رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دائرة الخطر.. مفاجآت كبرى فى قضية انفجار أجهزة الاتصال بلبنان

 أجهزة الاتصال بلبنان
أجهزة الاتصال بلبنان

هزت موجة ثانية من الانفجارات القاتلة لبنان، أمس، بعد أن انفجرت أجهزة لا سلكى محمولة حولتها إسرائيل سرًا إلى أجهزة متفجرة، وحملها أعضاء «حزب الله» فى جميع أنحاء البلاد، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن ٢٠ شخصًا وإصابة أكثر من ٤٥٠ آخرين.

ويعد هذا هو الهجوم الثانى المنسق ضد «حزب الله»، الجماعة المسلحة اللبنانية المدعومة من إيران، وجاء بينما كانت البلاد تدفن ضحاياها من عملية اليوم السابق، عندما انفجرت أجهزة الاتصال من طراز «بيجر»، ما أسفر عن مقتل ١٢ شخصًا على الأقل وإصابة ٢٧٠٠ آخرين.

ولم يعلن الجيش الإسرائيلى أو ينكر مسئوليته عن انفجارات أجهزة الاتصال، لكن المسئولين فى دولة الاحتلال أصدروا بيانات، أمس الأول، تشير إلى نيتهم اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية لدفع قوات «حزب الله» بعيدًا عن الحدود الشمالية لإسرائيل.

وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، فقد كانت أجهزة الاتصال اللا سلكية التى انفجرت أكبر وأثقل من الأجهزة العادية، وفى بعض الحالات أشعلت حرائق أكبر.

وسعت الشركة التايوانية «جولد أبولو»، التى تحدثت وسائل إعلام عن أنها مورد أجهزة الاتصال «بيجر»، أمس، إلى إبعاد نفسها عن الأجهزة القاتلة، قائلة إن شركة تصنيع أخرى، فى دولة المجر، صنعت نموذج جهاز الاتصال كجزء من صفقة ترخيص، وقامت الشركة اليابانية «آيكوم» بنفس الأمر، وأكدت أنها أوقفت إنتاج هذه الأجهزة منذ عام ٢٠١٤.

وفجّرت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، مفاجأة صادمة، بتأكيدها أن الشركة المصنعة لأجهزة الاتصال «بيجر» كانت «وهمية» و«واجهة لشركة إسرائيلية» استغلت تصريحات حسن نصر الله، زعيم «حزب الله» اللبنانى، التى حذر فيها من خطورة الهواتف المحمولة وقدرات إسرائيل على اختراق شبكات الاتصالات، وقامت بتوريد هذه الأجهزة إلى «حزب الله» عن طريق شركة وهمية فى المجر.

وقالت الصحيفة الأمريكية إنه «لطالما كانت فصائل المقاومة المسلحة، مثل (حزب الله)، عُرضة للهجمات الإسرائيلية باستخدام تقنيات متطورة. وفى عام ٢٠٢٠، على سبيل المثال، اغتالت إسرائيل أكبر عالم نووى إيرانى باستخدام روبوت بمساعدة الذكاء الاصطناعى يتم التحكم فيه عن بُعد عبر الأقمار الصناعية، كما استخدمت إسرائيل القرصنة الإلكترونية لإحباط التطوير النووى الإيرانى».

وأشارت إلى أنه فى لبنان، وبينما كانت إسرائيل تستهدف كبار قادة «حزب الله» من خلال عمليات الاغتيال، توصل قادة التنظيم إلى استنتاج مفاده أنه «إذا كانت إسرائيل تتجه نحو التكنولوجيا العالية، فإن (حزب الله) سوف يتجه للتكنولوجيا الأقل تطورًا».

ونوهت إلى أن تصريحات زعيم «حزب الله»، حول أن إسرائيل تستهدف شبكات الهاتف المحمول لتحديد موقع مقاتلى التنظيم وضرورة التخلى عنها، يبدو أنها فتحت الباب أمام إسرائيل لخطة جديدة.

ولفتت إلى أنه، ووفقًا للاستخبارات الأمريكية، فإن «نصر الله» كان يضغط منذ سنوات لاستخدام أجهزة الاتصال «بيجر»، لقدرتها المحدودة على تلقى البيانات دون الكشف عن موقع المستخدم أو أى معلومات أخرى قد تعرضه للخطر.

وأفادت بأن التحليلات تشير إلى أن انفجارات الأجهزة، يوم الأربعاء، ربما كانت تتضمن متفجرات أكثر من تلك التى وقعت يوم الثلاثاء.

واستطردت: «من الواضح أن شركة (بى إيه سى كونسلتينج) كانت شركة مقرها المجر، وكانت متعاقدة لإنتاج الأجهزة لصالح شركة تايوانية تدعى (جولد أبولو)، وفى الواقع فإن الشركة المجرية الوهمية كانت مجرد جزء من واجهة إسرائيلية، وفقًا لثلاثة ضباط استخبارات مطلعين على العملية السرية الإسرائيلية».

ونقلت «نيويورك تايمز» عن الضباط قولهم إن شركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضًا لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين صنعوا كل الأجهزة اللا سلكية التى انفجرت فى لبنان.

وأضافت أن الشركة الوهمية تعاملت مع الكثير من العملاء وأنتجت لهم مجموعة من أجهزة الاتصال، ولكن يبدو أن إنتاج أجهزة «حزب الله» كان بعيدًا كل البعد عن الأجهزة العادية، حيث كانت تحتوى على بطاريات مملوءة بالمواد المتفجرة، منها مادة «PETN»، التى تم إنتاجها بشكل منفصل.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أن لبنان بدأ فى استيراد أجهزة الاتصال المذكورة فى صيف عام ٢٠٢٢ بأعداد صغيرة، لكن الاستيراد زاد بسرعة بعد أن ندد «نصر الله» بالهواتف المحمولة.

ونقلت كذلك عن ثلاثة مسئولين استخباراتيين قولهم إن إسرائيل استثمرت ملايين الدولارات فى تطوير التكنولوجيا، وانتشر الحديث بين عناصر «حزب الله» وحلفائه حول أن أى اتصال عبر الهاتف المحمول، حتى عبر تطبيقات الرسائل المشفرة، لم يعد آمنًا، مع التنويه إلى أنه خلال الصيف الحالى ازدادت شحنات أجهزة الاتصال إلى لبنان، حيث وصلت الآلاف منها إلى البلاد وتم توزيعها بين عناصر «حزب الله» وحلفائهم.

وواصلت: «بالنسبة لـ(حزب الله)، كانت هذه الأجهزة بمثابة إجراء دفاعى، ولكن فى إسرائيل كان الأمر فرصة، حيث أشار ضباط الاستخبارات إلى أجهزة الاتصال باعتبارها (أزرارًا) يمكن الضغط عليها عندما يبدو الوقت مناسبًا، ولإحداث الانفجارات قامت إسرائيل بتشغيل الأجهزة لتطلق صافرات الإنذار، وأرسلت لها رسالة باللغة العربية بدا وكأنها جاءت من كبار قادة التنظيم».

وفى الإطار نفسه، أوضحت «نيويورك تايمز» أن الشركة اليابانية، التى يفترض أنها تصنع أجهزة اللا سلكى و«ووكى توكى»، وغيرهما من الأجهزة التى انفجرت، أمس الأول، فى لبنان وسببت موجة ثانية من الانفجارات القاتلة- قد أوقفت خط إنتاجها منذ عام ٢٠١٤.

وقالت إن شركة «آيكوم» اليابانية، المصنعة للأجهزة اللا سلكية، أكدت أن خط إنتاج الأجهزة التى انفجرت فى لبنان متوقف منذ قرابة ١٠ سنوات، مشيرة إلى أنها ستحقق فيما حدث.

ونقلت عن الشركة، التى تتخذ من اليابان مقرًا لها، قولها إن آخر شحنة من أجهزة الإرسال والاستقبال من طراز «IC-V82»، التى ظهرت فى مقاطع فيديو الانفجارات فى لبنان، تم شحنها فى أكتوبر من عام ٢٠١٤، مشيرة إلى أنها لم تشحن أى أجهزة من هذا الطراز من مصنعها الموجود فى واكاياما باليابان منذ نحو عقد، وحذرت من انتشار نسخ مقلدة تنتجها شركات وهمية منتشرة فى الأسواق.

وأوضحت الصحيفة أنه لم يتضح حتى الآن من أين حصل «حزب الله» على الأجهزة، خاصة بعدما أكدت الشركة اليابانية أنها لا تملك حتى مخزونًا منها، وأن كل الأجهزة التى تحمل شعار الشركة فى الأسواق مقلدة، وأنها ستتخذ كل الإجراءات القانونية ضد الشركات الوهمية التى تبيع هذه الأجهزة المزيفة، وأنها أصدرت تحذيرات من كل موديلات هذه الأجهزة التى أنتجت منذ عام ٢٠٢٠ على الأقل.

كما ذكرت الشركة، وفقًا للصحيفة الأمريكية، أن الأجهزة الأصلية تحمل ملصقًا يحمل اسم الشركة، بينما لا تحمل كل الأجهزة التى انفجرت فى لبنان هذا الملصق، الذى يعد عامل وقاية ضد المنتجات المقلدة، خاصة أن هذه النسخ عرضة للاشتعال أو الانفجار بسبب أعطال فى البطاريات، مع الإشارة إلى أن العديد منها يحمل علامة «صنع فى الصين».

ونوهت «نيويورك تايمز» إلى أن الشركة اليابانية رفضت الكشف عن كيفية علمها بأن الأجهزة التى انفجرت فى لبنان لا تحمل ملصق الوقاية، علمًا بأنه عادةً ما تكون أجهزة اللا سلكى صالحة للاستخدام لمدة تتراوح بين خمس وسبع سنوات، حسب الاستخدام، ووفقًا لشركات تصنيع هذه الأجهزة.