شبابنا بين الإعلام التقليدى وهوس السوشيال ميديا
قرأت قبل يومين منشورًا للأكاديمية النابهة دكتورة سارة فوزى، المدرس بكلية الإعلام جامعة القاهرة علّقت فيه على توجهات الشباب المصرى نحو وسائل الإعلام التقليدية، بناء على الملاحظات التى رصدتها على إثر المقابلات الشخصية التى أجرتها للطلاب الجُدد الملتحقين بإعلام القاهرة هذا العام. حيث ذكرت أنها خرجت بانطباع مهم إزاء توجهات جيل الشباب بشأن متابعة وسائل الإعلام التقليدية، إذ تأكد لها أن شبابنا لا يتابعون برامج الأحداث الجارية أو التوك شو أو أيًا من المنصات الإخبارية، فى حين أن وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة ومنشوراتها هى المصدر الرئيسى للأخبار لدى هذا الجيل من الشباب.
فى الحقيقة كنا نتوقع هذا من خلال متابعاتنا وبحكم احتكاكنا بمن حولنا من الشباب الذين نتعامل معهم فى محيطنا العائلى أو العملى، غير أن قيمة هذا الكلام تأتى من أنه جاء فى سياق لا يميل للشخصنة أو الانطباعات الذاتية. أتى هذا الاستنتاج فى إطار حديث شبه أكاديمى خرجت به باحثة مُنحت درجتى الماجستير والدكتوراه بمرتبة الشرف، فهى تعرف إذن طريقة جمع البيانات الإحصائية وكيفية وأهمية الاستدلال بها. وبناء عليه، فأنا أتمنى على الدكتورة سارة وغيرها من الباحثين الجادين، والجهات الأكاديمية المختصة، ومؤسسات الإنتاج الإعلامى الكبرى كالشركة المتحدة، وكذلك مراكز استطلاع الرأى العام، أرجو من هؤلاء جميعًا دراسة توجهات الجمهور المصرى نحو متابعة وسائل الإعلام التقليدية، وأن تُولى تلك الاستبيانات اهتمامًا بفئة الشباب فى الفئة العمرية بين 18 إلى 29 عامًا والذين يمثلون نحو 21% من إجمالى تعداد السكان.
وإذا ثبتت دقة تلك الملاحظة - وهوما أعتقده وأميل إليه - يكون على الجميع بحث سبل استعادة كل وسائلنا المقروءة والمسموعة والمرئية للنسبة الأكبر والقاعدة الأهم من جمهورها وهم فئة الشباب. وهنا يتوجب على الخبراء والأكاديميين وقيادات الإعلام بما فى ذلك مجلسه وهيئتاه، بحث سبل استعادة جمهور الشباب ودراسة ما يستهويهم وتقديم مواد برامجية وفنية جاذبة لهذه الفئة العمرية.
قد يقول قائل: وما الذى يقلقك ويشغلنا إذا انصرف الجمهور عن متابعة وسائل الإعلام التقليدية واستبدلها بالفضاء الإلكترونى ليتابع من خلاله ما يشاء وقتما يشاء؟ وأرد بالقول إننا يجب أن ننشغل جميعًا بهذا الأمر، فلا يخفى على أحد نوعية ما يُبث عبر وسائل التواصل الاجتماعى حاليًا من مواد مكتوبة أو مصورة وفيها من الكوارث ما يهدد كيان أى مجتمع، لأن فى هذا المحتوى ما قد يضرب الثوابت، ويشكك فى العقائد، ويهدد السلم المجتمعى. ونحن وإن كنا لا ننكر دورًا مقدرًا تبذله الأجهزة والجهات المكلفة بحماية العقل الجمعى للمصريين، إلا أن ما يبث على مدار الساعة ومستوى ثقافة القائمين بالاتصال وأعداد رواد السوشيال ميديا وصناع المحتوى كلها أمور أصبحت تمثل عبئًا كبيرًا على المكلفين بالرصد والمتابعة، فضلًا عن أن فلترة ما يُبث قبل أن يُطرح على الرأى العام يبدو أمرًا شبه مستحيل.
هناك مخرج آخر لهذه المعضلة يتمثل فى قيام وسائل الإعلام التقليدية بالتوجه نحو وسائل التواصل ليتم من خلالها تقديم المحتوى الذى نأمن به على مستقبل أولادنا ونؤمنه، ولكن بآليات هذا العصر وبلغة يفهمها الشباب وبوسائل إبهار تجعل تقبُل هذا المحتوى أمرًا مؤكدًا. مبلغ ظنى أن هذا الهدف سيتحقق بوتيرة أسرع، كما يمكن أن يعود الشباب لوسائل الإعلام التقليدية بكثافة إن نحن اهتممنا بتقديم ما يهم هؤلاء الشباب وينفعهم ويلبى احتياجاتهم وينمى مهاراتهم ويتفاعل مع متطلبات سوق العمل التى يستهدفونها فعليًا.
كما يتطلب الأمر إعادة النظر فى بعض الوجوه والأصوات والأقلام التى قد لا تكون حققت المستهدف بالوصول إلى القاعدة الشبابية من الجمهور الذى تستهدفه وسائل الإعلام، أو تلك التى قد لا تكون غير مؤهلة لمخاطبة الرأى العام والتأثير فيه. يستدعى الأمر كذلك العودة للاهتمام بدراسة توجهات الرأى العام من خلال عمليات المسح المدروس لفئات عمرية وثقافية ومجتمعية تُمثل كل أطياف المجتمع وسؤالهم عما يستهويهم وما يشغلهم لتتم تلبيته برامجيًا ودراميًا فى المرحلة القادمة. أظن أيضًا أن آلية جديدة لمعدل بث الفقرات الإعلانية صارت مطلوبة كذلك حتى لا يهجر الشباب الأجهزة التقليدية ليشاهدوا المواد لاحقًا عبر هواتفهم بدون تقطيع أو إعلانات.
فى اعتقادى أن الرسائل التى كان يقدمها الإعلام التقليدى فيما مضى وبصورة حوارية مباشرة صار التفكير فى بثها من خلال دراما مشوقة أو أغنية رقيقة أو مسابقة محفزة أمورًا لا غنى عنها. كلى يقين أن المتنفذين فى حقل الإعلام من كل الجهات الرسمية والأكاديمية يعكفون على دراسة تلك الظاهرة الجديدة، ولا يوجد لدى أدنى شك من أنهم سيجدون المخرج الصحيح الذى يعيد القارئ والمستمع والمشاهد لمنصاته الوطنية التقليدية بما يستتبعه هذا الأمر من ضمان لجودة المحتوى وكونه ممتعًا ومشوقًا ومستهدفًا للمصلحة العليا للوطن.