رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهجوم السيبرانى على لبنان أكبر من جريمة حرب

الهجوم على الهواتف فى لبنان: هل هو جريمة حرب؟ فى رأيى هو أكبر وأنه جريمة ضد الإنسانية. 
ما شهده لبنان مؤخرًا حادثة غير مسبوقة تمثلت فى هجوم استهدف أجهزة الاتصال، مما أدى إلى خسائر فى الأرواح وإصابات عديدة. أثارت هذه الحادثة تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا الهجوم وهل يمكن تصنيفه كجريمة حرب. فى هذا المقال، سنقوم بتحليل هذه الحادثة من عدة زوايا محاولين الإجابة على هذه التساؤلات.
نعم لا يزال التحقيق جاريًا لتحديد الآلية الدقيقة التى تم بها تنفيذ هذا الهجوم، ولكن الأدلة الأولية تشير إلى أنه تم استهداف أجهزة الاتصال بشكل متعمد. هناك عدة نظريات حول كيفية حدوث ذلك، منها:
زرع متفجرات داخل الأجهزة: هذه النظرية تشير إلى أن المتفجرات تم زرعها داخل الأجهزة بشكل مسبق، ثم تم تفجيرها عن بعد.
هناك احتمال أن يكون الهجوم قد تم عن طريق اختراق شبكات الاتصال وتفعيل وظيفة معينة فى الأجهزة لتسبب الانفجار.
هل هى جريمة حرب إذًا؟
لتحديد ما إذا كان هذا الهجوم يرقى إلى مستوى جريمة حرب ضد الإنسانية يجب مراعاة عدة عوامل:
النوايا: هل كان الهدف من الهجوم هو إلحاق أضرار بالمدنيين بشكل مباشر؟ إذا كان الهدف هو إلحاق أضرار بالبنية التحتية العسكرية، فإن ذلك قد لا يعتبر جريمة حرب.
وهذا ما تريد تصديره إسرائيل تلميحًا كما حدث من تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلى بأن الحدث يعطى رسالة للجميع بأن تل أبيب قادرة على كسر حزب الله وذراعها فى الحرب السيبرانية. 
وهنا يجب البحث هل كانت الوسائل المستخدمة فى الهجوم عشوائية وغير متناسبة مع الأهداف العسكرية؟ إذا كانت الهجمات موجهة ضد أهداف مدنية، فإن ذلك يعتبر انتهاكًا للقانون الدولى الإنسانى. ولإثبات تلك الجريمة يجب النظر إلى الهجوم فى سياقه العام، بما فى ذلك الصراع الدائر فى المنطقة والأهداف الاستراتيجية للأطراف المتنازعة.
وبغض النظر عن التوصيف القانونى الدقيق للهجوم، فإن الحقيقة هى أن هذا الحدث تسبب فى خسائر بشرية كبيرة وألحق أضرارًا نفسية بالكثيرين. كما أنه أثار مخاوف بشأن الأمن الرقمى وأصبح تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين.
نعم، لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن الهجوم على الهواتف فى لبنان يعتبر جريمة حرب إلا بعد الانتهاء من التحقيقات وتحديد المسئولين عنها. ومع ذلك، فإن هذا الحدث يثير تساؤلات مهمة حول طبيعة الحروب الحديثة وتأثير التكنولوجيا على النزاعات المسلحة. يجب على المجتمع الدولى أن يعمل على وضع آليات لحماية المدنيين من مثل هذه الهجمات، وأن يضمن احترام القانون الدولى الإنسانى فى جميع الظروف، ولكن الأهم ما هى مسئولية الدول المصدرة وضمان سلامة التكنولوجيا المستوردة.
السؤال المطروح حول مسئولية الدول المصدرة للهواتف إلى لبنان التى تسببت فى انفجارات، وكيفية ضمان الدول المستوردة لعدم تكرار مثل هذه الحوادث، هو سؤال بالغ الأهمية ويتطلب تحليلًا دقيقًا من عدة جوانب قانونية وتقنية.
بشكل عام، تقع مسئولية المنتج على عاتق الشركة المصنعة للدولة المصدرة. إذا ثبت أن هناك عيوبًا تصنيعية أو برمجية تسببت فى الانفجارات، فإن الشركة المصنعة قد تتحمل المسئولية القانونية عن الأضرار الناتجة.
هناك أيضًا مسئولية أخلاقية تقع على عاتق الشركات المصنعة والدول المصدرة؛ لضمان أن منتجاتها آمنة ولا تشكل تهديدًا على حياة البشر، ويجب على الدول المصدرة التعاون مع الدول المستوردة والمنظمات الدولية؛ لتحديد أسباب الحادث واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكراره.
ويجب على الدول المستوردة فرض رقابة صارمة على المنتجات الإلكترونية المستوردة؛ للتأكد من مطابقتها للمعايير الدولية لسلامة المنتجات، وأيضًا يجب على الشركات المصنعة الحصول على تراخيص من الدول المستوردة قبل تصدير منتجاتها، وتقديم جميع البيانات والوثائق التى تثبت سلامة المنتجات مع إجراء اختبارات شاملة على المنتجات المستوردة؛ للتأكد من خلوها من أى عيوب أو برمجيات خبيثة. ويجب على الدول المستوردة تحديث تشريعاتها لتشمل الجرائم الإلكترونية، والأضرار الناجمة عن المنتجات التكنولوجية.
أيضًا على الدول المستوردة التعاون مع الدول المصدرة والمنظمات الدولية لتطوير معايير عالمية لسلامة المنتجات الإلكترونية. مع اتخاذ التدابير الاحترازية التى يمكن اتخاذها من تطوير أنظمة الإنذار المبكر، ووضع أنظمة قادرة على اكتشاف أى تهديدات محتملة للمنتجات الإلكترونية قبل وصولها إلى المستهلكين.
مع تعزيز الأمن السيبرانى بحماية شبكات الاتصالات من الهجمات الإلكترونية التى قد تستهدف التحكم عن بعد فى الأجهزة، ويجب توعية المستهلكين بأهمية شراء المنتجات من مصادر موثوقة واتباع إرشادات السلامة، مع إنشاء آليات للتعويض عن الأضرار التى تلحق بالمستهلكين نتيجة عيوب فى المنتجات الإلكترونية.
هذه القضية معقدة وتتطلب تحقيقات معمقة لتحديد الأسباب الدقيقة للحادث وتحديد المسئوليات.
الحقيقة أن الجريمة التى استهدفت أجهزة الاتصال فى لبنان ليست الأولى من نوعها، على الرغم من أن نطاقها وطريقة تنفيذها قد تكون غير مسبوقة، إلا أن فكرة استغلال التكنولوجيا لأغراض ضارة ليست جديدة. هناك العديد من الأمثلة التاريخية والحالية لاستخدام التكنولوجيا فى ارتكاب جرائم، سواء كانت جرائم فردية أو حروب إلكترونية.. حيث يتم استهداف أنظمة الكمبيوتر والبنية التحتية الحيوية بهدف تعطيل الخدمات أو سرقة البيانات.
أيضًا الأخبار الكاذبة والحملات التضليلية هى نوع من تلك الجرائم، حيث يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لنشر معلومات مضللة بهدف التأثير على الرأى العام أو زعزعة الاستقرار.
ويتم بشكل متسارع  تطوير برامج ضارة بهدف اختراق الأجهزة والسرقة أو التجسس.
ما يميز الحادثة اللبنانية ويجعلها الأخطر هو استهداف أجهزة اتصال محددة من نوع معين من أجهزة الاتصال بشكل متزامن، مما يشير إلى عملية تخطيط دقيقة، وتسببت الانفجارات فى خسائر بشرية ومادية كبيرة، مما يجعلها حادثة غير مسبوقة من حيث حجم الضرر.
وخلقت هذه الحادثة حالة من الخوف والقلق لدى السكان، وأثارت تساؤلات حول مدى أمان التكنولوجيا التى نستخدمها يوميًا.. لماذا تعتبر هذه الحادثة مهمة؟
وتظهر هذه الحادثة أن التكنولوجيا التى صُممت لتسهيل حياتنا يمكن استخدامها أيضًا لأغراض ضارة، وكشفت تلك الجريمة عن الحاجة إلى تعزيز الأمن السيبرانى، ويجب على الدول والشركات الأفراد اتخاذ تدابير أمنية أقوى لحماية أنظمتهم من الهجمات السيبرانية، وهناك حاجة إلى تطوير قوانين دولية أكثر صرامة لمواجهة الجرائم الإلكترونية.
ختامًا، يمكن القول إن هذه الحادثة تمثل تحولًا نوعيًا فى عالم الجريمة الإلكترونية، وتدعونا جميعًا إلى إعادة التفكير فى كيفية استخدامنا للتكنولوجيا وكيفية حماية أنفسنا من مخاطرها دولًا وأفرادًا.