لا تضع إصبعك بين أسنان من يتربص بك
منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي سدة الحكم في مصر، حرص، ضمن أولوية لا تُقارن بغيرها، على تطوير قدرات مصر العسكرية، للذود عن حدودها، والدفاع عن أمنها، أينما وُجِد تهديد يتهدده، مستعينًا في ذلك بتنويع مصادر أسلحة قواتنا المسلحة، حتى لا تخضع لتحكم أي دولة، لأن التسليح العسكري القوي لأي دولة، يفرض مكانتها في المنطقة.. لذلك، فإنها تتصدر المراتب المتقدمة في ترتيب أقوى الجيوش في المنطقة، تبعًا لتقارير موقع Global Fire Power، المتخصص في الشئون العسكرية.. لصيق بذلك، فإن القاهرة وضعت خطة تسليح كبرى، تضمن منظومة متنوعة ومتكاملة سرية، لا يمكن الإعلان عنها، حيث لا تعلن مصر عن كل الأسلحة التي تمتلكها.. وهذا ديدن كل دولة، تمتلك سلاحًا يمكن أن يكون فتاكًا، وبديلًا لأسلحة أخرى، وفقًا للتهديدات المختلفة.. هذه الأسلحة لا تظهر في التدريبات والمناورات العسكرية، لأن المنظومة العسكرية لها العديد من الأسرار التي يجب أن تكون مفاجئة للكثير من الأعداء في وقت الحرب.
وقد حرصت القيادتان السياسية والعسكرية، على دعم الأفرع الرئيسية، بدءًا من القوات البحرية، بزيادة قدرتها على تأمين المجال البحري لمصر، والتي تتمتع بإطلالات بحرية استراتيجية فريدة، تبلغ أكثر من ألفى كيلومتر، على شواطئ البحرين الأبيض والأحمر، وتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، وحرصت على تزويدها بأحدث الأسلحة البحرية المستخدمة في جيوش الدول المتقدمة.. وحظيت القوات الجوية باهتمام كبير في رؤية القيادتين السياسية والعسكرية، نظرًا لحيوية دورها في منظومة الدفاع المصرية، وارتكز التطوير على تزويد القوات الجوية بطائرات جديدة حديثة ومتطورة، ومن مصادر متعددة وفق استراتيجية مصر في تنويع مصادر السلاح.. وفيما يخص تطوير وتحديث منظومة الدفاع الجوي، فقد راعت خطط التسليح أن يتم تدبير عدد كبير من الرادارات مختلفة الطرازات، التي تؤمن التغطية الرادارية للأجواء المصرية على مختلف الارتفاعات، وتدبير عدد من كتائب الصواريخ، وأعداد كبيرة من فصائل الصواريخ المحمولة على الكتف، لزيادة قدرة الاشتباك مع الأهداف الجوية على الارتفاعات المختلفة.. كما تم تدبير منظومات كهروبصرية حديثة لزيادة قدرة الدفاع الجوي على اكتشاف الأهداف وسرعة التعامل معها، فضلًا عن تطوير منظومات التأمين الفني للصواريخ والرادارات والمعدات الفنية.. واشتمل التطوير على تحديث ورفع كفاءة عدد من مراكز القيادة الخاصة بالدفاع الجوي، وفق منظومات آلية القيادة والسيطرة.. ويُعد ذلك التطوير والتحديث في قدرات الدفاع الجوي طفرة كبيرة، تزيد من كفاءته وقدرته على حماية سماء مصر وفرض السيطرة على أجوائها، بالتعاون مع القوات الجوية وعناصر الحرب الإلكترونية ومن قواعد ثابتة وعناصر متحركة، تكفل التغطية الكاملة لسماء مصر على مدار النهار والليل.
وحظي التصنيع الحربي باهتمام كبير في تلك الرؤية، خصوصًا في مجال التصنيع المشترك الذي يتركز في الدبابة M1A1، للوفاء باحتياجات القوات المسلحة من الدبابات الحديثة.. ويمتد التصنيع بشركات الإنتاج الحربي ليشمل كذلك العديد من الأسلحة الرئيسية، والكثير من المعدات الفنية والصواريخ المضادة للدبابات والذخائر الثقيلة، ولنشات المرور السريعة والطائرات الموجهة بدون طيار، وكباري الاقتحام وكباري المواصلات ومعديات العبور، والمركبات والجرارات الخاصة بحمل الدبابات وبعض المعدات الهندسية.
من أبرز القواعد العسكرية، استكمالًا لمنظومة الدفاع والردع المصري، قاعدة (الحمام العسكرية) غرب الإسكندرية، التي أطلق عليها قاعدة (محمد نجيب العسكرية)، تكريمًا لرمز من رموز الثورة المصرية عام 1952، حيث تعد أول قاعدة عسكرية متكاملة على أرض مصر، يتمركز بها تجميع قتالي قوى، يتوفر به المأوى الحضاري وميادين التدريب المجهزة لمختلف العناصر القتالية والتخصصية.. ويتوفر لها إمكانات هائلة ومتنوعة، تجعل منها قاعدة للتدريب المشترك مع القوات المسلحة الأجنبية بشكل حضاري ومتطور، يعكس كفاءة القوات المسلحة المصرية، ومواكبتها لكل حديث ومتطور في الشئون العسكرية.. وفي زمن قياسي، خلال أشهر معدودة، تم إنشاء قاعدة (برنيس العسكرية)، إحدى قلاع العسكرية المصرية على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، بقوة عسكرية ضاربة في البر والبحر والجو، ارتباطًا بمختلف المتغيرات الإقليمية والدولية، ما يعزز التصنيف العالمي للقوات المسلحة المصرية، بين مختلف الجيوش العالمية.. وعلى امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط، على مساحة تزيد على عشرة ملايين متر مربع، تقع قاعدة (الثالث من يوليو البحرية)، في موقع جغرافي فريد، يحقق المزيد من القدرات الإضافية، حيث تعد نقطة انطلاق، هي الأكثر قربًا لمواجهة أي أخطار محتملة من اتجاه البحر الأبيض المتوسط؛ موقع جغرافي فريد يتوافق مع كود القواعد البحرية العالمية.
لماذا نأتي على ذكر ما سبق؟
بالنظر إلى مدى تعقيدات السياسة في الشرق الأوسط، فقد طلبت مصر مقاتلات روسية من طراز SU-35S عام 2018.. ومع ذلك، طلبت الولايات المتحدة من مصر إلغاء الطلب، كجزء من جهودها لقطع الصادرات العسكرية الروسية، بموجب قانون CAASTA، مع أنه يتم بيع هذه الطائرات الآن إلى إيران.. والآن يبدو أن مصر تتجه نحو الصينيين.. لقد قررت القاهرة استبدال أسطولها القديم من مقاتلات F-16 Falcons الأمريكية الصنع، بمقاتلات صينية من طراز J-10C المعروفة باسم Vigorous Dragon، أو (التنين القوي)، وهو ما يؤكد التحول في استراتيجيتها الدفاعية، إذ توفر الطائرة ذات المحرك الواحد، قدرات متفوقة بتكلفة قابلة للمقارنة، ما يجعلها منافسًا قويًا للطائرة F-16V المُحدثة.. بعد أن انضمت مصر إلى مجموعة البريكس، وفي إطار سياستها بتنويع مصادر معداتها العسكرية، حيث تشتري من روسيا وفرنسا، والآن الصين.. هذا القرار يعكس أيضًا تحولات جيوسياسية أوسع نطاقًا، حيث تعمل القاهرة على تعزيز علاقاتها مع بكين، في حين تستجيب لديناميكيات الأمن الإقليمي، بما في ذلك الدعم الأمريكي لعمليات إسرائيل في غزة.
من شأن هذا الاستحواذ، أن يجعل مصر الدولة الثانية في العالم التي تطلب شراء الطائرة الصينية، بعد باكستان، على الرغم من أن مجلة Military Watch تقول إن هناك تقارير غير مؤكدة تفيد، بأن السودان ربما طلبت الطائرة أيضًا قبل انزلاقها إلى الحرب الأهلية الحالية.. إلا أن المهم في هذا الشأن، أن طائرة J-10C هي الرد الصيني على طائرة F-16 الأمريكية.. صحيح أن مصر تمتلك قوة جوية كبيرة، ولكن من المقرر التخلص تدريجيًا من طائراتها القديمة من طراز F-16 Fighting Falcons.. وكانت هناك اقتراحات بأن تعرض الولايات المتحدة تحديث هذه الطائرات، أو بيع نسخ جديدة من طراز F-16.. وتقول مجلة Military Watch، إن طائرة J-10C تعتبر ذات قدرة قتالية متفوقة على طراز F-16 المُحسن، في حين أنها تأتي بتكلفة مماثلة.
وفي الأسبوع الماضي، حلقت الطائرات الصينية من هذا الطراز في معرض مصر الدولي للطيران بمدينة العلمين الجديدة، وتم تصوير تشكيل يضم طائرات النقل الصينية من طراز Y-20 وهي تحلق بجوار الأهرامات.. وإذا تم إبرام صفقة الطائرات المقاتلة الصينية، فسوف تكون صفقة كبيرة، لأن عقود الطائرات المقاتلة مُعقدة للغاية.. فهي تميل إلى بناء علاقات أوثق بين الجيوش والصناعات في البلدان المعنية لعقود من الزمن، مثل قطع الغيار والتدريب والصيانة وما شابه ذلك.. كما ورد أن الإمارات العربية المتحدة كانت تفكر في شراء طائرات صينية، بعد تهميشها في صفقة طائرات F-35 الأمريكية، التي وعدتها به واشنطن، كجزء من اتفاقية إبرهام مع إسرائيل، لكنها لم تفِ بما تهعدت به.
هذا الأمر، لم يمر مرور الكرام على إسرائيل، إذ استقبلت تل أبيب هذه الأنباء، بمزيد من القلق الشديد مع اقتراب مصر الصين.. حيث ذكر موقع قناة (ماكو) الإسرائيلية، أنه (في الظاهر، هذه خطوة بريئة وطبيعية، تُقرر فيها دولة تجديد أسطول طائراتها وشرائه من دولة أخرى، ولكن في كل ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية ـ المصرية الخالية، فكل خطوة من هذا القبيل لها معنى، يمكن أن تكون له عواقب وخيمة في المستقبل.. في إسرائيل، يعربون عن قلقهم من أن اختيار المصريين لطائرة صينية بدلًا من طائرة أمريكية، قد يعتبر خطوة في اتجاه المحور الذي تعد الصين عضوًا فيه إلى جانب روسيا وإيران).. في حين ترى القاهرة، أن الشراكة الدفاعية بين الصين ومصر لها تاريخ طويل، وعلى مدى عقود نمت هذه الشراكة بقوة، مع توريد مختلف المعدات العسكرية الصينية، سواء كانت غواصات أو مدمرات أو طائرات.. ومن الناحية السياسية، فإن عدم التدخل في الشئون الداخلية ونهج الصين الاستراتيجي في تصدير الأسلحة بعيدًا عن الظروف السياسية، يجعل التعاون أمر جذاب بالنسبة لمصر، خصوصًا أن الصين تقدم أسعارًا تنافسية وإمكانية نقل التكنولوجيا الحديثة.. والأمر الثاني، فإن إعلان مصر رسميًا، أنها تستبدل أسطولها القديم من طائرات F-16 بالمقاتلات الصينية، يعكس نية القاهرة لتنويع مصادر معداتها العسكرية، وتقليل اعتمادها على أنظمة الدفاع الأمريكية.. ومصر لا تنتظر ردود أفعال من أحد، لأنها دولة كبيرة ولها مطلق السيادة والحرية في تحديد مصادر التسليح التي تختارها، وليس من حق الإسرائيليين أن يقيموا التصرفات المصرية.
■■ وبعد..
فإن الرئيس السيسي، كقائد أعلى للقوات المسلحة، يسعى إلى أن يحصل الجيش المصري على أحدث وأقوى نظم التسليح المتطورة في العالم، ومن ثم يهتم بتنويع مصادر السلاح، والتعاقد مع دول متقدمة في هذا المجال للحصول على أفضل مالديها، ومن هنا حرصت مصر على أن تحصل على الطائرات الفرنسية والروسية والفرقاطات والسفن المدمرة، وتعاقدت على الغواصات الألمانية والإيطالية، وتتجه نحو الصين بخطى واثقة.. وقد سبق أن اتفق الرئيس السيسي مع نظيره الصيني، على التعاون في محاربة الإرهاب، من خلال تعزيز التبادل الاستخباراتي، وتتبع المشتبه بهم، ومبادلة إرسالهم خارج الحدود لإخضاعهم للتحقيق والاستجواب والمحاكمة، وشددا على ضرورة التعاون في مجال القضاء على الجرائم الإلكترونية.. ولا بد من عدم إغفال قدرات الصين الخارقة في مجال الاستخبارات والمعلومات، والتي أضافت له قسمًا جديدًا، يتمثل في عمليات اختراق الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي تفتقده العديد من دول المنطقة.. واستعانت الصين في هذا الأمر بعدد من الأسلحة، مثل تقنيات متقدمة للتشويش على الأقمار الصناعية التي تستخدم في أغراض التجسس، أو توجيه الصواريخ الباليستية التي قد تضرب أماكن تابعة له، أو حتى الأقمار الصناعية التي قد تستخدم في الهجوم على بكين أو غيرها من الأماكن، وهو ما يطرح تساؤلًا حول إمكان استفادة مصر من تلك الخبرات.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.