رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحوال التغذية حول العالم: آثار الاضطرابات الجيوسياسية وكورونا (تحليل)

كورونا
كورونا

أكدت سالي عاشور، باحثة بوحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن العالم شهد اضطرابات عميقة في أعقاب جائحة كورونا، والتي تركت آثارًا بالغة على مختلف القطاعات، ورغم مرور الوقت على الجائحة، لا تزال بعض الفئات تعاني من تداعياتها، خاصة فيما يتعلق بالوصول إلى الأغذية الصحية.

وأشارت عاشور في دراستها التحليلية إلى أنه في الاقتصادات منخفضة الدخل، لا يزال الكثيرون يعانون من صعوبة في تأمين نظام غذائي متوازن ومغذي، مما يبرز تفاوتًا كبيرًا في مسارات التعافي بين مختلف شرائح المجتمع.

وتساءلت هل تعلم أن ملايين الأشخاص حول العالم لا يستطيعون تحمل تكلفة وجبة صحية يومية؟ فبعد أن عصفت بنا جائحة كورونا، كشفت لنا عن جانب مظلم من الواقع، ألا وهو تفاوت شديد في القدرة على الوصول إلى الغذاء الصحي فبينما يحظى البعض بوفرة من الخيارات الغذائية، يعاني آخرون من نقص حاد في التغذية السليمة، خاصة في الدول النامية.

تشير أحدث البيانات إلى أن نسبة كبيرة من سكان العالم لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي صحي وخاصة في الاقتصادات منخفضة الدخل. 

ورغم أن هذه النسبة قد انخفضت قليلًا منذ ذروة الجائحة، إلا أن التعافي كان بطيئًا للغاية، مما يهدد بآثار صحية واجتماعية خطيرة على المدى الطويل. وإن عدم القدرة على الحصول على غذاء صحي ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل هو تهديد مباشر للصحة العامة. فسوء التغذية يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، ويضعف الجهاز المناعي، ويحد من النمو البدني والعقلي، خاصة لدى الأطفال، علاوة على ذلك، فإن عدم المساواة في الوصول إلى الغذاء يفاقم من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ويعيق التنمية المستدامة.

كما تشير سالي عاشور في السطور التالية إلى قراءة تحليلية لأحدث تقارير البنك الدولي بعنوان «حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2024» والذي يقدم وصفا لما آلت إليه أحوال التغذية حول العالم خلال الفترة (2022 /2017).

أولا: حال التغذية حول العالم:

كشفت أحدث البيانات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة والبنك الدولي، أن 35% من سكان العالم ما زالوا عاجزين عن تحمل تكاليف نظام غذائي صحي في عام 2022، على الرغم من تحسن طفيف مقارنة بعام 2020. ورغم هذا التراجع، فإن الاقتصادات منخفضة الدخل شهدت زيادة في عدد الأفراد الذين يعانون من عدم القدرة على تحمل تكاليف الغذاء الصحي، حيث زاد عددهم بمقدار 16 مليون شخص مقارنة بعام 2020. 

ووفقا للتقرير، باغ متوسط تكلفة النظام الغذائي الصحي عالميا 396 دولارا للفرد يوميا في عام 2022 ولا تزال نسبة الأشخاص غير القادرين على تحمل تكاليف الأنظمة الغذائية الصحية مرتفعة في الاقتصادات منخفضة الدخل.

ثانيا: ارتفاع تكلفة اتباع نظام غذائي صحي:

تعرف تكلفة النظام الغذائي الصحي بأنها المبلغ الذي يجب على الفرد إنفاقه لشراء الأطعمة التي تغطي احتياجاته الغذائية اليومية وفقا للإرشادات الصحية، وقد زادت هذه التكلفة بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب العديد من العوامل، بما في ذلك ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وتأثير الأحداث العالمية مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وقد ارتفعت تكلفة اتباع نظام غذائي صحي من 3.13 دولار خلال عام 2017 لتصل لنحو 396 دولارا عام 2022، مرتفعة بنحو يقارب 30%.

ثالثا: التفاوتات بين المناطق الجغرافية المختلفة:

تكشف البيانات عن تفاوتات ملحوظة في تكلفة اتباع نظام غذائي صحي بين مختلف المناطق الاقتصادية. ففي عام 2022، كانت الاقتصادات المتوسطة الدخل هي الأكثر تضررا من ارتفاع تكاليف الغذاء الصحي، حيث بلغ متوسط إنفاق الفرد يوميا 4.20 دولارا. 

وعلى النقيض، استطاعت الاقتصادات مرتفعة الدخل، رغم ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، تحقيق متوسط تكلفة أقل نسبيا بلغ 3.78 دولارًا، وتشير هذه البيانات إلى أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورا حاسما في تحديد القدرة على الوصول إلى الغذاء الصحي.

فقد ارتفعت تكلفة النظام الغذائي الصحي في منطقة الشرق الأوسط من 294 دولارا إلى 3.89 دولار، وفي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي ارتفعت من 3.59 إلى 4.51 دولار، كما ارتفعت في أوروبا وآسيا الوسطى من 2.82 إلى 3.67 دولار، وقد ارتفعت شرق آسيا والمحيط الهادي من 3.59 إلى 4.48 وارتفعت في إفريقيا جنوب الصحراء من 3.04 إلى 3.69 دولار وارتفعت في أمريكا الشمالية من 2.73 الى 2.96 دولار، وارتفعت في آسيا من 3.3 إلى 4.16 دولار، الأمر الذي يعد مؤشرا مهما على التحديات المتزايدة التي تواجه المنطقة في تأمين الغذاء الصحي لسكانها.

وهناك عدد من العوامل التي ساهمت في هذا الارتفاع نذكر منها:

التضخم العام: يشهد الاقتصاد العالمي ارتفاعا في معدلات التضخم، مما يؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع، بما في ذلك الأغذية.

ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل والتوزيع للأغذية، مما ينعكس على أسعار البيع النهائية للمستهلك.

تأثير الجائحات والأزمات أدت جائحة كوفيد - 19 والأزمات الجيوسياسية المختلفة إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد الغذائي، مما أدى إلى نقص في بعض المواد الغذائية وارتفاع أسعارها.

تغير أنماط الاستهلاك مع زيادة الوعي بأهمية التغذية الصحية، زاد الطلب على الأغذية الصحية والعضوية، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها.

الجفاف وتغير المناخ: تؤثر الظروف المناخية المتطرفة مثل الجفاف على الإنتاج الزراعي، مما يؤدي إلى نقص في المعروض وارتفاع الأسعار.

السياسات الحكومية: قد تؤثر بعض السياسات الحكومية مثل الرسوم الجمركية والحواجز التجارية على أسعار الأغذية المستوردة.

يشهد العالم أزمة متصاعدة تتمثل في عجز ملايين الأشخاص عن تأمين الغذاء الصحى، حتى مع توافر أرخص الخيارات المحلية. ففي عام 2022 وحده، لم يتمكن ما يقرب من 2.8 مليار فرد من تحمل تكاليف نظام غذائي يلبي احتياجاتهم الأساسية من العناصر الغذائية.

تتركز هذه الأزمة بشكل خاص في الدول النامية، حيث تعاني الشريحة الدنيا من الاقتصادات متوسطة الدخل من أشد الأضرار. ففي هذه الشريحة، يعجز أكثر من نصف السكان، أي ما يقرب من 1.7 مليار شخص عن تحمل تكاليف الغذاء الصحي أما في الاقتصادات منخفضة الدخل، فتصل النسبة إلى مستويات أكثر إثارة للقلق، حيث يعاني 72% من السكان من هذا العجز، وهو ما يعادل 503 ملايين فرد.

تعكس هذه الأرقام حجم التحدي الذي يواجه العالم في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية السليمة لجميع أفراده فعدم القدرة على تحمل تكاليف الغذاء الصحي، يؤدي إلى العديد من العواقب السلبية، منها:

سوء التغذية: يعاني ملايين الأطفال والبالغين من سوء التغذية.

مما يؤثر سلبا على نموهم البدني والعقلي ويضعف مناعتهم.

الأمراض المزمنة: بريد سوء التغذية من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب.

الفقر: يؤدي إنفاق نسبة كبيرة من الدخل على الغذاء إلى تفاقم الفقر ويحد من قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية الأخرى.

الاضطرابات الاجتماعية: قد يؤدي الغضب الناجم عن الجوع والفقر إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية.

ويتضح من الشكل التفاوت الكبير في مسارات التعافي بين المناطق. فلا تزال منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على نفس المستوى من انتشار عدم القدرة على تحمل تكاليف النظام الغذائي الصحي الذي شهدناه في عام 2020. وتراجع معدل الانتشار في المناطق الأخرى، حيث أصبح التعافي في جنوب آسيا ملحوظًا، إذ سجل انخفاضًا بواقع خمس نقاط مئوية.

في النهاية، فإن أزمة الغذاء هي أزمة إنسانية بالدرجة الأولى، فالجميع يستحق أن يعيش حياة كريمة خالية من القلق بشأن توفير الغذاء اليومي لذا فأن أزمة الغذاء العالمية تستدعي تحركا عاجلًا وحاسمًا.

فمن خلال الاستثمار في الزراعة المستدامة، وتقديم الدعم للفئات الضعيفة، وتوعية المجتمع بأهمية التغذية الصحية، يمكننا أن نبني مستقبلا أكثر أمانا واستدامة. فالأمن الغذائي ليس مجرد هدف، بل هو حق أساسي لكل إنسان، ويجب علينا جميعا أن نعمل معا لتحقيقه.