أقيلوا العثرات أيها المليونيرات
نقلت المواقع الإخبارية العربية تقريرًا صادرًا عن شركة «هينلى آند بارتنرز» العالمية، المتخصصة فى توفير فرص الإقامة بالدول عن طريق الاستثمار، أن مصر هى الدولة الإفريقية الثانية، من حيث عدد المليونيرات، بعدد تجاوز 15700 مليونير. ثم جاء التقرير على ذكر تفاصيل ثروات مليونيرات مصر، إذ تتجاوز ثروة 7200 مليونير مبلغ المليون دولار أمريكى، فضلًا عن 52 شخصًا تتجاوز ثرواتهم 100 مليون دولار، بين هؤلاء كذلك 7 أشخاص بلغ كل منهم منزلة الملياردير، وأصبحوا ضمن قائمة فوربس لأغنى أغنياء الأرض.
لا يفوتنا أن ندعو الله لهم بالبركة فيما رزقهم، وأن نردد: «اللهم لا حسد»، نعم نحن ندعو الله تعالى لكل هؤلاء وأولئك أن يزيدهم من فضله، ولِمَ لا؟ فكلما كانت استثمارات هؤلاء وعوائدها داخل حدود الوطن فلا بأس، وطالما أدوا حق الوطن فى النسب المقررة للضرائب فلا ضير إطلاقًا. والأهم هو أنه عندما تكون أموال هؤلاء غير مجهولة المصدر، وتم جمعها بجهد حقيقى وعبر أعمال قانونية مشروعة، فنحن نتباهى بهؤلاء المليونيرات ونتمنى لهم جميعًا أن ينتقلوا من هذه الخانة إلى مربع المليارديرات.
ولكوننا شعبًا متدينًا بطبعه فإن معظم المصريين- مسلمين أو مسيحيين- يُلزمون أنفسهم بما شرعته الديانتان السماويتان من ضرورة مساعدة الفقراء وبذل جزء من رزق الله للفقراء من عباد الله. ففى الإسلام هناك الزكاة كفريضة لا يكتمل دين من لا يؤديها إذا بلغ نصابها، وهناك أيضًا الصدقات التى هى تطوع يقدِم عليه الجميع سعيًا لرضا الرزاق. وفى المسيحية، هناك العشور، الذى يمثل عشر كل المورد كحد أدنى للعطية، وهناك غيرها البكور، الذى هو بكر الحيوان أو أول راتب أو أول حصاد، وهناك غيرهما الصدقات التى يبذلها المؤمنون للمعوذين. وفى القرآن الكريم، وكذلك فى الكتاب المقدس هناك من الآيات الكثير التى تدعو المؤمنين للبذل والعطاء مما رزقهم الله به.
ومع تراجع الأوضاع الاقتصادية فى السنوات الأخيرة، لأسباب كثيرة لا يستدعى المقام تكرارها، فقد أمست معلومة للجميع، صار واجبًا على هذا العدد الكبير من المليونيرات أن يلتزموا أخلاقيًا ولا أقول قانونيًا ولا حتى دينيًا بالقيام بدورهم الاجتماعى لسد الفجوة التى اتسعت مؤخرًا بينهم وبين فقراء المجتمع. إذ لم يعد خافيًا على أحد ذلك التراجع الكبير فى مداخيل كثير من أرباب الأسر، أو حتى ثباتها فى حين ضعفت القوى الشرائية لديهم أمام انفجار أسعار كل السلع والخدمات والمرافق، بل وسائل المواصلات أيضًا، حتى لكأن الجاهل يحسبهم أغنياء من التعفف؛ لكونهم لا يسألون الناس بإلحاح، فما الحل أمام أمثال هؤلاء إذن؟
لو أن المؤمنين جميعًا التزموا بما فرضته عليهم شرائعهم السماوية من نسب عادلة غير مجحفة من بعض فضل الله عليهم، ولو تم توجيه حصيلة تلك الأموال فى مصارفها الشرعية، وخاصة لأولئك المتعففين، وهم كُثر، لقلّت معاناة كثير من الأسر، ولساد السلم الاجتماعى الذى ننعم به، والذى هو ركيزة استقرار المجتمعات الإنسانية واستمرارها. أظن لو أن كل غنى راجع حساباته وقرر أن يوجه ما فرضه الله عليه من فضل ماله لجهة رسمية مشهود لها بحسن السمعة ولوُلاتها بتحرى المصارف الشرعية؛ لأرضينا الخالق، ولعشنا جميعًا فى اطمئنان، ولبقى مجتمعنا مستقرًا آمنًا.
هناك مواسم تزداد خلالها الأعباء على أرباب الأسر، حتى لتكاد الأرض تضيق على البعض بما رحبت، بل تضيق عليهم أنفسهم، وخاصة مع مواسم الأعياد أو دخول المدارس، فكم من موظف عام غلت الأسعار من حوله، بينما عجز راتبه، رغم الزيادات، عن ملاحقة جنون الأسعار، وكم من رجل تقدم به العمر وبدلًا من الخلود للراحة بعد أن بذل لأهله ولوطنه أحلى سنوات عمره، فإذا به يجد ما يتحصل عليه من معاش شهرى لا يمكن أن يلبى الحد الأدنى من احتياجاته الشخصية، فما بالك لو كان مريضًا أو لا يزال لديه بنين أو بنات فى سن الزواج ويتأهب لتجهيزهم!
أرجو من وزير الأوقاف النشيط، والذى يدخل بوعى شديد فى كثير من الأمور الحياتية التى كان بعضهم يرى أنها بعيدة كل البعد عن اهتمامات المؤسسة الدينية، أن يجعل دعوة الأثرياء للبحث عن ذوى الحاجات الحقيقيين، وليس محترفى التسول موضوعًا لخطبة جمعة مقبلة، وأن يشجعهم على أن يزيدوا من الهبات والعطايا أملًا فى عوض الله وطمعًا فى كرمه وفضله، وأتمنى من قداسة البابا أن يوجه بأن تكون ذات القضية موضوعًا لعظة «أحد» مقبل فى عموم الكنائس أيضًا. كما أدعو مسئولى الجمعيات والمنظمات الخيرية، وخاصة فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى، أن ينشطوا إعلاميًا فى دعوة الناس لمزيد من التبرعات وأن يُقدِموا على تنقية جداول المستحقين لإزالة من يتكرر اسمه كمستفيد فى أكثر من جمعية خيرية، وأن يستبدلوهم بالمتعففين، فلم يعد الفقير هو من يقف أمام باب مسجد أو كنيسة طالبًا الإحسان، ولكن قائمة ذوى الحاجات امتدت لتتسع للكثيرين غيرهم، ممن يحسبهم الناس أغنياء، بينما هم معوذين لديهم عزة نفس.