إسرائيل تحارب فى لبنان دون أهداف!
أقرّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بأن حزبه تعرض لضربة «كبيرة وغير مسبوقة» فى تاريخه، متوعدًا إسرائيل بـ«حساب عسير»، بعدما اتهمها بتفجير الآلاف من أجهزة الاتصال التى يستخدمها عناصره.. وفى كلمة ألقاها عبر الشاشة، تخللها خرق الطيران الإسرائيلى جدار الصوت على علو منخفض مرتين على الأقل فى أجواء لبنان، قال «لا شكّ أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنيًا وإنسانيًا وغير مسبوقة فى تاريخ لبنان».. وبهذا، فإن «العدو تجاوز بهذه العملية كل الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء»، وأرادت إسرائيل من خلال هجومها على مرحلتين أن تقتل «ما لا يقل عن خمسة آلاف إنسان فى دقيقتين، ومن دون اكتراث لأى ضابط».. مؤكدًا أنهما كانتا «أيامًا ثقيلة ودامية وامتحانًا كبيرًا.. إلا أن هذه الضربة الكبيرة والقوية وغير المسبوقة لم تسقطنا ولن تسقطنا».. وتوعّد بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون، وأنه لن يحدّد مكانًا أو زمانًا أو شكل الردّ.
وتساءل: كيف يصف «الجريمة الكبرى»، التى يتهم لبنان وحزب الله الدولة العبرية بها، «إبادة جماعية، عدوان كبير على لبنان.. جرائم حرب أو إعلان حرب؟.. يمكن أن تسميها أى شىء»، متبنيًا تسميتها بـ«المجزرة»، لكن «بنية» حزب الله «لم تتزلزل ولم تهتز» بعد التفجيرات، لأنها «من القوة والمتانة والقدرة والعدة والعديد والتماسك، ما لا تهزه جريمة كبرى».. وكان أهم ما أورده فى خطابه، هو التأكيد أن جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة، «رغم كل هذه الجراح وكل هذه الدماء».. ورد على تصريحات مسئولين إسرائيليين بشأن إعادة سكان الشمال الى منازلهم، بعد نزوح عشرات الآلاف على ضفتى الحدود، قائلًا، «لن تستطيعوا أن تعيدوا سكان الشمال الى الشمال، وافعلوا ما شئتم.. لا تصعيد عسكريًا، ولا قتل ولا اغتيالات ولا حرب شاملة، تستطيع أن تعيد السكان إلى الحدود».. ردًا على إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، تحديث أهداف الحرب، لتشمل «العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم»، وقول وزير الدفاع، يوآف جالانت، إن «العمل العسكرى، هو السبيل الوحيد المتبقّى لضمان عودة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم».. أما نصر الله فقال، «إن السبيل الوحيد هو وقف العدوان والحرب على غزة».. وبذلك، ينضم الهدف الجديد لنتنياهو إلى قائمة أهدافه السابقة فى قطاع غزة، التى لم تتحقق منذ عام، وإلى الآن!
عندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، توسيع العملية العسكرية على الجبهة الشمالية مع حزب الله فى لبنان.. لم يحدد موعداً قاطعًا لذلك.. بل إن مصادر مقربة منه قالت إنه لم يتم تحديد موعد للعملية، وأن هذا الأمر قد يحدث خلال أسابيع أو حتى أشهر، وذلك يتعلق باستعداد الجيش الإسرائيلى وبالدعم السياسى الدولى.. فى حين قال عضو مجلس الوزراء الإسرائيلى السابق لشئون الحرب، بينى جانتس، إنه «حان وقت الشمال.. إن حكومة نتنياهو المشلولة والمنفصلة، تواصل إهمال سكان الشمال.. لقد حان الوقت لممارسة القوة ضد حزب الله وإعادة السكان سالمين إلى منازلهم».. فى حين أعلن حزب الله، عن أن حربًا شاملة مع إسرائيل، ستؤدى إلى نزوح «مئات الآلاف الإضافية» من الإسرائيليين، بعدما صرح وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، بأن إسرائيل مصممة على استعادة الهدوء على الجبهة الشمالية، وأن «هناك خيار اتفاق من شأنه أن يؤدى إلى ترتيبات فى شمال وجنوب إسرائيل، مع حزب الله اللبنانى، وحركة حماس الفلسطينية.. وخيارًا ثانيًا، هو التصعيد الذى سيؤدى إلى حرب»، مع أن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، سبق فى خطاب ألقاه فى بيروت، أن قال إنه، ليست لدينا خطة للمبادرة فى حرب، لأننا لا نجدها ذات جدوى، ولكن إذا شنت إسرائيل الحرب فسنواجهها بالحرب، وستكون الخسائر ضخمة بالنسبة إلينا وإليهم أيضًا.. إذا كانوا يعتقدون بأن هذه الحرب تعيد المائة ألف نازح إلى شمال إسرائيل، فمن الآن نبشركم، أعدوا العدة لاستقبال مئات الآلاف الإضافية من النازحين».
ومنذ اندلاع الحرب فى قطاع غزة، فى السابع من أكتوبر الماضى، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف بصورة يومية عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية.. ومُذّاك، يستهدف الحزب، بصورة رئيسية، مواقع عسكرية إسرائيلية، فى هجمات يشنها من جنوب لبنان «إسنادًا» لغزة، وترد إسرائيل باستهداف ما تصفه بأنه «بنى عسكرية» تابعة للحزب، إضافة إلى مقاتليه.. وأدت هذه المواجهات إلى نزوح عشرات الآلاف من اللبنانيين والإسرائيليين، وأثارت المخاوف من اتساع رقعة الحرب المستمرة منذ قرابة العام فى قطاع غزة.. ومع أن قرار الأمم المتحدة بوقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، لن يقضى على التهديد الذى تشكله الصواريخ بعيدة المدى التى تمتلكها المقاومة، كما أن تدمير المجموعة المدعومة من إيران ليس هدف إسرائيل.. وهنا يتساءل الكاتب الإسرائيلى، زافى بارئيل، عما هو الغرض من حملة لبنان؟
ويرد زافى، بأن ما يقرأه حزب الله وما يسمعه قادته عما يحدث فى إسرائيل، من الإحباط واليأس الذى يعيشه نحو مائة ألف مواطن إسرائيلى لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، والحكومة الإسرائيلية التى لا تبذل ما يكفى من الجهد لمساعدة الأسر الإسرائيلية التى تقف مكانها، أو التى هُجِّرَت من منازلها.. دفع إلى تصور زعيم حزب الله، حسن نصر الله، وضع عشرات الآلاف من الإسرائيليين، باعتباره جانبًا من انتصار مقاتليه فى حملتهم ضد إسرائيل، تمامًا كما يُقدم إشغاله للجيش الإسرائيلى على الحدود الشمالية لإسرائيل، باعتباره جانبًا أساسيًا من مساهمة حزب الله فى «وحدة الجبهات» ليخفف الضغوط على غزة.
إن نصر الله وعد سكان جنوب بلاده، بأنه بعد انتهاء «عملية الانتقام» التى نفذتها إسرائيل، ردًا على اغتيال فؤاد شكر، الأمين العام لحزب الله، فإنهم سيتمكنون من العودة إلى ديارهم بأمان، إذ قال وقتذاك، «على الناس أن يرتاحوا، وعلى المقاومة ألا ترتاح وتعمل على أسوأ الاحتمالات ويدها على الزناد، لأن ذلك يردع العدو».. ولكنهم يواجهون صعوبة فى التوفيق بين الدعوة للعودة إلى ديارهم، فى ظل الهجمات المستمرة التى تشنها طائرات سلاح الجو الإسرائيلى.. وفى الوقت الحالى، وكما هى الحال مع الحكومة اللبنانية، ودول أخرى فى المنطقة، والولايات المتحدة، فإنهم يدركون أن هذه الحرب لا تبدو فى طريقها إلى الانتهاء قريبًا، وأن كل الأطراف المشاركة بدأت فى التخطيط «للحرب واسعة النطاق».
وفى لبنان، ينظرون بقلق بالغ إلى «المؤشرات» التى تشير إلى ظهور مثل هذه الحرب فى المستقبل القريب. فإلى جانب التصريحات العدوانية الصادرة عن إسرائيل والتحذيرات التى تصدرها إدارة بايدن للحكومة اللبنانية بشأن نوايا إسرائيل، فإن شدة الهجمات الإسرائيلية تتزايد ويتم تفسير المنطقة الجغرافية التى تعرضت للضرب، وخاصة القرى فى الجنوب ومحيط مدينة صور، على أنها نية إسرائيلية لإنشاء «شريط فاصل» بين جنوب لبنان ونهر الليطانى إلى الشمال.
وفى لبنان، وردت تقارير عن ضربات ضخمة، على مناطق كثيفة من الغابات حول مدينة صور، حيث يُشتبه فى وجود بطاريات صواريخ متوسطة وطويلة المدى.. وهناك، يُفسَّرون هذا الهجوم على أنه يهدف إلى إعداد الأرض لهجوم واسع النطاق، حيث يعتقد المعلقون اللبنانيون والعرب، إن الهجوم الكبير الذى وقع فى سوريا، والذى أسفر عن مقتل ستة عشر شخصًا، وتتضمن ثلاث جولات من الهجمات، وفقًا للمرصد السورى لحقوق الإنسان، واستهدف بشكل رئيسى «مركز البحوث العلمية» بالقرب من مدينة حماة، هو مؤشر على نية إسرائيل تجاوز الهجوم المحدود على موقع عسكرى تعرض للقصف عدة مرات فى الماضى.. كانت صحيفة «الأخبار» التابعة لحزب الله، هى التى قدمت النظرية الأصلية، التى تفيد بأن إسرائيل تخطط لغزو وادى البقاع اللبنانى عبر سوريا لقطع الوادى عن جنوب لبنان.. وقالت «الأخبار»، إن مسئولين فى لبنان استفسروا من قيادات فى مجموعات سورية معارضة متواجدة فى أوروبا، عما إذا كانت المجموعات ستتعاون مع إسرائيل ضد حزب الله، أم ستمتنع عن مثل هذه الخطوة.. وبحسب الصحيفة، كان هناك انقسام فى مواقفها.
من المشكوك فيه أن تتم دراسة مثل هذا الخيار بشكل جدى، ولكن حقيقة أن هذا الأمر تم نشره فى موقع إلكترونى وثيق الصلة بحزب الله، تشير إلى استياء الحزب من حقيقة، أن سوريا لم تنضم حتى الآن إلى «جبهة الدعم»، ولا تشارك فى القتال.. لقد أعطى نصر الله سوريا «إعفاء» من المشاركة فى عملية الانتقام لمقتل فؤاد شكر، لكن دمشق لا تحتاج إلى إذن نصر الله. يعتمد موقفها، الذى يتم تنسيقه مع إيران، على تحليل مصالح سوريا والتهديد الذى تتوقعه من المشاركة فى الحرب.
فى الوقت نفسه، لا يزال حزب الله أسيرًا للمعادلة التى طورها الحزب نفسه، وهى أن المواجهة مع إسرائيل ووقفها يتوقفان على التطورات فى غزة واتفاق وقف إطلاق النار مع حماس.. وطالما ظلت هذه المعادلة سارية المفعول، فإن المجال الدبلوماسى لوقف المواجهة فى الشمال، يركز بشكل أساسى، على نقل رسائل صارمة وتهديدات مفتوحة لكل من حزب الله وإيران، بهدف تقليص مناطق المواجهة لمنع اندلاع حرب واسعة النطاق.
فى هذه الأثناء، تستمر المداولات التى تشارك فيها الولايات المتحدة وفرنسا والحكومة اللبنانية، وبشكل غير مباشر، حزب الله أيضًا من خلال «وكيله» رئيس مجلس النواب اللبنانى، نبيه برى، فيما يتصل بالخطط المتعلقة بـ«اليوم التالى»، التى تركز أغلبها على تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الصادر عام 2006.. ولكن وزير الخارجية اللبنانى، عبدالله بو حبيب، أذهل القيادة السياسية اللبنانية، عندما أعلن عن أنه تحدث إلى «جميع الأطراف المعنية بالمسألة، حول مدى استعداد لبنان لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بشأن وقف الحرب».. وقال أبو حبيب «نحن نتحدث مع كل الدول، ومع مجلس الأمن، حول متى يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار؟.. وأن مجلس الأمن يحتاج إلى اعتماد قرار جديد ليس نسخة منقحة من القرار 1701».. ولم يتضح بعد، ما الذى دفع وزير الخارجية اللبنانى، إلى إصدار تصريحاته التى تتناقض مع موقف الحكومة اللبنانية المستمر، بأن القرار 1701 سوف يتم تنفيذه بالكامل.. ربما مع تعديلات طفيفة، ولكن دون تغيير جوهره.
وتعرض بو حبيب لانتقادات شديدة، وسارع إلى توضيح، أن «كل ما قيل حول اعتماد قرار جديد بدلًا من القرار 1701، هو مسألة نظرية ولا يشكل بديلًا عن القرار الحالى.. لكننا منفتحون دائمًا على إجراء حوار إيجابى مع جميع شركائنا، فى إطار مبادئنا وإجماعنا الداخلى».. وتبقى المبادئ ونقاط الاتفاق الداخلية فى لبنان، هى أيضًا «مسألة نظرية»، ولكن تصريحات وزير الخارجية لا يبدو أنها تعتمد على «نظرية» فقط، بل تنبع من تفسيرات تلقاها من الولايات المتحدة وبشكل غير مباشر من إسرائيل، التى تفيد بأن القرار 1701، فقد أهميته فى مواجهة تهديد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى لحزب الله.. إذ ينص قرار مجلس الأمن الصادر عام 2006، على أن ينسحب حزب الله إلى الشمال من نهر الليطانى، وفى نفس الوقت يسحب تهديد الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون، التى تسبب أضرارًا جسيمة، لكنه لا يلغى تهديد الصواريخ بعيدة المدى أو الطائرات بدون طيار.
تكمن أهمية هذا الأمر، فى أنه حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق نار فى غزة على نحو مُعجِز، وتبناه حزب الله أيضًا، فإن هذا لن يكون كافيًا لتوفير الشعور بالأمن، الذى من شأنه أن يُمكِّن سكان شمال إسرائيل من العودة إلى ديارهم.. ومن الواضح هنا أيضًا، أن إسرائيل تفتقر إلى استراتيجية واضحة، من شأنها أن توضح نوع الترتيب الذى تسعى إليه مع لبنان وحزب الله.. ذلك أنه، على النقيض من تدمير حماس أو على الأقل القضاء على قدراتها العسكرية وسيطرتها المدنية فى غزة، التى تم ذكرها كأحد أهداف الحرب، فإن القضاء على حزب الله لم يكن هدفًا من الأهداف المعلنة.. ولم تحدد إسرائيل أيضًا، ما هو التهديد الذى تسعى إلى تحييده من لبنان، باعتبار أن جزءًا كبيرًا من التهديد، سيظل قائمًا، حتى لو تم تنفيذ القرار 1701.
فهل تتفق إسرائيل مع وزير الخارجية اللبنانى فى موقفه «النظرى»، القائل بضرورة البحث عن اتفاق من نوع جديد، واستصدار قرار جديد من مجلس الأمن؟.. يبدو أن إسرائيل، كما فى غزة، تستعد لحرب فى لبنان، دون أن تكون لديها استراتيجية أو سياسة واضحة، بشأن ما ترغب فى تحقيقه من ذلك!!... حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.