كامالا وترامب
عنوان يصلح لفيلم أمريكى مثير، ولكن الواقع أكثر إثارة وأكبر من خيال أى مخرج أو روائى.
مرشحان يتنافسان على رئاسة أقوى وأكبر دولة فى العالم، تتحكم فى كل عناصر القوة، وبيدها مصير معظم الشعوب.
من المعروف أن النظام السياسى فى الولايات المتحدة يهيمن عليه حزبان فقط، ينتمى إليهما كل رؤساء أمريكا فى العصر الحديث، هما الحزب الديمقراطى الليبرالى الذى ينتمى إليه الرئيس الحالى بايدن، والحزب الجمهورى المحافظ الذى ينتمى إليه سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.
كمصرى وكاتب، أتابع عن قرب تلك المعركة الانتخابية التى تجرى هناك فى أقصى الغرب، فى أمريكا، والتى تدور بين الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، ومنافسته كامالا هاريس.
الانتخابات الأمريكية تعنينا كثيرًا فى منطقتنا العربية، حيث تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق رئيسها الذى تنتخبه، فى العلاقات الدولية والصراعات والنزاعات فى منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى لعب عليه واستفاد منه رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فى عدم وقف الحرب فى غزة.
ترامب، الذى أثار الكثير من الجدل، سواء فى سياسته أثناء فترة توليه رئاسة أمريكا، أو ما حدث منه عند إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة السابقة، والتى أوشكت أن تدخله السجن، بسبب اعتراضه على النتيجة، وقام أتباعه بمظاهرات واقتحامات لمقر الحزب. كما أنه تعرض لمحاولة اغتيال، فى يوليو الماضى، أثناء خطابه أمام حشد من مؤيديه فى ولاية بنسلفانيا، ولكن ترامب نجا من تلك الفخاخ ومحاولة الاغتيال، واستعاد سيطرته على المشهد الانتخابى، وها هو يقارع المتنافسة الوحيدة معه كامالا هاريس.
صحيح أننا فى الشرق لا نؤمن كثيرًا بأحقية المرأة فى القيادة ولا فى التوجيه، وما زالت نظرتنا لها قاصرة وتحتاج لتهذيب، وننظر إليها باعتبارها عورة، يجب أن تغلق عليها الأبواب، ونستاء من اختلاطها بالمجتمع، وهم هناك يحتفلون بامرأة ليست من أصول أمريكية، ولكنها شقت طريقها للصعود لسلم الرئاسة.
كامالا هاريس منافسة الرئيس ترامب الوحيدة، تتصدر المشهد الانتخابى الأمريكى، ممثلة للحزب الديمقراطى الأمريكى، بعد انسحاب الرئيس الأمريكى الحالى بايدن. فى خطاب إعلان قبولها ترشيح الحزب الديمقراطى لها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فى مؤتمر الحزب العام فى شيكاغو، تعهدت كامالا هاريس بأن تكون رئيسة «لكل الأمريكيين». وأكدت للحشد الكبير من أعضاء الحزب، بعد شهر واحد فقط من انسحاب جو بايدن من السباق: «لا شك أن الطريق الذى قادنى إلى هنا فى الأسابيع الأخيرة كان غير متوقع».
وهى امرأة هندية ناجحة، لم تشغلها اهتماماتها الأنثوية، والنعومة التى وجدتها فى أمريكا، ولا اهتمامها بأخبار الموضة ورجال السينما الأكثر جاذبية، ولكنها اهتمت بتحصيلها للعلم ونضالها من أجل حقوق الهنود الأمريكيين وذوى البشرة الملونة، وتربية ابنتيها كامالا ومايا. سبقتها فى الترشح للانتخابات الأمريكية هيلارى كلينتون، التى عملت وزيرة خارجية للرئيس الأمريكى أوباما، الذى كان يناصر صعود الإخوان المسلمين فى مصر، وكان يتدخل مباشرة، وعن طريقة وزيرة خارجيته، والسفيرة الأمريكية فى القاهرة، كما كانت تقوم بتحريض الشباب على التظاهر، ووعدتهم بالحماية الأمريكية، ولكن الشعب المصرى أحبط خططه.
وتحاول هاريس جاهدة تجنب الأخطاء التى ارتكبتها هيلارى كلينتون فى انتخابات 2016، حيث كانت كلينتون أول مرشح ديمقراطى يخسر ولايات مثل ميشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن. وهذه الولايات كانت تسمى بولايات «الجدار الأزرق» بسبب صلابتها وصعوبة اختراقها من قبل الجمهوريين على مدار سنوات، ولكن هيلارى تجاهلتها، ما جعلها تدفع الثمن غاليًا بعدم الفوز.
تهتم المرشحة الديمقراطية بالقضايا التى تهم المجتمعات العربية والإسلامية والأمريكية، وتحاول بناء علاقة قوية معهم، خاصة فى ولايات مثل ميشيجان، حيث يمكن أن يكون لأصوات هذه المجتمعات تأثير كبير.
الحقيقة أن المرشحة كامالا هاريس تستحق الإشادة بها، بسبب عودتها الدائمة لجذورها وأصولها، واعتزازها بتربية والدتها لها، وتأثيرها فيها، فى وقت تظهر النزعة المادية والكبرياء الأمريكى فى كل وسائل الإعلام.
أحاول خلسة المقارنة بين ما يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية التى تقود العالم بأفكارها التحررية، والذين تحرروا من عقدة تهميش المرأة التى نعانى منها هنا فى بلادنا، ومن أفكارهم الغريبة أنهم يرون أن الضحك هو جزء لا يتجزأ من الحملة الرئاسية لمرشحة الحزب الديمقراطى كامالا هاريس. فضحكتها تتحول إلى سلاح مفيد فى الكثير من المواقف، وهو ما يثير استياء منافسها على رئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذى يحاول دائمًا تشويه سمعة منافسته هاريس ويسخر من كونها امرأة وملونة وليست بيضاء. وينضم إلى ترامب فى سخريته متابعوه على الإنترنت حيث يتشاركون منشورات مهينة ومقاطع فيديو مزيفة لها.
صحيح أن كامالا هربت حين استقبل الكونجرس رئيس الوزراء الإسرائيلى الهارب من العدالة، فى يوليو الماضى، لكن هذا التصرف لا يُعفيها من أسئلة الإنسانية، فكيف تدعو أمام ناخبيها إلى وقف إطلاق النار فى غزة، وفى الوقت نفسه تدعم حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها؟! وهى تدرك بلا شك التفسيرات الجرمية لهذه العبارة المطاطة.
عمومًا ليس أمامنا نحن العرب سوى أن ننتظر ما تقوله العرافة اللبنانية ليلى عبداللطيف، وكلامها الذى يثير الجدل، حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية.