رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اختلفا على كل شىء.. واتفقا على دعم إسرائيل!

شهدت المناظرة الرئاسية فى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، سجالًا واضحًا بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، حول العديد من الملفات السياسية والأمنية، داخل وخارج الولايات المتحدة، ودار النقاش محتدمًا حول الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، وكذلك الحرب الروسية ـ الأوكرانية.. لم تكن المناظرة التي جرت أمس الأول، بين المرشحين المتنافسين على منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الأولى لنائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس، بل إنها شاركت في المناظرات الانتخابية منذ عام 2003، عندما فازت بالسباق، لتتولى منصب المدعي العام لمنطقة سان فرانسيسكو.. كما شاركت في المناظرات خلال حملاتها الانتخابية الناجحة لانتخابها نائبة عامة، وعضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا.. وناظرت جو بايدن في 2019، عندما كانت تنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وواجهت مايك بنس، في مناظرة نائب الرئيس لعام 2020، وأظهرت قدرة على السيطرة على المسرح.
إذًا، اكتسبت هاريس الكثير من الخبرة في المناظرات في مجلس الشيوخ الأمريكي، وقبل ذلك كمدعية عامة في محاكم كاليفورنيا، حيث تتمثل المهارة الأساسية في تسليط الضوء على نقاط ضعف الخصم، وقد أفادها ذلك عند تفنيد النقاط التي طرحها دونالد ترامب أثناء المناظرة، وهو الذي سبق أن شارك في سلسلتين من المناظرات الرئاسية، عامي 2016 و2020، وأثبت أنه خصم يقاتل بشراسة وغير تقليدي.. وأثناء مناظرات 2016 ضد هيلاري كلينتون، كان يسير على خشبة المسرح ويقف خلفها مباشرة أثناء حديثها، الأمر الذي قالت عنه، إنه (جعل جسدها يرتعد).. وعلى الأرجح، كانت هذه التكتيكات هي السبب وراء تعطيل خصوم الرئيس الأمريكي السابق، وتسليط الضوء عليه طوال الوقت أثناء المناظرات.. ومع ذلك، غالبًا ما كان ترامب ينحرف عن الموضوع أثناء المناقشات، ويؤكد الكثير من الأمور التي تبيَّن أنها غير صحيحة من قبل مدققي الحقائق.
سيطرت أجواء الحرب في العالم ومنطقة الشرق الأوسط على جزء مهم من المناظرة، إذ سأل المحاوران هاريس عن الكيفية التي قد تتعامل بها مع حرب إسرائيل في غزة، وكيف قد تتمكن من الخروج من حالة جمود المفاوضات بين حماس ونتنياهو؟، فكررت بعض تصريحاتها السابقة بشأن هذه القضية، قائلة، إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن من المهم أن تعرف كيف؟.. (يجب أن تنتهي هذه الحرب. يجب أن تنتهي على الفور.. إن عددًا كبيرًا من الفلسطينيين فقدوا حياتهم)، داعية إلى هدنة توقف الحرب وتضمن حرية الرهائن الإسرائيليين في غزة، وشددت على حل الدولتين وإعادة إعمار القطاع وحق الفلسطينيين في الحصول على دولة مستقبلية.. وهنا، ردّ ترامب بالقول إن هاريس (تكره إسرائيل)، وإذا تم انتخابها، فإن إسرائيل ستتم إزالتها من الوجود في غضون عامين، (ما يحصل في الشرق الأوسط ما كان ليحصل خلال رئاستي، وسأحل هذا الموضوع وسأنهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا).
وفي العموم، هناك أربع ملاحظات على هذه المناظرة، رأتها أيضًا صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية.
أولًا، نجحت هاريس في جعل الأمر كله يتعلق بترامب، الذي عانى الأمرين.. وإذا كان الديمقراطيون قد شعروا بالقلق من أي شيء يرقى إلى تكرار أداء جو بايدن الكارثي في مناظرة أواخر يونيو الماضي، الذي أدى إلى انسحابه، فقد تبدد هذا القلق سريعًا.. إذ عادت هاريس إلى الشكل الذي جعلها تفوز بالسباق في المناظرات التمهيدية للحزب الديمقراطي بداية 2020، وحرصت على أن تكون المناظرة في الغالب حول ترامب وصفاته الأقل جاذبية.. وتطرقت هاريس تقريبًا، إلى كل ما لم يتمكن بايدن من الوصول إليه خلال المناظرة الأولى: محاكمات ترامب الجنائية، وأحداث الكابيتول في يناير 2021، وانتقاده للسيناتور الراحل، جون ماكين، وما قيل عن استخفافه بالجنود، والعنف العنصري في شارلوتسفيل الذي قلل الرئيس السابق من أهميته.. كما شملت هجمات هاريس، اقتراح ترامب إلغاء أجزاء من الدستور، وانتقادات مساعدي الرئيس السابق إبان فترة رئاسته، له، وربما الأبرز من ذلك كله، حقوق الإجهاض.. كما استفزت هاريس، ترامب أيضًا بالحديث عن تخبّطه المربك في التجمعات، وحجم الحشود التي تحضر فعالياته، بالإضافة إلى الاستشهاد بمراجعة سلبية لسياساته الاقتصادية من جامعته الأم، كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا.
فيما كان ترامب في كثير من الأحيان يركز على الدفاع عن سجله بدلًا من مهاجمة بايدن وهاريس، وقاطع المناظرة مرارًا وتكرارًا ليطلب المزيد من الوقت للحديث عن نقاط ضعفه.. ولم يتمكن ترامب من قضاء الكثير من الوقت في ربط هاريس ببايدن، حتى وقت متأخر من المناظرة.. وباستثناء لحظة وجيزة قرب النهاية، لم يهاجمها حقًا بشأن مواقف ليبرالية محددة اتخذتها قبل سنوات.. كما لم يتطرق إلى تفاصيل قليلة نسبيًا حول سياساته الخاصة، باستثناء الإشارة مرارًا وتكرارًا إلى خطتها الخاصة بالتعريفات الجمركية، التي يشير البعض إلى أنها قد تزيد التكاليف على المستهلكين.. بينما كانت النقطة الوحيدة التي تطرق إليها ترامب، مرارًا وتكرارًا، هي جريمة المهاجرين والهجرة غير الشرعية القياسية خلال إدارة بايدن، وهي مشكلة حقيقية بالنسبة للديمقراطيين، حتى مع انخفاض عمليات عبور الحدود غير الشرعية، بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.
ثانيًا، سقط ترامب في فخ الأكاذيب، إذ كان أداؤه في المناظرة، منذ البداية، عبارة عن سيل من المعلومات غير الصحيحة.. فقد ادعى أن الديمقراطيين يدعمون إعدام الأطفال بعد الولادة، وأن الإدارة الحالية حققت أعلى تضخم في تاريخ البلاد، وأن الجريمة انخفضت عالميًا باستثناء الولايات المتحدة، وأن المهاجرين غير الشرعيين يستولون على المباني في الولايات، وفق الواشنطن بوست.. ولكن ربما لم يكن اعتماد ترامب على معلومات زائفة في أي قضية واضحًا، كما كان واضحًا عندما أشار إلى (الشائعات السخيفة والمجردة من الإنسانية) بأن المهاجرين الهايتيين يسرقون ويأكلون الحيوانات الأليفة في سبرينجفيلد بولاية أوهايو، وهي مزاعم انتشرت بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من اليمين، وفق الصحيفة ذاتها.. وزعم ترامب، (في سبرينجفيلد، يأكلون الكلاب.. الناس الذين أتوا، يأكلون القطط.. إنهم يأكلون الحيوانات الأليفة للأشخاص الذين يعيشون هناك).. وقبل ساعات من المناظرة، كان مرشح ترامب لنائب الرئيس، جيه دي فانس، قد أقرّ، بعد أن شارك الشائعة على (الإعلام الافتراضي)، بأنها قد تكون كاذبة، فيما قال المسئولون عن المدينة، إنها (لا أساس لها من الصحة).. ومع ذلك، لم يتراجع ترامب عن كلامه، مدعيًا أنه رأى أشخاصًا على التلفاز يؤكدون القصة، مما وضعه في قلب هجوم هاريس واتهاماتها له بـ(التطرف).
ثالثًا، نجحت هاريس في اللعب على وتر مهم، لم ينجح الرئيس بايدن في استغلاله خلال المناظرة الأولى، وهو الملف المتعلق بالإجهاض.. إذ تحدثت هاريس، مرارًا وتكرارًا، بعبارات عاطفية عن هذه القضية، مشيرة إلى أن إلغاء حكم (رو ضد وايد)، الذي كان نافذًا لخمسين عامًا، الذي كان يضمن حق الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، أدى إلى قيام العديد من الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون بحظر الإجهاض، وأحيانًا دون استثناءات في حالات الاغتصاب وسفاح القُربى.. وقالت هاريس، (لا يحق للناجيات من جريمة، أو انتهاك لأجسادهن، اتخاذ قرار بشأن ما يحدث لأجسادهن)، مستشهدةً بكيفية تأثير ذلك على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين اثنى عشر وثلاثة عشر عامًا، قبل أن تقول، (هذا غير أخلاقي).. وفي نقطة أخرى أضافت، (إنها إهانة لنساء أمريكا.. النساء العاملات اللاتي يعملن في وظيفة واحدة أو وظيفتين، واللاتي بالكاد يستطعن تحمل نفقات رعاية الطفل كما هي، يضطررن للسفر إلى ولاية أخرى وركوب الطائرة، والجلوس بجانب الغرباء للذهاب والحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجونها ـ في حالة الإجهاض ـ وبالكاد يستطعن تحمل نفقاتها).. وكان رد ترامب، هو التبرؤ بشكل أساسي من النتائج في تلك الولايات الحمراء التي حظرت الإجهاض، والاستشهاد بعدم وضع الديمقراطيين حدًا للإجهاض في الثلث الثالث من الحمل، وكذلك ترويج الأكاذيب بشأن الإعدام القانوني بعد الولادة.
رابعًا، كان من الواضح منذ اللحظات الأولى للمناظرة، أن ترامب كان يركز بشكل شبه منفرد على المهاجرين غير الشرعيين والجرائم، وأعاد الحديث مرارًا وتكرارًا حولها.. قال ترامب في هذه النقطة، (لقد سمحوا بالإرهابيين.. سمحوا بمجرمي الشوارع العاديين.. سمحوا للناس بالقدوم، ولتجار المخدرات بالقدوم إلى بلادنا).. وأضاف ترامب في نقطة أخرى، (الهجرة السيئة هي أسوأ شيء يمكن أن يحدث لاقتصادنا.. لقد دمروا بلدنا بسياستهم.. هذا جنون).. لكن ادعاءات ترامب كانت في كثير من الأحيان تنطوي على أكاذيب، على حد قول واشنطن بوست.. وفي الوقت نفسه، سعت هاريس إلى عزل نفسها عن الاتهامات، من خلال التمسك باتفاق الهجرة الذي أبرمه الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، في مجلس الشيوخ والذي ساعد ترامب في قتله، واتهمت الرئيس السابق، بتفضيل (الترشح على المشكلة بدلًا من حل المشكلة).. وكانت تفاصيل مشروع القانون هذا ـ الذي أكد، حتى العديد من الجمهوريين، بأنه اتفاق جيد ومحافظ تمامًا ـ قد حظيت بتغطية إعلامية شاملة، الأمر الذي ساعد هاريس خلال المناظرة.
■■ وبعد..
فقد خاضت نائبة الرئيس كامالا هاريس، في فيلادلفيا ليلة الثلاثاء الماضي، مناظرة قوية، أبقت خلالها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في موقف دفاعي، وجعلت النقاشات كلها تدور حوله.. الأكثر من ذلك، كانت هاريس تقدم نفسها للعديد من الناخبين العاديين الذين لا يعرفون عنها سوى القليل نسبيًا، حيث كانت تتطلع إلى الاستفادة من ارتفاع شعبيتها واستطلاعات الرأي، منذ صعودها لبطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي، خلفًا للرئيس جو بايدن.. وفي الوقت نفسه، كان ترامب يهدف إلى الحفاظ على انضباطه وتعريف هاريس للناخبين أكثر مما يمكنها تعريف نفسها، من خلال ربطها ببايدن، والمواقف الأكثر ليبرالية التي اتخذتها خلال حملتها الرئاسية الديمقراطية لعام 2020.
اختتمت هاريس المناظرة بالقول، إنها وترامب لديهما رؤيتان (مختلفتان للغاية) لأمريكا.. كررت عبارة سبق أن استخدمتها من قبل، فهي تركز على المستقبل بينما يركز ترامب على الماضي.. تقول: (لن نعود إلى الوراء.. يمكننا رسم طريق جديد للمضي قدمًا).. بينما حذر ترامب من (انحدار الأمة) في بيانه الختامي.. وقال إن سياسات هاريس لا تعني شيئًا، لأنها كانت في السلطة بجانب بايدن بالفعل لمدة أربع سنوات تقريبًا، ولم تحقق أيًا منها.. وكان مسك ختام المناظرة، أن قال ترامب، إن الحرب النووية محتملة، إذا فازت هاريس برئاسة الولايات المتحدة!.. وهنا يمكننا التسليم بصدق ترامب، إذ إن الحزب الديمقراطي، بتشكيلته الحالية، ساعٍ إلى تفجير الحروب واستمرارها، خصوصًا في أوكرانيا والشرق الأوسط.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.