تطفيش وسطاء التهدئة!
لا يريد وسطاء التهدئة غير التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة وتحرير المحتجزين الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين. ومع ذلك، لم يسلم الوسطاء الثلاثة، مصر والولايات المتحدة وقطر، من أكاذيب رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى وصف، منذ أيام، تصريحات البيت الأبيض حول قرب التوصل إلى اتفاق بأنها «كاذبة وغير صحيحة»، فى مداخلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية!
المحاولات الإسرائيلية لتطفيش وسطاء التهدئة كادت تنجح. ولعلك تتذكر أن محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، رئيس الوزراء القطرى، وزير الخارجية، قال، فى أبريل الماضى، إن الدوحة «تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذى تقوم به»، إزاء استمرار الانتقادات الإسرائيلية. غير أن جريدة «الشرق» القطرية، أكدت فى افتتاحيتها، الأحد الماضى، أن «جهود قطر المكثفة لإنهاء حرب غزة خلال الوساطة المشتركة التى تقودها مع مصر والولايات المتحدة، جهود مستمرة لن تثنيها عقبات ولا عراقيل».
مبكرًا، أدركت مصر هذه اللعبة، «لعبة توالى توجيه الاتهامات للوسيطين، القطرى تارة ثم المصرى تارة أخرى»، وقالت الهيئة العامة للاستعلامات، فى بيان، إن الهدف من اتهام الوسيطين بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهما، هو «التسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار». وكانت الهيئة قد أصدرت ذلك البيان، فى ٢٢ مايو الماضى، ردًا على تقرير لشبكة «سى إن إن» الأمريكية، نقل عن مصادر مجهولة، أو وهمية، أن مصر غيَّرت بنودًا فى مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار!
لن نتحدث عن التجارب العديدة السابقة التى أكدت مدى خبرة وحرفية المفاوض المصرى فى إدارة مثل هذا النوع من المفاوضات. ولسنا فى حاجة إلى ما يثبت أن الدولة المصرية وسيط نزيه، لا ينحاز إلا للقانون الدولى. فقط، سنشير إلى أن الأكاذيب الإسرائيلية، ما ظهر منها وما سيظهر لاحقًا، ليست أكثر من محاولة بائسة، أو يائسة، للانتقام من مصر عن مواقفها المبدئية الثابتة تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، بدءًا من رفضها التهجير القسرى، وصولًا إلى انضمامها إلى دولة جنوب إفريقيا فى الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية، ضد الإبادة الجماعية للفلسطينيين وممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلى.
تأسيسًا على ذلك، لم يكن مفاجئًا أن يعرب أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن «تقديره دور وجهود الوساطة الهادفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين»، خلال اتصال تليفونى أجراه، الجمعة الماضى، مع الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، بالتزامن مع صدور بيان عربى إسلامى أوروبى، فى العاصمة الإسبانية، مدريد، يشدّد على «الدعم الكامل لجهود الوسطاء، ورفض جميع الإجراءات التى تهدف إلى عرقلتها»، ورفض أى «ذرائع لتمديد معاناة الملايين».
خلال الاجتماع، الذى استضافته العاصمة الإسبانية، يوم الجمعة، بمناسبة مرور ٣٣ سنة على مؤتمر مدريد للسلام، جدّد وزير خارجيتنا رفض مصر الوجود العسكرى الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا، أو صلاح الدين، وفى الجانب الفلسطينى من معبر رفح، مؤكدًا أن «إسرائيل تقوم بتقويض جهود الوساطة». وفى موسكو، أكد، أمس الأول الإثنين، أننا «لن نتوقف عن جهودنا الدءوبة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسنواصل جهودنا بالتعاون مع الشركاء لتحقيق ذلك». ولدى تبادله الرؤى مع سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، اتفق الوزيران على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطنى الفلسطينى، وعاصمتها القدس الشرقية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، بدأ أمس، الثلاثاء، زيارة مصر، تستمر حتى غدٍ، الخميس، من المقرر أن يجتمع خلالها «مع مسئولين مصريين لمناقشة الجهود الجارية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار فى غزة يضمن إطلاق سراح جميع الرهائن ويخفّف معاناة الشعب الفلسطينى ويساعد فى إرساء أمن إقليمى أوسع نطاقًا»، حسب بيان أصدرته الخارجية الأمريكية، أوضحت فيه أن «بلينكن» سيترأس مع نظيره المصرى «الحوار الاستراتيجى الأمريكى المصرى»، الذى يهدف «إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتعميق التنمية الاقتصادية، وتوطيد العلاقات بين شعبى البلدين».