رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيد رامبو

 

وفى رواية أخرى «Mr Rambo» ذلك الكائن الذى تحتمل خفته ووداعته ووفاءه مقارنة ببعض البشر.
فقد كان السيد «رامبو» هو المعادل الموضوعى الحقيقى والتعويضى عن غياب الاب والابن والصديق والرفيق والونيس وأيضا الحبيبة لبطل الفيلم المصرى «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» الذى عرض فى عرضه العالمى الأول فى مهرجان فينسيا السينماء الدولى الـ٨١ وهو أقدم مهرجان سينما على الإطلاق يقام فى إيطاليا سنويًا..
وظهر السيد «رامبو» مرتديًا زيًا رسميًا يناسب حفلات الافتتاح بالمهرجانات الدولية وسار على السجاد الأحمر فى مدينة «البندقية» بوصفه بطلًا حقيقيًا من ابطال العمل الذى شارك فى مسابقة آفاق جديدة بمهرجان فينيسيا ٢٠٢٤ بعد غياب للسينما المصرية عن مسابقات هذا المهرجان العريق لمدة ١٢ عامًا! فقد شارك فى ذات المسابقة فى عام ٢٠١٢ المخرج السبنمائى الاستثنائى «ابراهيم البطوط» بفيلمه «الشتا اللى فات»، وفى هذه الدورة يشارك المخرج الشاب الواعد «خالد منصور» بفيلمه فى مسابقة مهرجان البندقية، وتوقع كثيرون حصوله على جائزة أو تنويه فى المهرجان ولم يحالفه الحظ ولكن ترك الفيلم بعد عرضه فى النفس أثرًا حقًا كأثر الفراشة فالفيلم شديد العذوبة والإنسانية وشديد الخصوصية والطزاجة.. هو فيلم شبابى من الدرجة الأولى وتظهر فيه طاقات ابداعية عديدة فمخرجه كاتب وصانع افلام له بصمته الخاصة ولديه رؤية فى الحياة ليست تجارية ولا استهلاكية ولا تسعى وراء صيغ الإنتاج المشترك والتمويل الذى يعرف الطريق لصاحبه ويسعى إليه المتهافتون ممن يفوق دهاؤهم موهبتهم، ولذلك لم يحصل الفيلم فى اعتقادى على جائزة لأنه لا يسير فى نهج التيمات التى يغدق عليها التمويل عادةً.. فالفيلم عمل إنسانى متكامل فى المقام الأول يبحث ويطرح أسئلة وجودية تخص الإنسان فى هذا العالم وعلاقته بنفسه وبالآخرين وبالمجتمع.. فيلم شديد العمق والانسيابية.. غزل بسلاسة متناهية وعذوبة دون صراخ زاعق فبطل الفيلم «عصام عمر» أو «حسن» قد اعتزل الجميع بعد أن اعتزله الجميع باستثناء أمه.. فالأب قد رحل وتخلى أو «طفش» تاركًا الكل حائرًا وهذا الاصطلاح «طفش» عرفه حسن فقط حين سمعه لأول مرة فى حياته بعد اختفاء أبيه الاختيارى وهو مازال طفلا صغيرا فبقى وحيدًا طوال السنين اللاحقة يعانى من الفقد والافتقاد، وكان معه فى رحلته الفردية تلك «السيد رامبو» الذى يحميه من أى ضرر أو أذى.
وبالفعل هجر حسن بطل الفيلم مجتمعه واعتزله بشكل شبه تام بعد أن عزل هو عنه بغياب وخذلان كل من حوله له فآثر الوحدة عن الاختلاط، وخالط فقط السيد «رامبو» بعد أن صار أليفه الوحيد فى هذه الدنيا لتضن عليه الدنيا لاحقًا بتلك الألفة عندما طلب منه تسليم رفيقه الأوحد «رامبو» لشاب فى الحى قرر طرد حسن وأمه من البيت بعد وفاة أبيه ليستولى على بيتهم عنوة بغية التربح وضم البيت على ورشته للحدادة والتى لا تعرف كصاحبها اللين فقط تسمح بممارسة القسوة والتعدى.
فقد تعلم صاحب الورشة من ورشته ومهنته القسوة والغلظة فكان الحديد والنار هى وسيلته الوحيدة للتعامل مع محيطه.. هكذا نشأ وتعلم.. وبالحديد والنار ينهى دومًا أيضا خلافاته ويحل أزماته.. وعند اعتداء ذلك الشاب على حسن هب السيد «رامبو» بوفائه المعهود للدفاع عن صاحبه وهجم على الشاب وطرحه أرضًا ليشطاط الأخير غيظًا مطالبا برأس السيد رامبو! ولم يعلنهاصريحةً ولكن حسن قد فطن لما يريده رجل الحديد والنار، لذلك حاول بكل السبل إبعاد «رامبو» عن تلك الأزمة وأخفاه عن العيون لحمايته وقضى مسيرة ورحلة طويلة عشناها معه لإيجاد منفذ أو مخرج للسيد رامبو داخل مجتمعه.. مجتمع حسن الذى حرمه من كل شىء فاستعاض برامبو عن كل شىء.
ورغم كل محاولاته فشل حسن فى أن يجد لنفسه أو لراميو مخرجًا فى محيطه لكن السيد «رامبو» كان أوفر حظًا من صاحبه ووجد حسن منفذًا لخروج السيد رامبو للخارج تماما لخارج تلك المنظومة، وهذا المجتمع الذى تعرض فيه للتتبع والتنمر وحاول رجل الحدادة اغتيال رامبو واغتيل بسبب تلك المحاولة كلبان آخران فى الشيلدر الذى يحتمى فيه الكلاب من القتلة بعد أن تتبع رجل الحديد والنار حسن واستخدم الحيلة وتدخلت أيضا الخيانة «خيانة زميل حسن فى العمل» له بعد أن وشى به فعرف الشاب القاتل مكان الكلب رامبو وذهب لقتله فأصابه وتسبب فى فقد رامبو لإحدى عينيه لكنه نجا من الموت.
وبعد تعرضه لذلك العنف المفرط قبلت إحدى الأسر التى تعيش فى الخارج تبنى السيد رامبو من أجل حياة أفضل وأكثر أمنًا وفى مشهد عبثى ومؤثر تحدث حسن للمرة الأخيرة مع صديقه الوفى الوحيد «رامبو» مودعًا له.. وكان الحديث فعلا مؤثرا، خصوصا عندما قارن حسن بين حياته وفشله فى إيجاد منفذ او مخرج لنفسه هو فى حين وجد السيد رامبو مخرجًا ومنفذًا وكان الأوفر حظًا كما سبق وأوضحت..
وفى تعزيةً لنفسه سخر حسن من حاله البائس بعد أن طرد الشاب القاتل أمه من البيت لتصير هى وولدها بلا مأوى فى حين حظى كلب البلد «رامبو» بجواز سفر سيقله للخارج ليأكل أفضل أكل ويمرح فى حدائق خضراء غناء ويلهو بالكرات الملونة فى حين صار مصير حسن هو التشرد بعد طرده للشارع وكأنهم قد تبادلوا الأدوار فصار رامبو هو mr Rambo فى حين صار حسن مشردًا طريدًا فى الشوارع كالكلاب الضالة الطريدة المشردة. 
كلب الشارع وجد من يحميه ويحنو عليه فى الداخل من خلال حسن وفى الخارج من خلال الأسرة الثرية الذى تبنته ليعيش معها فى الخارج أما صاحبه الإنسان فلا يجد لنفسه مأوى ولا يجد من يتبناه بعد أن لفظه أبوه ليلفظه المجتمع بعد ذلك ومن ثم أتيحت فرصة لرامبو يحلم بها شباب الشرق ويغامرون فى مراكب الموت ويركبون البحر أحيانا من أجل السفر والهجرة والعمل أو العيش فى الخارج وفى دول المهجر للحصول على جواز سفر أجنبى يبعدهم عن واقع صار قاسيًا جدًا على الجميع وصار العبث هو سيد الموقف وصار حال بطل العمل كحال كلاب الشوارع الضالة بل أسوأ حالًا! وبسبب تلك الحالة التى لا يحسد عليها حسن والتى حتما تثير الشفقة عليه والرثاء له ولحاله تحول حسن الشاب الطيب المسالم الذى يؤثر السلامة ويعاف الأشياء ويعزف عن الحياة فى مجملها ويزهد فيها ويعيش بالتغافل والاستغناء والرضا التام بأقل القليل لشخص موتور قرر الانتقام بعد أن خسر صديقه وأليفه الأوحد فى هذه الدنيا.
وكان ذلك التغيير الدراماتيكى ملمحًا مهمًا فى بناء شخصية بطل الفيلم.. فالظروف التى تقسو على صاحبها حتمًا ستحوله لمجرم قاس ينتقم ولا يعرف اللين قلبه.. نعم لقد غيرت القسوة حسن فصار يشبه من حوله ولم يعد ذلك الإنسان الطيب الراضى القانع.. 
وكنوع من التنفيس عن غضبه وعن اضطراره لمفارقة صديقه قام حسن بحرق سيارة رجل الحديد والنار ليجلس من جديد وحيدًا بجانب أمه من غير رفيقه وأليفه رامبو الذى صار فجأة mr Rambo ورحل ليحيا حياة مختلفة.. حياة حتمًا هى الأفضل بدون منغصات ومحاولات للاغتيال الجسدى والنفسى والتتبع لإلحاق الأذى!.
وهكذا ترك حسن للقسوة والأذى دون أن يجد من يحميه أو يدافع عنه مثلما كان يفعل «رامبو».. عذرا «Mr Rambo» الذى وجد له بطل العمل جنته الموعودة فى حين ترك هو مشردًا لا حيلة له سوى أن يجد فقط منفذًا لخروج السيد رامبو «Mr Rambo»