رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحزان الكاتب الفقير


الكرة تطعم لاعب الكرة والفن يطعم الفنان، ولكن الكتابة لا تطعم الكاتب، لا عوائد من كتبه المنشورة إلا القروش التى «لا تسمن ولا تغنى من جوع»، ولا أجور مجزية عن كتاباته الدورية للصحف والمواقع، يعيش فقيرًا ويموت فقيرًا، وبين المعيشة والموت تلازمه حسرة لا تزول مرارتها.
أتحدث عن الأكثرية من الكتاب الذين يصنعون الفارق فى الصحافة ومطبوعات الثقافة والأدب، الأكثرية حالهم هكذا، وليس شرطًا أن يكونوا كلهم من الشباب، بل أكثرهم جاوزوا سن الشباب إلى الكهولة والمشيب، ولا أقصد طبعًا أقلية من الكتاب أفلتت من المأساة، إما بسنوات كفاح شريف طويلة طويلة، وإما بوسائط وألاعيب وحظوظ لا قبل للآخرين بها.
تكون أحزان الكاتب أضعاف أحزان غيره بالبداهة؛ ذلك أنه يعبر، ضمن ما يعبر، عن ما يشعر به الناس فى محنهم وأزماتهم، فكيف إذا حلت به هو البلوى؟ وكيف إذا حاق بنفسه الضرر؟ والمصيبة أن أصداء ما يكتبونه تجعل لهم صيتًا فى الشارع؛ فيغفل الناس عن معاناتهم الشخصية، بل ربما كانوا أهدافًا للحسدة والحاقدين.
نادينا عشرات المرات بضرورة رعاية هؤلاء، والالتفات الجاد إليهم، هم صناع الأفكار التى من شأنها التغيير والتطوير، وهم المساهمون بآرائهم النيرة فى قضايا الرأى العام، وهم ناقلو آلام البسطاء وآمالهم إلى الحكومات وعلية القوم ليفعلوا ما يتوجب عليهم فعله بإزائها، وكم لهم من المزايا والأفضال التى تدفع دفعًا إلى الاهتمام بهم، والتعريف بحساسية أعمالهم ورفعة منازلهم.
العجيب أن المطبوعات الثقافية والأدبية نفسها، وهى أكبر مستفيد منهم، لا تقدرهم، والأكيد أن الصحافة غير المتخصصة ستكون أكثر من حيث عدم التقدير، مكافآت ضئيلة مخجلة، إن كانت موجودة أصلًا، وشح فى التكريم المعنوي، وكأن هذه المجلات والصحف أُنشئت لإشعارهم بالضياع، ولا يزيد حال المؤسسات المسئولة عنهم عن حال الإعلام المذكور قيد أنملة، حكومية كانت أو مستقلة، هو نفس القتل اللعين المستمر. 
مرض كتاب كثيرون بالأمراض المزمنة، وتفاقمت الأمراض دون الحصول على الأدوية الضرورية، واستسلم آخرون لآلام الأمراض الخطيرة لأنهم لا يملكون ما ينفقونه على العلاج باهظ التكاليف، وفشل من فشلوا فى ستر بيوتهم وتزويج بناتهم وأولادهم، وربما إكمال تعليم البنات والأولاد من الأساس، وفى النهاية كتب الفقراء فى الفقراء المرثيات، ولم يسلم نفر من الأحياء ولا الأموات من الذل ولا الإهانة على العموم.
إلى متى هذا العبث المرير؟ 
أنا أعرض حال صفوة فى العقل والوجدان، ولا أحسب أن واحدًا من هؤلاء، لا سيما الموهبين الأفذاذ، يمكن أن يعوض خط يده معوض أيًا كان، والمطلوب فورًا هو الإسراع إلى إنشاء صندوق خاص وافر الثقل، يخصهم وحدهم، والإعلان عن تبرعات لاسمه، من القادرين والمصريين الواعين بالذات، والله يعين الذين يعينون المكافحين الجميلين الأجلاء.