رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعثنى مُعلِّمًا

فى استقبالِنا للعامِ الدراسىِّ الجديدِ نَودُّ أنْ نقفَ مع مرتكزٍ رئيسٍ فى العمليَّةِ التعليمية؛ مع المعلِّم، ولن نتحدث هنا عن شرف العلم والمعلِّم، ومنزلتهما فى الإسلام، وإن كان هذا كلامًا جليلًا ينبغى أن نتكلَّمَ فيه ونعيدَ الكلامَ ونكررَهُ، ولكننا سنقف عند ملمحٍ آخر ينبغى أن ينتبه إليه المعلِّمون والمعلِّمات فى مراحل التعليم المختلفة، أَلَا وهو وراثتُهم لسيدِنا رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فقد كان، صلى الله عليه وسلم، معلِّمًا بنصِّ القرآنِ الكريمِ والسُّنّةِ النبويةِ المطهرةِ، فقد دعا سيدنا الخليلُ إبراهيم، عليه السلام، أن يكون الرسولُ المبعوث فى مكة معلِّمًا: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ١٢٩]، وقد استجاب الله تعالى له، ووصف نبيَّه الخاتم الكريم بهذا فى غيرِ موضعٍ من كتابِه، فقال سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٥١]، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: ١٦٤]، وقال عز وجل: {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: ٢]، وهذه الآيات جميعًا نصَّتْ على أن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يقوم بالتعليم.

وقد أخبر سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهذا عن نفسه، فقال، صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَم يَبعثْنى مُعنِّتًا، ولا مُتعنِّتًا، ولكنْ بعثَنى مُعلِّمًا مُيسّرًا» [مسلم].

وليس يعنينا هنا أن نذكر السبب الذى مِن أجله قال صلى الله عليه وسلم هذا القول؛ لأنَّ القولَ صِيغَ صياغةً تدلُّ على أنه وَصفٌ ثابتٌ غير مقيّد بموقف معين، حيث جاء فى جملة اسمية مؤكَّدة بـ«إنَّ»، فجاء فى صورةِ حقيقة مؤكَّدة.

وقد بدأ القول الجليل بنفى وَصْفَى المعنِّت والمتعنتِ وكلاهما من مادة «عنت»، وهى مادّة تدل على مشقةٍ، وبين الوصفين اختلاف فى المعنى بيَّنه السادة العلماء فقالوا فى معنى: «إن اللهَ لَم يَبعثْنى مُعنِّتًا»؛ أى: موقعًا أحدًا فى أمرٍ شديدٍ ومشقةٍ، «ولا مُتعنِّتًا»؛ أى: ولا أتطلّبُ زلةَ أحدٍ أو خطأَه، فهو، صلى الله عليه وسلم، لا يوقع أحدًا فى مشقة، ولا يتلمس الأخطاء والزلات ويبحث عنها. وإنما هو كما وصف نفسه، صلى الله عليه وسلم، بقولِه: «ولكنْ بعثَنى مُعلِّمًا مُيسّرًا». 

وهذا يدل على أنَّ المعلِّم موصوف بالتيسير، وليس من شأنه أن يوقعَ مَن يُعلّمُهم فى مشقةٍ أو عناء، ولا أنْ يتلمس أخطاءَهم، بل مِن شأنه التيسير؛ فكما أنه ييسرُ سبيلَ فَهم العِلم، فكذلك ينبغى أن يكون التيسير خُلُقًا له فى شأنِه كلِّه، وفى تعاملاته كلِّها.

إنها همسةٌ نبويةٌ كريمةٌ نسوقُها لإخواتِنا وأخواتِنا مِن المعلِّمين والمربِّينَ حتى تكتملَ لهم الوراثةُ الكريمةُ، بل هى وصيةٌ لكلِّ فردٍ من أفراد الأُمّة، قال صلى الله عليه وسلم: «بشّرُوا ولا تُنفّرُوا، ويَسّرُوا ولا تُعسّروا» [مسلم].