رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموت عبر جهاز نداء صغير!

من السابق لأوانه تفسير الحدث غير المسبوق، الذى وقع فى جميع أنحاء لبنان، لكن المؤكد، أن إسرائيل تحاول القتل، حتى ولو برسالة عبر جهاز «نداء» صغير، يحمله الإنسان فى خاصرته أو بين يديه، وهو مطمئن إليه، فإذا بالموت يأتيه من خلاله.. كذلك، فإنه يستدعى حقيقة أن دولة الاحتلال تحاول دفع حزب الله اللبنانى إلى الإقدام على الخطوة التى تريدها تل أبيب، للهجوم الكاسح على جنوب لبنان، وفاءً بوعد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بعودة مستوطنى شمال الأرض المحتلة إلى بيوتهم، من خلال إصابة نحو ثلاثة آلاف شخص، واستشهاد تسعة آخرين، فى تفجيرات أجهزة «بيجر» محمولة، فى حوزة أعضاء حزب الله وذويهم والعديد من المدنيين، فى مناطق كثيرة من لبنان، وصولًا إلى دمشق، وسط تصاعد التوتر على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
و«البيجر»، هو جهاز اتصال لاسلكى صغير، تم تطويره فى الستينيات للاستخدام فى حالات الطوارئ، ويعتمد على إرسال إشارات رقمية عبر موجات الراديو، لإخطار المستخدم بأن شخصًا ما حاول الاتصال به، كما يمكن إرسال رسائل نصية قصيرة عبر هذا الجهاز.. وقبل انتشار الهواتف المحمولة، كان «البيجر» وسيلة شائعة للتواصل، خصوصًا بين الأطباء العاملين فى المناوبات الليلية وموظفى خدمات الطوارئ، كما استخدم أيضًا فى المجالات العسكرية والأمنية.. وبما أن جهاز «بيجر» من التقنيات القديمة نسبيًا، والتى لا يمكنها الاتصال بالإنترنت، فإنه يعتبر آمنًا نوعًا ما من الاختراقات السيبرانية ومحاولات التجسس والتتبع الشائعة عند استخدام الهواتف المحمولة أو الذكية، ولهذا فهو لا يزال يستخدم فى المجالات العسكرية والأمنية، وهذا على الأرجح، السبب الذى يدفع عناصر حزب الله إلى امتلاك هذه الأجهزة، ويفسر العدد الكبير من المصابين بين أعضائه.
وقد سارعت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إلى القول إن أجهزة الاستدعاء «بيجر»، التى يحملها المئات من عناصر حزب الله، وانفجرت بشكل غير متوقع، كانت من شحنة جديدة تلقاها الحزب فى الأيام الأخيرة، ونقلت عن شركة «لوبك إنترناشيونال الأمنية»، أن سبب انفجار أجهزة الاتصال، هو على الأرجح برمجيات خبيثة، تسببت فى تسخين الأجهزة وانفجارها، وهو ما قال به مسئول فى حزب الله، من أن بعض الناس شعروا بأن الأجهزة ترتفع حرارتها، ولذلك تخلصوا منها قبل أن تنفجر.
وكما قلنا، من أنه لا يزال من المبكر معرفة كيف انفجرت هذه الأجهزة بالتحديد، حيث تتوالى التفسيرات حول أسباب هذا الأمر، إلا أن أبرزها، أن شريحة ما تم زرعها فى كل أجهزة البيجر، قبل استيرادها واستخدامها من قبل عناصر حزب الله.. وقد فُعّلت هذه الشريحة من خلال موجات الراديو المرسلة عبر طائرات مسيّرة، تم إطلاقها فى مختلف أرجاء لبنان من قبل الاحتلال الإسرائيلى، بحيث تعمل تلك الموجهات على تفجير الشريحة، أو رفع سخونة بطارية الجهاز، ما أدى إلى انفجارها.. ومما يعزز هذه النظرية، ما نقلته وكالة رويترز عن مصادر لبنانية تأكيدها، أن أجهزة الاتصال التى انفجرت هى «أحدث طراز» جلبه حزب الله خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تركزت الإصابات فى جنوبى لبنان والضاحية الجنوبية فى بيروت، وأربعة أشخاص فى سوريا، أصيبوا جراء انفجار فى سيارتهم فى طريق نفق بالعاصمة دمشق، حيث رجحت وسائل إعلام سورية، أن المصابين عناصر من حزب الله، انفجرت أجهزة اتصال كانوا يحملونها.
ومع التزام إسرائيل الصمت تجاه هذا الحادث، وطلب مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الوزراء عدم إجراء مقابلات أو التعليق على انفجار أجهزة الاتصال فى لبنان، كما حظر حزب الليكود الحاكم على أعضائه، الإدلاء بتصريحات وإجراء مقابلات بشأن الأحداث فى لبنان، فإن وكالة «أسوشيتد برس»، نقلت عن مسئول لبنانى قوله، إن هناك اعتقادًا بأن استهداف أجهزة الاتصال هو نتيجة لهجوم إسرائيلى.. فى الوقت الذى أكد مسئول كبير سابق فى جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى «الشاباك»، أن تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بمئات العناصر من حزب الله هو «اختراق أمنى استخباراتى غير مسبوق».. كما أشار مستشار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى مسئولية إسرائيل عن هذه الهجمات، قبل أن يتراجع عن تغريدته بعد دقائق من نشرها.. وعلق مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، على هذا التفجير قائلًا، إن «هناك دائمًا خطرًا لحدوث تداعيات للتصعيد فى لبنان».
وبينما أعلن حزب الله اللبنانى، عن أن الأجهزة المختصة فى الحزب تقوم حاليًا بإجراء تحقيق واسع النطاق أمنيًا وعلميًا، لمعرفة الأسباب ‏التى أدّت إلى تلك الانفجارات المتزامنة.‏. إلا أنه قال «بعد التدقيق فى كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة، نُحمّل العدو الإسرائيلى المسئولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامى والذى ‏طال المدنيين»، متعهدًا بـ«القصاص العادل» على «العدوان الآثم»، بحسب بيان الحزب.. كذلك، أدانت الحكومة اللبنانية، ما وصفته بـ «العدوان الإسرائيلى الإجرامى، الذى يُشكل خرقًا خطيرًا للسيادة اللبنانية، وإجرامًا موصوفًا بكل المقاييس»، وشدد مجلس الوزراء على أن «الحكومة باشرت على الفور القيام بكل الاتصالات اللازمة مع الدول المعنية والأمم المتحدة، لوضعها أمام مسئولياتها حيال هذا الإجرام المتمادى».
ويبقى السؤال هنا: هل يُعجل الهجوم السيبرانى على أجهزة اتصال حزب الله بالمواجهة الواسعة مع إسرائيل؟
الانفجارات التى وقعت بأجهزة الاتصال التى يستخدمها عاملون فى وحدات ومؤسسات حزب الله، وما أسفرت عنه من قتلى وجرحى، تأتى لتزيد من التوتر الحاصل بين الحزب وإسرائيل، ولتزيد كذلك من الاحتمالات، التى راجت خلال الأيام الماضية، بتوسيع إسرائيل عمليتها العسكرية ضد الحزب فى لبنان، وما يحمله ذلك من مخاطر اتساع نطاق الحرب فى المنطقة، لتصبح حربًا إقليمية.. وكانت إسرائيل من جانبها، قد أعلنت عن توسيع أهداف حربها المستمرة، منذ قرابة العام، مع حركة حماس فى غزة، لتشمل الجبهة مع حزب الله، على طول حدودها الشمالية مع لبنان، وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، إنّ الحكومة الأمنية المصغّرة قرّرت توسيع أهداف الحرب الراهنة، لتشمل إعادة سكان شمال إسرائيل، إلى بيوتهم، بعدما نزحوا عنها، بسبب القصف المتبادل مع حزب الله.. وقال وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، للمبعوث الأمريكى، آموس هوكستين، إن الوقت «ينفد للتوصل إلى اتفاق، مع استمرار ارتباط حزب الله بحماس، ورفضه وضع حد للنزاع».. وشدد جالانت على أن «العمل العسكرى»، هو «السبيل الوحيد المتبقّى لضمان عودة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم».. وقد أدى القصف المتبادل بين الجانبين، إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان، على جانبى الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فى وقت توعدت فيه إسرائيل مرارًا، بشن هجوم برى واسع على لبنان، فى حال لم يتوقف حزب الله عن إطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل، ولم تنسحب قواته إلى شمال نهر الليطانى.
الحادث لم يمر دون تعليقات المغردين على وسائل التواصل الاجتماعى.. «تكتيك جديد غير مسبوق فى الحرب الإسرائيلية على حزب الله»، بهذه العبارة وغيرها تفاعل جمهور منصات التواصل مع الأخبار، بعد الانفجارات المتتالية لأجهزة الاتصال فى أيدى عناصر من حزب الله فى مناطق مختلفة من لبنان وبقرب العاصمة السورية دمشق.. ومع انتشار الصور والفيديوهات لإصابات بالمئات، بدأ رواد العالم الافتراضى بطرح كثير من التساؤلات، حول الطريقة التى تم بها الهجوم، وكيف حصل هذا الاختراق فى صفوف الحزب؟
وعلّق أحد المغردين على الحدث متعجبًا، «ألهذه الدرجة حزب الله مخترق بكل سهولة!.. ولو أن إسرائيل هى فعلًا من قامت بهذا الاختراق الأمنى الكبير للحزب، فيجب على قادة الحزب مراجعة أجهزته الأمنية والاستخباراتية».. وبدأ الجمهور بطرح عدة تفسيرات عن كيفية حدوث الأمر، وهل هو اختراق سيبرانى أم ثغرة أمنية؟، وقال أحد المدونين إن جهاز البيجر أو اللاسلكى لا يوجد بداخله أى قطعة إلكترونية تتسبب بهذا الانفجار، وحتى البطارية لا تنفجر بهذا الشكل، ورجحوا أن الأجهزة ملغومة وتم بيعها للحزب، وستكشف التقارير كمية الاختراقات لعناصر حزب الله من عملاء مقابل مبالغ مالية.. وقال آخرون، إنه وبعد العملية الأمنية الإسرائيلية التى استهدفت لبنان، عبر تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية المستوردة حديثًا، يجب أن يعزز محور المقاومة التوجه نحو دعم الابتكار الوطنى وتوطين الصناعات المحلية بكل أنواعها.. واستغرب متابعون من استيراد واستخدام حزب الله أجهزة من الغرب أو أمريكا، وكيف كان مثل هذا الأمر لم يكن ضمن دراساتهم الأمنية والاستخباراتية؟
فى المقابل، طالب البعض بالتعامل مع الحدث بهدوء، وقالوا إنها ضربة استخبارية إسرائيلية كبيرة، ربما هى الأكبر، فى سياق حرب استنزاف، يرى العدو، لأول مرة فى تاريخه، أن المقاومة تفرضها عليه داخل حدود الأرض التى يراها خالصة له، ورأوا أن الاحتلال أراد من هذا الاستهداف، أن يوجّه رسالة دموية إلى قيادة المقاومة، وإلى المقاومين أنفسهم، أن الحرب السيبرانية بيننا طويلة، خصوصًا أن ما حدث هو اختراق سيبرانى.. واستدلوا على نظريتهم بالقول «كل الأجهزة التى من حولك تحتوى على شرائح ترسل ترددات، وبمجرد وصولها للإنترنت، فسوف تعتبر ثغرة فى أمنك.. وأكثر برامج الحماية تتبع لحكومات، تستطيع فى أى لحظة أن تصنع الثغرة، لذلك ليس القوة بالسلاح والذخائر فقط، إنما القوة الكبرى الآن بالبرمجيات ومدى تقدمك فيها، وقوة الأمن السيبرانى لديك».. وأنا مع هذا الرأى.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.