رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من وصايا الرسول الكريم فى ذكرى مولده الشريف

فى يوم ذكرى المولد النبوى الشريف نتذكر حديثًا نبويًا عن أبى الدرداء، قال فيما رواه البزار من حديث طويل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فمن أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبّت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. الاقتباس السابق جزء من حديث نبوى طويل استمعت إليه الليلة الماضية فى درس دينى نادر لفضيلة الإمام الشيخ الشعراوى عبر إذاعة القرآن الكريم، كان يسرد خلاله صفات الحبيب المصطفى الخِلقية والخُلقية. 
توقفت كثيرًا عند هذا الحديث الشريف، وأدركت كم كان الحبيب المصطفى يفكر فى أصحابه والتابعين، ويدرك أن من بينهم من لا يستطيع أن يصل صوته، أو أن يرفع حاجته أو يبث شكواه إلى ولاة الأمور، فيسّر لهم السبيل لقضاء حاجتهم وإيصال أصواتهم بطريقة تحفظ حقوقهم وتضمن لهم إيصال ما يؤرقهم حتى لو أنابوا فى هذا من رزقهم الله الفصاحة فى القول، أو القرب من السلطان، أو القدرة على التبيان. وقد حفّز الرسول الكريم من يمتلك القدرة على هذا أن يفعل، بأن أبلغهم أن ثواب هذا الأمر هو اجتياز الصراط المستقيم بثبات يوم تزل الأقدام.
وهنا أدركت أن من سعى فى قضاء حوائج الناس مثاب ومأجور من الخالق عز وجل. وبلغة العصر، قد ترى اليوم هؤلاء الذين حثهم الرسول وعنيهم فى حديثه الشريف، قد تراهم بين صفوف من يعملون بالسياسة، أو نواب البرلمان، أو ممن يعملون بالمحاماة، أو من الإعلاميين وأصحاب القلم أو الميكروفون. لو أن كل أصحاب تلك المهن أيقنوا أنهم حقًا من عناهم الرسول الكريم فى حديثه الشريف هذا، ما وجدنا بينهم من يسعى لمصلحة شخصية أو من يستغل حوائج الناس ليرتقى على أكتاف الضعفاء، أو من يبيع قلمه أو ميكروفونه مقابل مكسب دنيوى رخيص مهما غلا ثمنه.
كان هذا واحدًا من الدروس العظيمة والمواقف الكريمة التى تعلمتها اليوم واليوم فقط رغم سنوات عمرى التى تجاوزت الخمسين، وكان الفضل فى هذا الكم المعرفى الذى تحصّلت عليه وأقرانى فى هذه المناسبة هو الاحتفال بصاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم. وبالطبع كانت هناك عشرات المواقف وربما المئات مما تناولها الفقهاء وعلماء الدين خلال هذا الأسبوع على منابر المساجد وعبر وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية. وهذه بعض أفضال الاحتفال بالذكرى العطرة لميلاد الحبيب المعصوم.
ويوم أمس انشغلت كثير من المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعى بتداول قول منسوب للشيخ على الحذيفى خطيب المسجد النبوى فى المدينة المنورة، ذكره فى خطبة الجمعة، ردًا منه على الجدل القائم عبر شبكات التواصل الاجتماعى بشأن الاحتفال بذكرى المولد النبوى. إذ حذر الشيخ الحذيفى فى خطبته من الاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، معتبرًا ذلك بدعة لم يأت بها أحد من الصالحين الأولين. فى الحقيقة أرى أن لدى المعترضين على فتوى الشيخ الحق فى موقفهم. إذ إننا كمصريين عرف كل منا منذ سنوات عمره الأولى جزءًا من سيرة الرسول على هامش الاحتفال بذكرى مولده الشريف.
كانت ولا تزال احتفالات المصريين بتلك المناسبة تأخذ طابعًا شعبويًا فضلًا على شكلها الرسمى ومضمونها الدينى. وفى كل صورة من تلك الصور- حتى تلك الاحتفالات التى يشوبها بعض العادات التى لا تمت للمناسبة بصلة- تبقى لدينا ذكريات تحفزنا لمزيد من حب صاحب الذكرى المعطرة، وتدعونا لدراسة سيرته المطهرة، وتدفعنا للتمسك بسنته المشرفة. وحتى حلوى المولد التى ينكرها علينا بعضهم ويرجعونها لحقبة تاريخية لم يكن حال الإسلام السنى فى مصر خلالها على أفضل ما يكون، غير أن تلك الحلوى ومع مضى السنين صارت تمتزج حلاوتها مع السيرة النبوية المشرفة، فصار عقلنا الباطن يربط بين هذه وتلك ارتباطًا شرطيًا. 
وأيًا كانت مذاهب البعض وتوجهاتهم الدينية بين إفراط أو تفريط، ستبقى مصر بأزهرها الشريف سندًا للإسلام الوسطى الذى يتمسك بتعاليم الدين وأوامر الله ونواهيه. وفى نفس الوقت، يعيش مواطنوها حياتهم التى لا تخالف صحيح الدين ولكنها صنعت لنفسها شكلًا خاصًا لتدين أهلها. سيبقى العقل الجمعى المصرى رافضًا لأى إفراط من أولئك أو تفريط من هؤلاء. فصلاة وسلامًا على صاحب الذكرى الذى أوصى بالفقراء وبالضعفاء خيرًا، وكل عام ونحن نحتفل ونبتهج ونحيى سنته ونتمسك بما أوصانا واستوصانا به صلى الله عليه وسلم.