رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العودة إلى الإسكندرية.. مغامرة سكندرية فانتازية

 

مر أكثر من عشرين عامًا منذ أن رحلت «سو»/ نادين لبكى، عن وطنها مصر، وباعتبارها طبيبة تمارس عملها الخاص فى الطب النفسى تصنع لنفسها منزلًا جميلًا فى سويسرا، حيث تمر الحياة فى هدوء، إلا من مكالمة تتلقاها «سو» تفيد بأزمة والدتها الصحية «فيروز»/ فانى أردنت، ومن المقرر عودتها إلى مصر لتقابل والدتها التى انقطعت عنها 20 عامًا، وباتصال عاجل من خالتها تتفتح جراح طفولتها، فلا تعجب من اختيارها لدراسة علم النفس وعملها كخبيرة فى أنحاء جوانب النفس البشرية.

«العودة إلى الإسكندرية» أول فيلم روائى طويل للمخرج وكاتب السيناريو السويسرى المصرى تامر روجلى، خريج المدرسة الكنتونية للفنون فى لوزان، حيث يأخذنا فى أعقاب «سو»، التى تذهب فى رحلة البحث عن أصولها، بين الهلوسة وإعادة الاتصال بالواقع وتقدم للمشاهدين مغامرة من البذخ المبهج.

نتعرف على نساء عائلتها من الطبقة الأرستقراطية ذوات لسان الأفاعى، ولكن محبوبات وخادمات، لا يمكن لهذه المنازل الحياة بدونهن، وهن أيضًا حارسات المعبد وشهود عيان على قصص العائلة وحكاياتها وشخصيات عائدة من الحياة الأخرى أو شخصيات متخيلة، مثل الطفل الذى كان يتبدل طبقًا لمتابعة خطوات «سو» من سويسرا إلى مصر، ومن خلال هذا الكم السريالى من الشخصيات المختلفة من سيدات العائلة يُخرج تامر روجلى الطفولة من خزانة الحياة بالصور الملونة واكتشاف التصريحات القاتلة وبعض الموسيقى والأغنيات، حيث تتمتع هذه الملاحظات بميزة كبيرة فى ضرب الهدف بشكل مباشر، وسحق طبقات الدفاع التى تراكمت مع مرور الوقت، وإيقاظ الذكريات المدفونة مما يسمح لنا بمواجهة الحقائق التى لا تتوافق بالضرورة مع الواقع، مثل اكتشاف أن والدى «سو» هما سبب الإحباط الذى ترعرع داخلها منذ الصغر لرفضهما وجودها ولما تمنيّا أن المولود ذكر وليس فتاة.

لم يبذل المخرج أى جهد فى تقديم شخصياته، حيث يلعب كل منهم دوره بما يليق ويتماشى مع أجواء الحكاية، والتناقض بين التمثيل الواقعى لنادين لبكى والتمثيل المتأثر بشكل درامى لفانى أردنت، يعطى فى هذا الصدد انفجارًا كوميديًا جذابًا، وأجادت منحة البطراوى دور الخالة إنجى وخادمها رضا/ «حسن العدل» التراشق فيما بينهما بشكل ساخر، سواء فى اختلاف وجهات النظر أو انصياع رضا إلى مطالبها بعد أن نتعرف على حقيقة إصابته بضعف السمع.

تمتلئ أحداث الفيلم بالأجواء الشاهينية، ولِمَ لا وصناع الفيلم من كاتب السيناريو المخرج يسرى نصر الله حيث يعد من أكثر تلاميذ المخرج الكبير يوسف شاهين قربًا من أسلوبه الإبداعى، حتى تفاصيل مدينة الإسكندرية معشوقة شاهين تحضر بقوة من عنوان الفيلم إلى أحداثه وشخوصه من أفراد العائلة الساخطين متحدثى اللغة الفرنسية فيما بينهم، وقليلًا من التعجرف عند الحديث بالعامية ذات اللكنة الخواجاتى، تلك التى لا يحتاج المشاهدون إلى استرجاع بوستر الفيلم للتأكد من أسماء طاقم العمل، فالفيلم يحمل الصفات الشاهينية تمامًا، وعودة بالذاكرة إلى أفلام السيرة الذاتية من «إسكندرية ليه وإسكندرية كمان وكمان وحدوتة مصرية» وأضم أيضًا فيلم «اليوم السادس» لقائمة الإسكندريات ليوسف شاهين.