حرب الأنفاق
لم يكن هجوم ٧ أكتوبر هو وحده المفاجأة، هذه الحرب كلها مفاجآت، المناورات، والخدع من الجانبين، عمليات الاغتيال الإسرائيلية، الدمار والموت والدماء. تفاجأنا طوال ١١ شهرًا الماضية إلى حد أننا اعتقدنا أنه لا يوجد شىء بإمكانه مفاجأتنا بعد الآن. لكن دومًا هناك المزيد.
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن وثائق داخلية لحماس تشرح الاستعدادات الدقيقة التى قامت بها الحركة للهجوم على الجيش الإسرائيلى، والتى سمى بدليل حرب الأنفاق، من داخل سراديب أنفاق فى غزة، وربما تلك السراديب هى التى جعلت هذه الحرب أطول وأصعب وأقسى، فى إسرائيل تفاجأوا من منظومة الأنفاق، تفاجأوا إلى درجة أنهم لم يعد شىء يفاجئهم الآن.
عثرت القوات الإسرائيلية على الدليل فى حى الزيتون بمدينة غزة فى نوفمبر الماضى، كما تم اعتراض رسالة السنوار الموجهة إلى زعيم حماس البارز محمد ضيف فى نفس الشهر فى جنوب مدينة غزة.
من بين الوثائق التى تم الكشف عنها دليل تدريب لحماس يوجه المقاتلين حول كيفية التحرك عبر الأنفاق باستخدام معدات الرؤية الليلية، وتوجيه بعضهم البعض من خلال وضع الأيدى على الشخص الذى أمامهم. وتوافق وثيقة أخرى، وقعها زعيم حماس يحيى السنوار، على تمويل تطوير الأنفاق الأكثر أهمية، بما فى ذلك تركيب أبواب مدرعة لجعل اختراقها أكثر صعوبة.
الاعتماد الكبير على الأبواب المدرعة هو تكتيك جديد نسبيًا بالنسبة لحماس، ولم يستخدم خلال عملية الجرف الصامد فى عام ٢٠١٤. وقد واجه الجيش الإسرائيلى هذه الأبواب مرارًا وتكرارًا أثناء تحييد الأنفاق فى الحملة الحالية. ونقلت الصحيفة عن ضابط إسرائيلى قوله إنه فى بعض الأحيان، عندما يقترب الجنود من الأنفاق، تفجر حماس السقف لإحداث انهياره إلى الداخل وسد المدخل، على الرغم من الأساليب الموصوفة فى دليل حرب الأنفاق.
ويقدم الدليل تعليمات مفصلة حول كيفية قيام عناصر حماس بالقتال تحت الأرض، وإطلاق النار من الأسلحة الأوتوماتيكية داخل الأنفاق لتحقيق أقصى قدر من الخسائر، كما أن هناك أيضًا تعليمات حول كيفية تمويه مداخل الأنفاق وتحديد مواقعها باستخدام البوصلات أو نظام تحديد المواقع العالمى «جى بى إس»، والتحرك بكفاءة: «عندما يتحرك المقاتل فى الظلام داخل النفق، فإنه يحتاج إلى نظارات الرؤية الليلية بالأشعة تحت الحمراء»، ويجب ضبط السلاح على الوضع التلقائى وإطلاقه من الكتف، وهو فعال لأن النفق ضيق، ويوجه الطلقات إلى المناطق المميتة فى الجزء العلوى من جسم الإنسان، وهو تمامًا ما يتفق مع الطريقة التى يهاجم بها نشطاء حماس القوات الإسرائيلية من الأنفاق.. كأنهم كانوا يستعدون!
«دليل حماس للحرب عبر الأنفاق» كُتب فى عام ٢٠١٩، وهو يعكس جهودًا استمرت لسنوات من جانب حماس، قبل وقت طويل من هجوم ٧ أكتوبر، لإنشاء شبكة عسكرية تحت الأرض مصممة لتحمل الهجمات المطولة وإبطاء تقدم الجيش الإسرائيلى فى حالة غزو إسرائيلى لغزة، كأنهم كانوا يعرفون ما سيحدث بعد ٤ سنوات.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، وافق رئيس حماس يحيى السنوار فى عام ٢٠٢٣ على مبلغ ٢٢٥ ألف دولار لتركيب أبواب مقاومة للانفجار فى الأنفاق، ووصف الجيش الإسرائيلى هذه المنطقة بأنها مدينة تحت الأرض تستخدم لنقل الصواريخ والأسلحة الأخرى. وفى هذه المساحات، حدد الجيش أيضًا مخابئ ومراكز قيادة لحماس ومناطق سكنية وبنية تحتية كهربائية.
كما عثرت القوات الإسرئيلية على ألواح شمسية مثبتة على أسطح المنازل الخاصة لتزويد الأنفاق بالكهرباء، ووجدت أنظمة اتصالات من إنتاج شركة نوكيا تحت مقر أونروا، وهى الأنظمة التى توفر الصوت والبيانات ويمكن أن تعمل كلوحة مفاتيح لشبكة الاتصالات تحت الأرض.
فى حين استثمرت إسرائيل جهودًا كبيرة خلال السنوات الماضية فى اكتشاف الأنفاق، فإن جمع المعلومات الاستخبارية عن الأنفاق داخل غزة لم يكن على رأس أولوياتها، حيث لم يكن من المرجح حدوث غزو إسرائيلى واسع النطاق لغزة وسيناريو حرب واسعة النطاق كهذه، وحسب التقديرات فإن إسرائيل علمت أن هناك شبكة أنفاق واسعة فى غزة يقدر طولها الإجمالى بنحو ٤٠٠ كيلومتر، ولكن الآن، بناءً على الاكتشافات التى تمت أثناء الحرب، يُعتقد أن الشبكة قد تكون أطول بمرتين.