمذابح على أرضه لسنوات طوال.
«لبنان الجريح».. مصطلح لا أحب ترديده، فهو بلد واعد بقدراته حتى وإن كانت ضعيفة، فلا بترول ولا ثروات معدنية، ولكنه يمتلك من العقول القادرة على قيادة دولة مؤثرة وقادرة على الدفاع عن نفسها.
لكن للأسف عقول لبنان المؤثرة معظمها مهاجرة، وتوصف بأنها أقوى الجاليات المهاجرة فى العالم، ولكن تأثيرها على الداخل اللبنانى يكاد يكون منعدمًا.
خاض لبنان حروبًا عدة، منها 48، وتعرض لأزمة خطيرة عام 58 وكُتبت له النجاة، وشكل وقتها أول حكومة توافق.
وتأثر لبنان بعدوان 67 واقترب العدو منه من خلال مرتفعات الجولان، وقام لبنان بواجبه تجاه المقاومة الفلسطينية حتى اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15 عامًا؛ توقفت خلالها كل أشكال التنمية والإنتاج، وبقيت فقط القوة الناعمة اللبنانية الفنية والثقافية التى تميز لبنان، وتعد هى مفتاح قوته الحقيقية.
ولأن القوى الناعمة يقودها النخب- ثقافية وفنية- ومعها النخب السياسية، فمن غير المنطقى أن تستمر الطائفية المقننة بدستور أعور تم التوافق عليه تحت ضغط الحرب الأهلية، فالدساتير يضعها الإنسان، وهى ليست قرآنًا، ولكن لا بد أن تتعامل الدساتير مع المتغيرات والمطالب والمخاطر.
فهل يُعقل أن يُحكم لبنان بدستور طائفى وبجواره عدو غادر، وغير منطقى أن يظل لبنان دون جيش قوى قادر على الدفاع عن وطنه المحاصر بالمخاطر.
لبنان وبعد تجارب الحروب وآخرها حرب 2006 التى خاضها حزب الله وحده وحقق نصرًا على الأرض ونجح فى إفشال مخطط العدو، لكن بعد أن خسر خلال تلك الحرب بنيته التحتية بتفوق العدو بسلاح الجو وافتقار لبنان للدفاعات الجوية، وقد انتهت تلك الحرب منذ ما يقرب من 18 عامًا، ومع ذلك ظل الوضع كما هو، فلا تفكير فى حماية سمائه وأرضه من هجمات وطلعات العدو التى لم تتوقف، ولا تفكير فى وحدة الصف التى تسمح بتقوية الجيش وتزيد من قدراته على صد الهجوم، بما يعادل من كفة الصراع ويحرم العدو من ميزته التى يتفوق بها.
ندرك أن لبنان محاصر ويمتد الحصار على معظم الدول المحيطة بالعدو، وندرك أن لبنان بلد فقير لا يمتلك قدرة تحمل الإنفاق على تسليح جيش قوى، ولكنه قدر لا بد أن يتعامل معه الشعب اللبنانى وأن تتحمل نخبته المسئولية تجاه وطنهم، الذى بات مهددًا وبدأت عمليات تهجيره من جديد.
من جانبنا اعتادت مصر أن تقف بجوار لبنان، ومع كل أزمة تسبق المساعدات المصرية الجميع، ومصر هى الداعم الأهم للموقف اللبنانى، وكل التصريحات الرسمية تصب فى مصلحة لبنان، وقلوب المصريين جميعًا معلقة بحب لبنان وأهله، كما يحبه كل الشعوب المسالمة. بقى أن يقف شعب لبنان مع وطنه ينصره ويأخذ بيده لطريق النجاة، حمى الله لبنان الشقيق ونصره على عدو غادر.