بين زيارتى راو وشتاينماير
التوترات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، حاليًا، بسبب العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، لا تختلف كثيرًا عن تلك التى شهدتها المنطقة، سنة ٢٠٠٠، إثر تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضى اللبنانية. وفى المرتين، قيل إن عملية السلام فى الشرق الأوسط دخلت مرحلة حاسمة، تستوجب امتناع كل الأطراف المعنية عن اتخاذ أى إجراءات تحول دون استئناف مفاوضات السلام العادل والشامل، وفقًا للمبادئ والأسس التى انطلقت منها فى مؤتمر مدريد.
فى ذلك الأمس البعيد، أى منذ ربع قرن تقريبًا، زار مصر الرئيس الألمانى يوهانس راو، فى ختام جولة بالمنطقة، رافقه فيها عدد من المسئولين ورجال الأعمال ورؤساء شركات كبرى. وخلال تلك الزيارة، التى استمرت خمسة أيام، ناقش مع الرئيس حسنى مبارك سبل تعزيز العلاقات الثنائية والشراكة المصرية الأوروبية، وعددًا من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، من بينها تطورات أوضاع منطقة الشرق الأوسط، فى ضوء تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وقتها. وبعد أن عرض الرئيس الألمانى نتائج زيارته لإسرائيل والأراضى الفلسطينية، استعرض الرئيس المصرى الاتصالات، التى تجريها مصر مع مختلف الأطراف، لدفع مسارات التفاوض الفلسطينية والسورية واللبنانية مع إسرائيل.
تولى يوهانس راو رئاسة ألمانيا الاتحادية، منذ أول يوليو ١٩٩٩، إلى ٣٠ يونيو ٢٠٠٤، وزار القاهرة فى ٢١ فبراير ٢٠٠٠، وبعد خمسة رؤساء متعاقبين: هورست كولر، ينز بورنزين، كريستيان فولف، هورست زيهوفر، يواكيم جاوك، وبعد مرور ٢٤ سنة وعدة أشهر، زار القاهرة الرئيس الحالى فرانك فالتر شتاينماير، أمس الأربعاء، رفقة وفد موسع من رؤساء كبرى الشركات الألمانية، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى قصر الاتحادية، مرحبًا بزيارته الأولى لمصر كرئيس لألمانيا، مؤكدًا تقدير الشعب المصرى الصداقة الوثيقة مع الشعب الألمانى، وما حققته ألمانيا من تقدم صناعى وتكنولوجى، تتطلع مصر إلى تعظيم الاستفادة منه، من خلال المشروعات المشتركة بين الجانبين. كما أشاد الرئيس، أيضًا، بالدور المهم الذى تضطلع به الشركات الألمانية فى نقل التكنولوجيا وبناء قدرات الكوادر المصرية.
عقد الرئيسان جلسة مباحثات مغلقة، أعقبتها جلسة موسعة بحضور وفدى البلدين. وخلال الجلستين، أعرب الرئيس الألمانى عن اعتزاز بلاده بمصر، قيادة وشعبًا، مؤكدًا حرص بلاده على مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين فى مختلف المجالات، بما فيها العمل التنموى والاستثمارى، وفى قطاعات الطاقة والهجرة ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى الدفع بالتعاون العلمى والثقافى الممتد بين البلدين. وفى هذا السياق، أعرب الرئيس شتاينماير عن سعادته بافتتاح الجامعة الألمانية الدولية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وأشار إلى أنه حرص على اصطحاب وفد من رؤساء كبرى الشركات الألمانية، وعلى تفقد عدد من مواقع عمل وإنتاج الشركات الألمانية، التى تعمل جنبًا إلى جنب مع شركات وعمال مصريين يتسمون بالمهارة والكفاءة.
لدى مصر نحو ١٤٥٠ شركة ألمانية، تعمل فى مجالات الصناعة، السياحة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفى ختام فعاليات الدورة السادسة للجنة الاقتصادية المصرية الألمانية المشتركة التى استضافتها برلين، أواخر أكتوبر الماضى، جرى الإعلان عن بدء عملية التفاوض بشأن إنشاء منطقة صناعية ألمانية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. كما أعلن المستشار الألمانى، بعد شهر، عن سلسلة قرارات تهدف إلى مساعدة الشركات الألمانية على الانخراط فى السوق الإفريقية، خلال قمة «مجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا»، التى أقيمت فى برلين، بمشاركة قادة وممثلى ١٢ دولة إفريقية، وعدد من قيادات الاتحاد الإفريقى، الذى صار فى سبتمبر الماضى عضوًا دائمًا فى مجموعة العشرين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيسين، المصرى والألمانى، ناقشا أمس، مختلف الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ولدى تناولهما تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أكد الرئيس السيسى، مجددًا، ضرورة الوقف الفورى لهذه الحرب الدامية، التى تسببت فى كارثة إنسانية، مشدّدًا، كذلك، على أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وتنفيذ حل الدولتين، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، بوصفه مسار تحقيق السلام والأمن المستدامين بمنطقة الشرق الأوسط.