فى الرد على أكاذيب «نيوزويك» ضد مصر
فرضت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، ضغوطًا غير مسبوقة على معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وقد مثَّل العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة ـ والذى بدأ فى الثامن من أكتوبر الماضى، وبلغ ذروته الآن، بالإصرار على بقاء القوات الإسرائيلية فى محور فيلادلفيا ـ اختبارًا أو تحديًا للمعاهدة، هو الأشد والأخطر الذى واجهته على الإطلاق.. وبينما يصر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، على دفع المعاهدة إلى حافة الهاوية بهذه الطريقة، مُدعيًا أن البقاء فى المحور لا يشكل انتهاكًا لها، فإن مصر تمسكت بالمعاهدة رغم كل ما تحملته بسبب السياسات الإسرائيلية، وظلت ملتزمة بها حتى فى أحلك الظروف، معتقدة أن المعاهدة هى حجر الزاوية للأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.. وأكدت مصر، فى إطار مبادئها الثابتة فى السعى إلى حل النزاعات سلميًا والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والدولية، على احترام المعاهدة، لكنها تُحذر دومًا من تداعيات تصرفات نتنياهو.
خلال كلمته فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الألمانى، فرانك فالتر شتاينماير، بقصر الاتحادية، وصف الرئيس عبدالفتاح السيسى ما يحدث فى قطاع غزة بأنه «انتهاكً صارخً لحقوق الإنسان»، يجرى على مرأى ومسمع من الجميع ولم يستطيعوا فعل شىء.. مشيرًا إلى أن أكثر من أربعين ألف شخص سقطوا جراء هذا الصراع، ثلثاهما من النساء والأطفال، فضلًا عن وجود أكثر من مائة ألف مصاب، علاوة على استخدام الجوع كسلاح داخل القطاع ضد الفلسطينيين، مما أثر بشكل كبير جدًا على مصداقية وفكرة القيم الخاصة بحقوق الإنسان، التى تحدثنا عنها لسنوات طويلة.. ودعى إلى ضرورة أن تبذل أوروبا جهدًا كبيرًا خلال هذه المرحلة، لتشجيع الأطراف المعنية، أو الضغط عليها للوصول إلى اتفاق، يحقق الاستقرار ويخفف من معاناة الفلسطينيين فى القطاع.. منوهًا إلى أن مصر تسعى بجدية لدور إيجابى مع الفلسطينيين، خصوصًا مع حماس، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، لكن من المهم أيضًا أن تلعب أوروبا دورًا حيويًا فى دفع الجهود الإضافية لتحقيق هذا الهدف.
ورغم الدور المصرى الساعى لإحلال السلام فى المنطقة، والحيلولة دون تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء إلى سيناء أو الأردن، فإن نغمة جديدة بدأ الإعلام الأمريكى العزف عليها، حرَّض عليها اللوبى الصهيونى فى واشنطن، فيما يشبه تمهيد الأرض لتحقيق الهدف المخفى من وراء سياسة الإبادة الجماعية التى يتبعها نتنياهو فى غزة والضفة الغربية، وهو تهجير الفلسطينيين.. إذ بدأت مجلة «نيوزويك»، وهى ليست صحيفة عادية، بل أنها من كبريات الصحف الأمريكية، فى نشر مقالات تهاجم مصر فى مواجهة إسرائيل، وما نشرته ليس مقًالا عابرًا، بل يمكن أن نعتبره نمطًا، أو توجهًا إعلاميًا أمريكيًا، سنشهد المزيد منه خلال الفترة القادمة.
كتب جوناثان شانزر، نائب الرئيس الأول للأبحاث فى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، ومريم وهبة، محللة الأبحاث فى نفس المؤسسة، من أصل مصرى للأسف ـ متسائلين منذ البداية: هل تنتهك مصر معاهدة السلام التى أبرمتها مع إسرائيل عام 1979؟.. وقبل البدء، أجابا، بأن هذا يبدو صحيحًا!!.
عاد الاثنان إلى الوراء، بالقول إنه فى عام 1979، حققت مصر إنجازًا تاريخيًا، باعتبارها أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، المعروفة باسم اتفاقية كامب ديفيد.. وعلى مدى عقود من الزمان، كان السلام بين البلدين باردًا.. وظل الخطاب المُعادى لإسرائيل مرتفعًا بشكل مثير للقلق فى مصر، فى حين كانت الروابط بين الشعبين منخفضة للغاية.. ومع ذلك، فقد صمد السلام.. ولكن مؤخرًا، وضعت الحرب فى غزة هذا السلام على المحك.. فقد أثار الكشف عن عشرات الأنفاق التى حفرتها حماس ـ بعضها ضخم للغاية ـ تساؤلات حول مدى التزام مصر بالاتفاق، الذى أسفر عن حصول القاهرة على مليارات الدولارات من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين!!.. ويُعتقد أن الأنفاق، التى تمتد من غزة إلى شبه جزيرة سيناء، كانت بمثابة خطوط إمداد عسكرية لجماعة حماس الإرهابية.. وبالإضافة إلى تيسير استيراد العملة الصعبة لدفع رواتب مقاتلى حماس، لعبت الأنفاق دورًا فى السماح لقادة الجماعة ومقاتليها بالتناوب داخل وخارج الجيب، لتلقى التدريب والتوجيه من رعاتها.. وهنا، يتجاهل الكاتبان، أن نتنياهو هو من عمل على تقوية حركة حماس فى غزة، فى مواجهة السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية، لإضعاف السلطة، بقيادة الرئيس الفلسطينى محمود عباس.. ظنًا منه أنه بذلك، يحول دون وفاق فلسطينى فلسطينى، يمنع المطالبة بقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما أنه من بارك وشارك فى نقل الأموال القطرية، شهريًا إلى حماس، عبر تل أبيب نفسها، وليس عبر القاهرة!.
وقالا الكاتبان، إن معاهدة السلام 1979، حددت سلسلة من الالتزامات التى تقع على عاتق البلدين، لتجنب الصراع وضمان الأمن المتبادل.. وكان المقصود من المعاهدة «أن تشكل أساسًا للسلام، ليس فقط بين مصر وإسرائيل، بل وأيضًا بين إسرائيل وكل من جيرانها العرب الآخرين، الذين هم على استعداد للتفاوض على السلام معها على هذا الأساس».. إذ تُلزم المادة الثالثة، الفقرة الثانية من ديباجة اتفاق السلام، الطرفين صراحة «بالتأكد من أن أعمال الحرب أو العداء أو العنف لا تنشأ من أراضيهما، ولا تُرتكب انطلاقًا منها».. كما تُلزم هذه الفقرة الطرفين بمحاسبة أى مرتكب لمثل هذه الأعمال.. إلا أن العمليات الإسرائيلية الأخيرة على طول ممر فيلادلفيا، الشريط الضيق من الأرض المتاخمة لمصر وغزة، كشفت عن العديد من الأنفاق ونقاط الدخول التى تستخدمها حماس، بعضها على مرأى من أبراج الحراسة المصرية!!.. ورغم أنه قد يزعم البعض أن مصر تفتقر إلى القدرة على معالجة هذه المشكلة، فمن المعقول أيضًا أن تفتقر إلى الإرادة.. على أى حال، إنها مشكلة خطيرة.
وهنا نرد بالقول، إنه غاب عن الكاتبين، أن كل دول العالم تعرف جيدًا حجم الجهود التى قامت بها مصر فى آخر عشر سنوات، لتحقيق الأمن والاستقرار فى سيناء، وتعزيز الأمن على الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة، حيث كانت مصر نفسها قد عانت كثيرًا من هذه الأنفاق، خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية فى سيناء، عقب الإطاحة بنظام الإخوان فى يونيو 2013 وحتى 2020.. فهى كانت تمثل وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء، لتنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شهيد من الجيش والشرطة والمدنيين وأكثر من ثلاثة عشر ألف مصاب.. هذا الوضع، دفع الإدارة المصرية لاتخاذ خطوات أوسع للقضاء على هذه الأنفاق بشكل نهائى، فتم عمل منطقة عازلة بطول خمسة كيلو مترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، وتم تدمير أكثر من ألف وخمسمائة نفق، كما قامت مصر بتقوية الجدار الحدودى مع القطاع الممتد لأربعة عشر كيلو مترًا، عبر تعزيزه بجدار خرسانى طوله ستة أمتار فوق الأرض ومثلهم تحت الأرض، فأصبح هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أى عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض.. فمصر لديها السيادة الكاملة على أرضها، وتُحكم السيطرة بشكل تام على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزة أو مع إسرائيل.. لذلك، فإنه من اللافت والمستغرب، أن تتحدث إسرائيل، وأبواقها فى الولايات المتحدة، بهذه الطريقة غير الموثَّقة، عن ادعاءات تهريب الأسلحة من مصر لغزة، وهى الدولة ـ أى إسرائيل ـ المسيطرة عسكريًا على القطاع، وتملك أحدث وأدق وسائل الاستطلاع والرصد، وقواتها ومستوطناتها وقواتها البحرية تحاصر القطاع، صغير المساحة، من ثلاثة جوانب، وتكتفى بالاتهامات المُرسلة لمصر دون أى دليل عليها.
وبكل الوقاحة، يستطرد الكاتبان بالقول، إن مشكلة الأنفاق ليست جديدة.. فقد كانت أنفاق حماس تخترق الحدود بين مصر وغزة، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.. وفى 2006، قال يوفال ديسكين، مدير جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى آنذاك، إن «المصريين يعرفون من هم المهربون ولا يتعاملون معهم.. لقد تلقوا معلومات استخباراتية عن هذا منا ولم يستخدموها».. وفى 2007، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن مسئولين إسرائيليين أرسلوا أشرطة فيديو إلى مسئولين أمريكيين، تُظهر حرس الحدود المصريين وهم يساعدون فى التهريب!!.. وبعد أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى السلطة فى مصر عام 2014، دمر المصريون العديد من الأنفاق، نتيجة لسياسة نابعة من اعتقاد النظام الجديد، بأن حماس مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجماعة الإخوان المسلمين، التى اعتبرتها القاهرة تهديدًا وجوديًا.. ولكن بحلول 2018، بدأت الأنفاق تعمل مرة أخرى!!.
وهنا نسأل الكاتبين عن دليلهما بشأن الجملة الأخيرة «بحلول 2018، بدأت الأنفاق تعمل مرة أخرى».. إذ كيف تعمل هذه الأنفاق، وقد تم إزاحة البيوت والمزارع بعيدًا عن الحدود مع غزة، لمسافة خمسة كيلو مترات، منعًا لوجود أى فتحة لهذه الأنفاق ناحية سيناء.. كما أن ما تم العثور عليه من أنفاق عند محور فيلادلفيا، كانت مسدودة عند نهايتها فى الأراضى المصرية.. إن ما يروجه الكاتبان، هو نفس ما يحاول نتنياهو والتقارير الإسرائيلية تصديره من الأكاذيب، للتعتيم على فشلهم عسكريًا وللخروج من أزمتهم السياسية.. وهنا، نعود إلى ما قاله يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلى، ردًا على تمسك نتنياهو بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، وقوله، «لا يهمنى موقف المؤسسة الأمنية والعسكرية، إذا انسحبنا فلن نتمكن من إعادة احتلاله»، عندها قال جالانت، «نحن مستعدون لصفقة إطلاق سراح الرهائن منذ شهر ونصف، ولا يوجد أى عائق أمنى يمنعنا من الخروج من محور فيلادلفيا»!.
ويتساءل الكاتبان، لماذا لم يدق الإسرائيليون ناقوس الخطر؟.. إن الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى أن تشرح موقفها. ومصر أيضًا بحاجة إلى أن تشرح موقفها، فهى التى سمحت لحماس بتشغيل الأنفاق فى انتهاك لالتزاماتها بموجب المعاهدة!.. وبمزيد من الوقاحة، يسأل الكاتبان، فيما يشبه التقرير: هل كان الدافع وراء هذه العملية هو المال، فى ظل التدهور الاقتصادى الحاد والمستمر فى السنوات الأخيرة؟، هل تلقت القاهرة أموالًا من حماس، أو من راعيتها الغنية قطر؟، هل لعب الإيرانيون دورًا؟، أم أن نظام السيسى شارك فى هذه العملية بسبب الكراهية الإيديولوجية لإسرائيل؟.. هذه أسئلة مهمة ينبغى الإجابة عليها.. ولكن مسئولية القاهرة أصبحت الآن واضحة تمامًا.. ولابد أن يكون لهذا تأثير أوسع نطاقًا يتجاوز علاقتها الثنائية مع إسرائيل.. ويبدو أن مصر عملت بشكل مباشر على تقويض المصالح الدبلوماسية والاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط.
وعلى هذين المأجورين، نقول، إن الأنفاق لا تعمل، وما تملكه مصر من ثروات طبيعية فى سيناء، يجعلها فى غير حاجة لأموال الغير، سواء من حماس التى تحتاج الدعم أصلًا، ولا يمكنها أن تعطى أحدًا ما لا تملكه، ولا من قطر أو غيرها، مؤكدين استقلالية القرار المصرى، فيما يتعلق بعلاقاتها الدولية.. ناهيك عن الكرامة المصرية التى تأبى أن تكون ذيلًا لأحد، أو تخضع لأحد، مهما كان نفوذه، فنفوذها أقوى وأضخم.. وإذا كان لأحد أن يتحمل المسئولية، فهو إسرائيل التى جاءت بقواتها لاحتلال محور، مكفول بالحماية المصرية، بموجب اتفاقية دولية، مُدرجة لدى الأمم المتحدة.. ثم إن الرئيس السيسى، الذى يحترم العهود والمواثيق، لا يمكنه أن يخلط أمور السياسة بالعواطف، حتى يكره إسرائيل أيديولوجيًا، وهى تستحق هذا الكره، بسبب أفعالها الإجرامية، لكن الفصل بين العواطف ولزوم السياسة، شىء ضرورى.
أما ضرب الإسفين، بقول الكاتبان إن مصر تعمل على تقويض المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، فذلك مردود عليه، بأنه خلال المائة عام الماضية، ارتبطت مصر والولايات المتحدة بعلاقات وثيقة وثابتة، لم تتأثر بتغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تقوم على الشراكة القوية من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، فللولايات المتحدة دورها الريادى فى جميع القضايا العالمية والإقليمية، ولمصر دورها المحورى فى الشرق الأوسط وإفريقيا والعالم الإسلامى.. وبوصفها دولة مستقرة فى منطقة محاصرة بالتوترات والصراعات، فإن لدى الولايات المتحدة قائمة طويلة من المصالح مع مصر.. وترى الولايات المتحدة أن مصر تتبع سياسة خارجية نشطة جعلت منها عنصرًا فاعلًا على الأصعدة العربية والمتوسطية والإفريقية لا يُمكن تجاهله، بداية من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ودور مصر فى التوسط فى وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، بالإضافة إلى الوصول إلى حل سياسى للوضع فى ليبيا، وكذلك فى السودان ولبنان.
ويعود الكاتبان إلى القول، بأنه الآن يدور نقاش محتدم فى إسرائيل حول ممر فيلادلفيا.. يقول البعض إن إسرائيل لا بد أن تتخلى عن السيطرة عليه، لضمان إطلاق سراح الرهائن، فى إطار السعى إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.. ويقول آخرون إن إسرائيل لا تستطيع أبدًا أن تترك المحور، لعرقلة عمليات التهريب التى تقوم بها حماس بشكل دائم.. وهذا تصور خاطئ، بل إن إسرائيل لا بد أن تعمل مع واشنطن لضمان قيام مصر بتثبيت نظام أمنى تحت الأرض، من تصميم إسرائيلى، من شأنه أن يمنع حماس من استغلال الحدود فى المستقبل.. وهذا التوجيه لا يمكن لأحد أن يُصدره إلا واشنطن.. ولأسباب غير واضحة، فشلت إدارة بايدن فى انتقاد مصر، ناهيك عن المطالبة بالإجابات.. وعلى هذين نرد، بأنه لا قول بعد قول العسكريين الإسرائيليين، بأنه لا حاجة لنتنياهو فى الاحتفاظ بالمحور، على طريقة و«شهد شاهد من أهلها».. لقد غاب عن هذين الكاتبين، إن البقاء فى محور فيلادلفيا، تكأة يتكئ عليها نتنياهو لإفشال مقاضات وقف إطلاق النار مع حماس وإطلاق سراح الرهائن، لأن هناك من يتوعده، بأنه إن فعل ذلك، خسر موقعه، كرئيس وزراء لدولة الاحتلال.
ويأتى الكاتبان إلى بيت القصيد من كل ما رأداه منذ بداية مقالهما.. أن ينظر الكونجرس الأمريكى، فى قطع المعونات العسكرية عن مصر، رغم أنها مكفولة للقاهرة، بمقتضى اتفاقية كامب ديفيد، وجزءًا أصيلًا منها.. يقول الكاتيان، «لا أحد يريد أن ينهار هذا السلام المهم، ولكن هذا لا يعنى أننا ينبغى لنا أن نتجاهل المشكلة، ويتعين على الكونجرس الأمريكى أن يدرس فرض شروط على المساعدات، حتى تفى مصر بالتزاماتها».. ونتساءل نحن، هل قصرت مصر فى أى التزام التزمت به، بشأن الحدود أو غيرها؟.. الآية معكوسة فى نظر هذين الكاتبين، فإن من ينكص على عهده إنما هو نتنياهو ودولة الاحتلال، فى وقت تتمسك فيه مصر بشرف الاتفاقات والمعاهدات.. وليست المعونات هى ما يدفع القاهرة للالتفاف حول مبادئها، أو التخلى عن قيمة إنسانية، أو حق تؤمن به.
واختتم الكاتبان مقالهما بالقول، «فى الوقت نفسه، يتعين على القاهرة أن تبدأ فى الاعتراف بالمشاكل الأمنية التى تفاقمت على مر السنين، مما ساهم فى هجمات السابع من أكتوبر، والحرب الإقليمية التى أعقبتها».. ولهما نقول، إن عملية «طوفان الأقصى»، كانت خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يُحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وكذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.. معركة الشعب الفلسطينى مع الاحتلال والاستعمار لم تبدأ فى السابع من أكتوبر 2023، وإنما بدأت قبل ذلك، منذ مائة وخمسة أعوام من الاحتلال، منها ثلاثين عامًا تحت الاستعمار البريطانى وخمسة وسبعين عاما من الاحتلال الصهيوني.. وقد تحول قطاع غزة إلى سجن كبير، منذ ما يزيد على ثمانية عشر عامًا.. العالم كله يعرف ذلك، ولكنه يلتزم الصمت، وكان لابد لأحد أن يُسمعه، ما صك أذنه دون الاستماع إليه.
إلا أنه، وفى تطور مفاجئ، مثَّل صدمة مفاجئة لمجلة «نيوزويك»، بعد نشر مقالها التحريضى ضد مصر، ولغيرها من وسائل الإعلام الأمريكى، الذى يهيمن عليها اللوبى الصهيونى فى واشنطن، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الأربعاء الماضى، أن إدارة بايدن لن تحجب أيًا من المساعدات العسكرية السنوية التى تقدمها الولايات المتحدة لمصر، فى تراجع كبير بعد حجب أكثر من ثلاثمائة مليون دولار، على مدى السنوات الثلاث الماضية.. وأبلغت الوزارة الكونجرس بنيتها تقديم كل الـ1.3 مليار دولار المُخصصة عادة لمصر كل عام، فى الوقت الذى تعتمد فيه إدارة بايدن بشدة على مصر، فى جهودها لإنهاء حرب إسرائيل فى قطاع غزة، وهى أولوية قصوى للرئيس جو بايدن فى أشهره الأخيرة فى منصبه، بعد أن لعبت الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، دورًا رئيسيًا فى محاولات التوسط فى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية فى بيانها، «إن هذا القرار مهم لتعزيز السلام الإقليمى، والمساهمات المصرية المتجددة والمستمرة فى أولويات الأمن القومى الأمريكى، وخصوصًا لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين المحتاجين، والمساعدة فى إيجاد نهاية دائمة للصراع بين إسرائيل وحماس.. وكان قرار منح مصر حزمة المساعدات الكاملة، يتطلب من وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، أن يشهد أمام الكونجرس بأن مصر «تحقق تقدمًا واضحًا ومتسقًا فى إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين، ومنع مضايقة وترهيب المواطنين الأمريكيين»، وفقًا للبيان.. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، «لقد أكدنا للشركاء فى مصر، أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل، ومن المتوقع أن نبنى على هذا المسار لتعزيز علاقتنا بشكل أكبر»، فى إشارة إلى دعم مصر للجهود الرامية إلى إنهاء القتال فى السودان، أحد جيرانها الذين يعانون من العنف.. فهل نحتاج بعد بيان الخارجية الأمريكية إلى بيان ما هو واضح بالضرورة؟.. لا أعتقد ذلك.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.