تسريبات جديدة تكشف.. السنوار ونتنياهو وجهان لشيطانٍ واحد!
«1»
مؤخرًا كشفت المخابرات الألمانية عن وثيقة سرية تم الاستيلاء عليها من جهاز المخابرات الحربى لحماس يعود تاريخها لأسابيع ماضية – لم يتم تحديد تاريخها بدقة – مفادها أن حركة حماس لا ترغب فى التوصل لصفقة أو وقف لإطلاق النار، وأنها تفضل سياسة إنهاك إسرائيل عسكريا والضغط الإعلامى عليها بتزايد عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين، وأن صاحب هذه السياسة والرؤية هو يحيى السنوار! ومحتوى هذه الوثيقة يتسق تمامًا مع سير الأحداث منذ انتهاء الهدنة الوحيدة التى تم خلالها تبادل بعض الرهائن، ويتسق مع ما تم نشره فى فترات متباينة سابقًا من رسائل متبادلة بين قادة الحركة وبين السنوار!
ومنذ عدة أيام أذاعت وسائل إعلام إسرائيلية محتوى حديث شخصى لوزير صهيونى – لم يتم تسميته – مع نتنياهو قال فيه الأخير صراحة إنه يتمنى لو أن الرهائن كانوا قد قُتلوا! يتسق هذا التصريح تمامًا مع ما تابعه العالم عبر الأشهر الماضية حتى الكيان الصهيونى تيقن أن نتنياهو غير مهتم بمصير من تبقى من الرهائن ومهتم فقط باستمرار الحرب، ويبحث دائمًا عن ذرائع جديدة لاستمرارها كلما بدت فى الأفق ملامح الوصول لاتفاقٍ لوقف إطلاق النار.
تيقن الجميع أنه لا السنوار ولا نتنياهو يعنيهما عدد القتلى، وإنما وصول كل منهما لما يعتقد أنه الآن هو طوق النجاة الأخير والأوحد للخروج من هذا الصراع العبثى الدموى! لقد سقطت الأقنعة تمامًا وظهر جليا أن كلا الرجلين ينتميان لنفس الفصيل من البشر رغم اختلاف الانتماء الدينى لكلٍ منهما.. باختصار فهما وجهان متطابقان لشيطانٍ واحد!
«2»
لقد خذلت إيرانُ نتنياهو، ولم تقم بما يمنحه ما كان يتوق إليه من استدراج التدخل العسكرى الأمريكى البريطانى المباشر أو إشعال حرب واسعة على الجبهة اللبنانية، أو على أقل تقدير قضاء بعض الوقت فى إخراج حلقة جديدة من مسلسل الصواريخ والمسيرات الحميمية المتبادلة بين إيران وتل أبيب! فلم يبق أمامه سوى خيارين عليه أن يختار أحدهما أو كليهما، الأول استنتساخ جرائم الإبادة والتدمير بغزة فى الضفة الغربية، والثانى اللعب بالنار بمحاولة استدراج مصر عن طريق ما يعبر عنه المصريون بقولهم «رمى الجتت»!.
مؤتمر صحفى مطول أفرد معظمه نتنياهو لما يمكن أن نطلق عليه هذيانًا حقيقيًا يعكس ما وصلت إليه الحالة العقلية للسفاح المختل.. ظل يهذى عن الأنفاق بين المحور وبين أرض سيناء، وذكرنى مشهده البائس - وهو منهمك فى مشهد عبثى أمام خريطة قطاع غزة – بمشهد مماثل منذ سنوات لكولين باول وزير خارجية أمريكا فى مجلس الأمن وهو يعرض صورا فوتوغرافية لحافلات عراقية كبرى يقول إن بداخلها أسلحة دمار شامل، وذلك قبيل غزو العراق! فعل ذلك وهو يدرك أكثر من غيره أنه لو وجد نفقا واحدا غير مسدود وغير مدمر وممتدًا أسفل الحدود المصرية لشكل ذلك له نصرا كبيرا ومكنه من هزيمة غرمائه العسكريين مثل وزير دفاعه، ولأقام الدنيا ولم يقعدها ولبدأت الآلة الإعلامية الصهيونية فى صب بنزينها صبًا ضد مصر، ولما تجرأ عسكريوه على معارضته ومقاومة هذيانه!.
الحقيقة المجردة الآن أن هذا السفاح المختل أصبح يدرك أنه وبمجرد توقف آلة القتل وصمت صوت المدافع والرصاص وأزيز طيرانه العسكرى فلن يستمر بعدها ربما لبضع ساعات وهو آمنٌ فى بيته أو مكتبه من المساءلة أو حتى الانتقام من خصومه السياسيين والكتل الشعبية التى تكونت من الشارع الصهيونى بعد أن أدركوا أنه اتخذ قرارًا بالتضحية بالرهائن، والذين بلغ عددهم حسب آخر مظاهرة أربعمائة ألف! يدرك أنه لن يبقىَ خارج المساءلة أو السجن، فقرر القيام بدور شمشون وليمت الجميع وليحترق كل شىء قبل أن يسقط هو! يجب أن يدرك الجميع الآن أن هذا المختل أصبح بالفعل خارج مفردات السياسة والاستراتيجية، لكنه يتصرف كشخص يعلم أنه لن يكون فى مقدوره – إن توقف القتل – حتى على ممارسة حياته كسياسى معتزل، وإنما يقينًا سيقضى ما تبقى من هذه الحياة فى صد الملاحقات! فلم تعد تعنيه استراتيجية أو سياسة أو علاقات كيانه الصهيونى مع مصر أو غيرها! لم يعد ممكنًا له – وقد فعله بالفعل – إلا أن يخلع رداء السياسة وارتداء قناع ووجه أعتى عتاة الصهيونية المتطرفة وأن يحتمى بأقبح وجوهها الحاليين مثل القبيح بن غفير والقبيح سموترتش!.
نتنياهو يتمنى بشكل حقيقى ويتحرق لانفجار الوضع العسكرى على الحدود مع مصر بمنطق محاولة الخروج من الكارثة بكارثة أضخم وأكثر قتامة، فهو يدرك قطعًا قدرات مصر العسكرية فى ظل استنزاف قواته وجيشه وبدء بعض حلفائه فى التمنع عن إمداده العسكرى، ويدرك أن أى مواجهة مباشرة مع مصر سوف تكبد الكيان الصهيونى خسائر تصبح خسائره الآن ومنذ بدء العدوان الحالى مقارنة بها مجرد رفاهية! ووقتها فقط سيكون ممكنًا له أن يقضى ما تبقى من عمره – إن كان وقتها على قيد الحياة – بعيدا عن المحاسبة لأنه لن يكون هناك من يحاسبه!.
هذا هو الوجه الصهيونى من الشيطان الذى تواجهه مصر الآن!
«3»
فى وضعٍ مشابه تماما، يقبع السنوار فى نفقٍ ما، وقد أدرك يقينا أنه وعصبته من قادة الصف الأول من حماس قد أصبحوا بالفعل فى عداد الماضى والتاريخ، وحتى لو بقيت حماس فلن يبقَى هو أو أىٌ من هؤلاء القادة! وإن بقى بعضهم على قيد الحياة فلن يستطيعوا حكم أى تجمع فلسطينى فى حال بقيت بقعة من أرض غزة صالحة للحياة وإقامة حكومة! لن تترك هؤلاءَ القادة – وعلى رأسهم السنوار – أى قوةٍ محلية أو إقليمية قادرين على القيام بأى دور! السنوار شخصية غير سوية نفسيًا، ولا يصلح منذ خروجه من السجون الإسرائيلية لتولى أى مناصب قيادية، ولا يأبه بالدماء الفلسطينية، ويتعامل مع الضحايا الفلسطينيين وكأنهم مجرد أرقام كلما ارتفعت صب هذا فى صالحه الشخصى!
منذ أشهر قليلة تم إدراجه من قبل محاكم جنائية دولية كمجرم حرب، وبناء على تصريحات منسوبة إليه فقد اعترف أن عددا من المهاجمين الفلسطينيين يوم السابع من أكتوبر قد اقترفوا جرائم ضد مدنيين أو حسب تعبيره «لقد سقطوا فى هذا الأمر!» وهذا اعتراف كامل بجريمته وربما يكون أحد أدلة المحكمة الجنائية الدولية!
وأخيرًا فقد وجهت له جهات قضائية أمريكية اتهامات بقتل رهينة أمريكى بناء على ما يمكن وصفه بأنه التصريح الأغبى الذى صدر عن قيادات حمساوية منذ هجوم السابع من أكتوبر.. «لقد صدرت أوامر للحراس بالتعامل مع الرهائن لديهم إذا ما تأكدوا من اقتراب قوات إسرائيلية!» وقد صدر هذا التصريح مباشرة بعد مقتل الرهائن الستة! وتوجيه هذا الاتهام الأمريكى يعنى انتهاء دور السنوار رسميا وصدور قرار بقتله على غرار قرار قتل بن لادن وغيره من المُستخدَمين!
أما فيما يخص أهل القطاع أنفسهم، فقد أثبتت استقصاءات رأى حديثة جدا أن شعبية حماس قد وصلت لمستوياتها الأدنى ليس فقط منذ هجمات السابع، وإنما منذ تأسيسها، رغم حقيقة انتماء كثير من أهل القطاع لحماس فكرا أو تنظيما!.
أما فيما يخص علاقته بمصر – كقيادى حمساوى مثل باقى القادة - فنحن نعلم أنها علاقة قامت دائما على محاولة ابتزاز الدولة المصرية شعبويا. كانت مصر تتعامل مع هذه المحاولات بهدوء ومسئولية نابعة عن قبولها لتحمل مسئولية أخلاقية قدرية تجاه الشعب الفلسطينى، لكن هذه الدولة المصرية ذاتها تدرك بشكلٍ دقيق متى ترفع الكارت الأحمر للجميع وفى هدوءٍ أيضا! يدرك السنوار أنه لا علاقة لما يقوم به مع جماعته عبر السنوات بأية أدبيات أخلاقية أو سلوكيات إسلامية، خاصة فى قرار هجوم السابع من أكتوبر وحتى الآن! فهو قطعا – كمعلم لغة عربية – يعلم أن ما يفعله هو متضاد تماما مع هذه السلوكيات الإسلامية، ويدرك أنه مكشوفٌ تماما لمن يقرأون دين الإسلام جيدا، لكنه يراهن دائما على العوام واستقطابهم بخطاب دينى زاعق مزيف للسقوط فى الفخ وتكوين ظهير شعبى طالما وجهت قيادات حماس نداءاتٍ له لتثويره فى الأشهر الماضية للقيام بالضغط السياسى على الحكومات! والأمر ببساطة، إن كان السنوار لا يعبأ بدماء شعبه، ويعتقد أن سقوط مزيدٍ منهم هو أمر جيد للضغط على نتنياهو، فهل مثل هذه الشخصية تعبأ بفكرة أنها تخدع هذه الكتل الجماهيرية من غير الفلسطينيين؟!
وهنا تبدو أهمية ما يتم تسريبه من وثائق من وقتٍ لآخر لأنها تُسقط ورقة التوت التى يتخفى خلفها هؤلاء المجرمون الزاعمون أنهم يسيروا فى حروبهم وصراعاتهم حسب الهدى النبوى الشريف!.
لذلك، فاللحظة التى ستتوقف فيها طلقات الرصاص ستكون لحظة النهاية للسنوار، وستكون خياراته محدودة جدا، لكننى أعتقد بشكلٍ شخصى أنه لن يحيا حتى يفكر فى الاختيار بينها! لن يكون له مظاهرون فى القطاع أو بين أهل فلسطين إلا القليل من زمرة جماعته.. ولن يكون تعاطى مصر مع تلك الزمرة كالسابق، فمصر قطعا ستجعل ما تعرضت له من ضغوط فى الأشهر السابقة، وما تكبدته من خسائر اقتصادية نصب أعينها ولن يجد هو أو من يخلفه - إن وُجدَ - من مصر بعد اليوم سوى الصرامة الكاملة والتحجيم وعدم إنزالهم مكانةٍ لا يستحقونها! ولقد سقط الرهان على إيران ومن والاها.. وقريبا سوف تصل إيران لتسويات مع حليفتها السرية التى تدعى أنها فى حالة عداءٍ معها! هو يدرك جيدا هذا المشهد والمصير الذى ينتظره.. لذلك فهو لن يتورع عن استغلال كل موقف لتفجير أية محاولة لوقف العدوان على الشعب الفلسطينى! وهذا يتضح تمامًا بالتصلب لما سموه مبادرة بايدن منذ عدة أشهر ويتساءلون لماذا نقبل بمبادرات جديدة؟! الإجابة باختصار لأنكم مهزومون ولوقف المقتلة بحق الشعب الذى تدعون أنكم تمثلونه وتقاومون من أجله! لكنهم يفعلون ذلك عمدًا لأن السنوار قرر ألا تتوقف هذه المقتلة!.
«4»
أما فيما يخص مصر، وكيف تتعاطى مع وجهى الشيطان – السنوار ونتنياهو – فقد أثبتت مصر أولا قدرتها على قراءة المشهد كاملًا منذ اللحظة الأولى وبناءً على خبرتها السابقة فى التعامل مع كلٍ منهما. وأثبتت مصر ثانيًا قدرتها على التعاطى مع هذه القفزة الشياطنية الكبرى المفاجئة، بشكل مرحلى يوما بيوم، أو بشكلٍ كلى تجلى فى المشاهد الأخيرة التى تمثل ذروة ما قصداه! لقد تعاملت مصر بفكر وشخصية الدولة الوطنية العريقة القادرة على حفظ كيانها بهدوء، لا بعقلية وشخصية عصابة صهيونية تنتحل شخصية دولة، أو جماعة إرهابية تتاجر بدماء شعبها وتتمسح بثوب المقاومة الشريفة الممتد تاريخها منذ نكبة 1948م!
لن أملّ من التذكير بأهم ما قامت به مصر، وهو تحقيق نصرٍ كبير قبل بدء الجولة الحالية من هذه الحرب الشيطانية. لقد استبقت مصرُ الجميع بخوض «حرب الأنفاق»، وحسمتها بصرامة ومسئولية وطنية ورؤية عسكرية ثاقبة، فأغلقت أبوابها فى وجه الشيطان منذ سنواتٍ قبل أن يطرق بابها الشمالى الشرقى!
فى تعاطيها مع الجانب الفلسطينى لم تتخلّ عن واجبها ومسئوليتها الأخلاقية تجاه أهل القطاع، وتعاملت مع قيادات حماس وهى تعلم سوء مقاصدهم حتى تنزع مقدمًا فتيل أى اتهامات باطلة – اعتادت عليها - ضدها بأنها قد تخلت! لقد تعاملت معهم وهى تعلم أنهم يمثلون أحد وجهى الشيطان!
أما الوجه الصهيونى للشيطان، فمصر خبيرة كبرى فى كشف وجهه القبيح وإذلاله.. نجح سابقا فى سرقة قطعة من أرضها فى معركة خاضتها نيابة عنه قوى عظمى، فلم تدعه مصرُ يهنأ أياما بهذه السرقة وجعلت من سنوات سرقته الستة جحيما مستمرًا، ثم قامت أخيرًا بإخراجه مذلولا من أرضها ببجامات كستور.. حققت نصرا عسكريا حاسما لكنها أيضا كسرت غطرسته وأذلته عمدا لكى لا ينسى مستقبلا! وهزمته فى معركة السلام وأجبرته أن يطوى صفحات أوهامه عن أساطيره الدينية المتهافتة فى حقٍ مزعوم فى قطعة من أرض مصر.. وأذلته مرة ثالثة حين أجبرته عبر معركة قانونية على لملمة «مقاطيعه» من طابا واحتفظت الوثائق بلحظات فيديو تاريخية وجنوده يقومون بسحب هؤلاء رغما عنهم لإخلاء طابا! فالشيطان فى وجهه الصهيونى يدرك تماما من هى مصر!
من هذه الخبرة المتراكمة خاضت مصر جولتها الأخيرة على مدار ما يقرب من عام بشكل مرحلى مذهل اتسم بالهدوء والثقة والغموض فيما تمتلكه من خطوات فى الخطوة التالية.. أدركت طريقته التقليدية العقيمة المكررة فى كل جولاته السابقة، فلم تمنحه فى أى مرحلة أية معلومة مجانية عن أوراقها المستقبلية حتى وصلنا للذروة.. المشهد الأخير..
راقبت مصرُ العرض المسرحى الهابط لنتنياهو المسمى بالمؤتمر الصحفى الأخير.. راقبت هذيانه.. ثم فى صباح اليوم التالى فاجأته الصفعة كاملة.. اختارت مصر أن يكون ردها فعلا واقعا على الأرض.. صدمته بهذا المشهد القوى.. رئيس أركان القوات المسلحة المصرية يتفقد رسميا الحدود المصرية على المحور الشمالى الشرقى.. وتصطف خلفه المعدات العسكرية المصرية الثقيلة العدة والعتاد ملاصقة لتلك الحدود أى فى مقدمة المنطقة «سى».. هذا هو رد الدولة المصرية الواثقة القادرة!
فى النهاية أعتقد أننا أصبحنا قريبين من مغادرة السفاح المختل للساحة وأقصى ما يمكنه المكوث هو نهاية الانتخابات الأمريكية.. كما أعتقد أن ما بعد هذه الجولة التى ستبلغ أكثر من العام بفترة زمنية من شهر لثلاثة أشهر لن يكون أبدا كسابقها فى كل علاقات مصر بجيرانها على هذه الحدود التى طالما سببت لمصر المصاعب عبر تاريخها الممتد بعشرات القرون قبل قيام الكيان الصهيونى المعاصر! كما أننا أصبحنا قريبين من خبر اختفاء السنوار!
ولا يفوتنى أن أقدم تحية إجلالٍ لهؤلاء الذين قدموا لمصر نصرا مسبقا وكفوها شرا كبيرا من وجهى الشيطان على حدٍ سواء!.