رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتمية الحرب فى جنوب لبنان

الخلاف كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة، فيما يتعلق بمستقبل الوضع فى شمال إسرائيل وجنوب لبنان، بعد إعلان السلطات الإسرائيلية، عن توسيع أهداف الحرب الحالية فى غزة، لتشمل عودة مواطنى الشمال إلى منازلهم قرب الحدود مع لبنان، فى خطوة يمكن اعتبارها تمهيدية لاحتمال شن هجوم ضد حزب الله اللبنانى، الذى يتبادل مع إسرائيل الضربات على مدار عام تقريبًا، كادت أن تنزلق بالطرفين إلى حرب شاملة، الشهر الماضى، بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية قياديًا كبيرًا فى حزب الله فى الضاحية الجنوبية لبيروت، بزعم الرد على هجوم صاروخى، أدى إلى مقتل اثنى عشر طفلًا وقاصرًا فى الجولان.. الولايات المتحدة، التى تُفضل ـ ظاهريًا ـ الحل السلمى الدبلوماسى مع حزب الله، حذرت إسرائيل، من شن حرب ضد لبنان قد تزداد اتساعًا، على لسان مستشار الرئيس جو بايدن، المبعوث الأمريكى إلى لبنان، آموس هوكستين، الذى أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف جالانت، خلال اجتماعه معهما بشكل منفصل، أن الولايات المتحدة «لا تعتقد أن اندلاع صراع أوسع مع لبنان، سيحقق هدف عودة النازحين إلى الشمال»، إلا أن وجهة النظر الإسرائيلية تختلف عن الأمريكية فى هذا الشأن، إذ ترى أنه «لا يمكن أن تبقى منظمة إرهابية، لديها مائة وعشرون ألف صاروخ على الحدود، وكما يتم القضاء على حركة حماس فى غزة، يجب القضاء على قدرات حزب الله»، وهو ما خططت له إسرائيل، خلال ضربتها الاستباقية فى الخامس والعشرين من أغسطس الماضى، ولكن واشنطن منعت ذلك، خشية تطور الأمور إلى حرب إقليمية.
وفى حين قال جالانت خلال لقائه آموس هوكستين، إن إمكانية الحل الدبلوماسى للوضع على الحدود الشمالية انتهت، بسبب «استمرار حزب الله فى ربط نفسه بحماس، ورفضه إنهاء الصراع»، وإن الطريقة الوحيدة لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، ستكون عبر عمل عسكرى، فإن تقارير إسرائيلية، كشفت عن أن قائد المنطقة الشمالية فى الجيش، أورى جوردين، بدأ ممارسة ضغوط على القادة من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم برى جنوبى لبنان، يهدف إلى إنشاء منطقة عازلة، تعيد فكرة الحزام الآمن، والحديث عن القرار الأممى 1701 الصادر عام 2006، الذى يُنهى الحرب التى شنتها إسرائيل آنذاك، وفيه دعا مجلس الأمن الدولى لبنان وإسرائيل إلى وقف دائم لإطلاق النار، استنادًا إلى عدد من المبادئ والعناصر، بما فى ذلك الاحترام التام للخط الأزرق، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما فى ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطانى، الذى يمتد لمسافة مائة وعشرين كيلو مترًا على طول حدود لبنان الجنوبية، خالية من أى أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة فى لبنان.
وبين واشنطن وتل أبيب، يقف حزب الله، الذى أكد، منذ بداية الحرب فى غزة، أنه سوف يتوقف عن تنفيذ هجماته، لو وافقت المقاومة فى غزة على اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن لم يتمكن الإسرائيليون بعد من التوصل لاتفاق هناك.. وفشلهم فى ذلك جعل حزب الله يستمر فى عملياته، ما يجعل الجيش الإسرائيلى غير قادر على الاستمرار فى القتال وتمديد خدمة قوات الاحتياط.. وهذا يمهد لما يمكن أن يحدث فى لبنان، وما قد تواجهه إسرائيل من صعوبات.. فالقتال الحالى ضد فئة واحدة وليس لبنان ككل.. ولو سعت إسرائيل إلى توسيع عملياتها لأبعد من تلك الفئة ـ حزب الله ـ سوف تفقد مشروعيتها.. حزب الله هو من صنع حزامًا أمنيًا حاليًا داخل إسرائيل، حيث نزح المواطنون الإسرائيليون فى المناطق الشمالية بسبب الهجمات، وتغيرت حياة الناس، وبالتالى بات على إسرائيل اتخاذ ما يلزم من تدابير لإعادة النازحين سواء بالوسائل السلمية أو الحرب.. فى الماضى، كان الحزام الأمنى داخل الأراضى اللبنانية، لكن انسحبت القوات الإسرائيلية حينها من المنطقة.. ولا أعتقد أن إسرائيل ترغب فى استمرار وجود قوات لفترة طويلة، فيما يمكن تسميته حزامًا أمنيًا أو منطقة عازلة، لأن ذلك يتطلب المزيد من القوات.. بل إن «نية القوات الإسرائيلية، حال شنت هجومًا ضد حزب الله، ستكون إبعاده إلى ما وراء نهر الليطانى، والعودة إلى القرار 1701».
ويعتقد قائد المنطقة الشمالية فى الجيش الإسرائيلى، أورى جوردين، الذى بدأ ضغوطًا فعلية على القادة ـ كما قلنا ـ من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم برى جنوبى لبنان، يهدف إلى إنشاء منطقة عازلة، أن دفع مسلحى حزب الله بعيدًا عن الحدود يمكن تحقيقه بسرعة، إذا قُتلت معظم قوات النخبة التابعة للحزب على طول الحدود فى الغارات الإسرائيلية، أو فرت بالفعل شمالًا.. ويُعتقد أن ما يقدر بنحو 80% من المدنيين جنوبى لبنان غادروا المنطقة أيضًا.. ويرى أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤمّن شمالى إسرائيل فى الأمد البعيد، وتمنحها نفوذًا أكبر من أجل التوصل إلى حل دبلوماسى أكثر فائدة.. وهو ما يتفق مع رغبة نتنياهو فى الدفع باتجاه عملية فى لبنان، وإن كانت أكثر محدودية، حتى لو تطلب الأمر، استبدال جالانت إذا حاول إحباط عملية الشمال، الذى دعا وزير الأمن الوطنى، إيتمار بن جفير، إلى إقالة خصمه القديم، وقال «نحن بحاجة إلى قرار فى الشمال، وجالانت ليس الشخص المناسب لاتخاذه».
وهنا، يطرح المحلل الإسرائيلى، إيلى نيسان، سؤالًا: هل ترغب إسرائيل فى دخول حرب شاملة ضد حزب الله، بهدف إبعاده عن الحدود وإعادة السكان إلى منازلهم فى الشمال؟.. ثم يعود ليجيب، بأنه فى حال تم شن عملية إسرائيلية داخل المناطق اللبنانية، فإن الجيش اللبنانى فى مناطق وجوده فى الجنوب، لن يكون بعيدًا عن صد الاعتداء بما يتوفر له من وسائل.. كذلك، ستواجه إسرائيل صعوبة فى اجتياز الحدود باستخدام الدبابات، بسبب الكمائن التى يمكن أن يستحدثها حزب الله فى المواقع، كما حدث فى حرب 2006.. وهناك خوف على قوى الجيش اللبنانى التى ستتم معاملتها كعناصر حزب الله، فيما سترفع قوات اليونيفيل الأممية راياتها، وتوضح مواقعها وستكون بعيدة كل البعد.. لكن ربما لا تتدخل إسرائيل بريًا، بل تقوم بعمليات إنزال برى أو بحرى، وتعمل على قطع خطوط الإمداد لحزب الله من سوريا من ناحية الجولان، ولكن فى النهاية، كل هذه توقعات، وكل الاحتمالات مفتوحة فى ظل ما يمكن أن يحدث على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهل يمكنها تحمل الخسائر الكثيرة التى قد تتكبدها بمثل هذا الهجوم؟.
وقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، تحذيرات مسئولين كبار فى الجيش الإسرائيلى، وفى دوائر أخرى من المنظومة الأمنية، من خطوات متهورة فى الشمال تخطط لها الحكومة، لأن هذه الخطوات تحمل فى طياتها خطرًا حقيقيًا للغاية لإشعال حرب شاملة، ليس فقط على الحدود مع لبنان، بل فى المنطقة بأكملها.. ولا تضمن هذه الخطوات على الإطلاق، حلًا يسمح لسكان الشمال بالعودة إلى منازلهم.. صحيح، أن هذه الخطوات تشمل تصعيدًا كبيرًا، بما فى ذلك عملية برية داخل لبنان، وهى نتيجة للضغط الشعبى المستمر على حكومة نتنياهو، فى مواجهة القصف المستمر على الشمال، والمعاناة الشديدة للسكان الذين تم إجلاؤهم أو الذين بقوا فى المنطقة.. وصحيح أبضًا، أن الحكومة بحاجة إلى إظهار أنها تفعل شيئًا،.. لكن هذا الشىء هو الأكثر خطًأ وخطرًا.. إنه بالضبط ما تجنبوه طوال العام الماضى.. وبدلًا من حل المشكلة، فإن هذا الشىء قد يعقدها بشكل أكبر.. كل ذلك للوصول إلى نفس النقطة التى كان من الممكن الوصول إليها دون اللجوء إلى الوسائل العدوانية: اتفاق سياسى مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، يسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم.. لو تم توقيع صفقة تحرير المختطفين وإنهاء الحرب فى غزة مع حماس، لكان من المحتمل جدًا أن يتم التوصل إلى اتفاق أيضًا فى الشمال.
نتنياهو قال للمبعوث الأمريكي، إنه «لا يمكن أن تتم عودة المواطنين إلى منازلهم شمالى إسرائيل، حال عدم وجود تغيير جذرى فى الوضع الأمنى على الحدود مع لبنان.. إسرائيل تقدّر وتحترم دعم إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، لكنها فى النهاية ستفعل كل ما هو ضرورى للحفاظ على أمنها، وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان»!.. وهو يعرف أنه مدعوم من إدارة بايدن إذا اندلعت حرب شاملة بين إسرائيل وبين حزب الله، فى وقت وصلت أقدم وأضخم حاملة طائرات أمريكية إلى قبالة سواحل لبنان، ومقاتلات شبحية، كدرع أمريكى لحماية إسرائيل.. ما يلقى بظلال من الشك، حول رغبة واشنطن الحقيقية فى الوصول إلى تهدئة فى المنطقة، وهى التى تشارك تل أبيب عدوانها على لبنان!.
■■ وبعد..
فكل المقدمات التى أحدثتها إسرائيل فى لبنان، تصب فى خانة شىء واحد، وهى أن إسرائيل تريد الحرب، بدءًا من تفجيرات «البيجر» وأجهزة اللاسلكى فى المناطق اللبنانية، وما أوقعته من خسائر فى صفوف مقاتلى حزب الله والمدنيين، واغتيال إسرائيل رئيس شعبة العمليات فى الحزب، إبراهيم عقيل وعدد من القادة،  فى غارة استهدفته فى قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وكم الضربات الجوية التى قام بها الطيران الإسرائيلى على مواقع الحزب، والتى وصلت فى بعض المرات إلى نحو مائة ضربة، خلال خمس عشرة دقيقة.. لماذا؟.
لأن نتنياهو يريد تغيير المنطقة، طبقًا لما يراه هو، ويعتقد أنه يحقق أمن إسرائيل، ولا يريد وجود أى فصيل من فصائل المقاومة على الحدود مع إسرائيل، حتى ولو كان ضعيفًا، والكل يعرف مدى قوة حزب الله وعتاده العسكرى.. لذا، فإن الحرب فى جنوب لبنان، قادمة لا محالة، حتى ولو لم يعطِ حسن نصر الله نتنياهو، المبرر لاندلاع هذه الحرب، التى ربما كانت شاملة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.