وضع أكثر من كارثى
هكذا وصفت الأمم المتحدة، أمس الأول الخميس، الوضع الإنسانى فى قطاع غزة، وأوضح المتحدث باسم أمينها العام، ستيفان دوجاريك، أن أكثر من مليون شخص فى القطاع لم يحصلوا على حصص غذائية عبر الوسائل الإنسانية خلال الشهر الماضى. والمفارقة، هى أن إسرائيليين عقلاء تحدثوا، أيضًا، عن وضع أكثر من كارثى تعيشه، أو ستعيشه، دولة الاحتلال، بسبب ممارسات حكومتهم اليمينية المتطرفة.
مقرًا بعجز المنظمة الدولية، إزاء هذا الوضع، الذى «يتجاوز الكارثى»، قال دوجاريك إن وسائل الإعلام الدولية ما زالت ممنوعة من دخول غزة. كما نقل عن تقارير مكتب تنسيق الشئون الإنسانية، «أوتشا»، أن القوات الإسرائيلية واصلت استخدام «تكتيكات شبيهة بالحرب» فى الضفة الغربية، وقال إن «المنشآت الطبية حُوصرت فعليًا لأكثر من أسبوع، مع فرض قيود صارمة على حركة سيارات الإسعاف»، مؤكدًا أن ذلك «يعمّق الاحتياجات الإنسانية، ويثير مزيدًا من المخاوف بشأن الاستخدام المفرط للقوة».
فى ظل هذا الوضع، ومع اقتراب دخول العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة الشهر الحادى عشر، قال صامويل زبوجار، مندوب سلوفينيا الدائم لدى الأمم المتحدة، رئيس مجلس الأمن خلال سبتمبر الجارى، إن صبر أعضاء المجلس بدأ ينفد، وإنهم سيبحثون، على الأرجح، اتخاذ إجراء إذا لم يتم التوصل قريبًا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ولعلك تعرف أن مجلس الأمن، كان قد تبنَّى، فى يونيو الماضى، القرار رقم ٢٧٣٥، الذى تضمّن خطة، أو صفقة، من ثلاث مراحل طرحها الرئيس الأمريكى.
صبر الإدارة الأمريكية، أيضًا، بدأ ينفد «مع أكاذيب رئيس الوزراء الإسرائيلى، ومماطلته، وتقديمه مطالب جديدة غير قابلة للتفاوض»، حسب دوجلاس بلومفيلد، الذى أكد، فى مقال نشرته «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أمس الجمعة، أن «نتنياهو يضع مصالحه السياسية فوق مصالح الشعب الإسرائيلى». وسبق أن كتب الجنرال الإسرائيلى المتقاعد إسحاق بريك، فى جريدة «هآرتس»، أن إصرار الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار فى هذه الحرب الخاسرة، وظنّها أن وقف إطلاق النار يعنى الاستسلام، يمثّل خطرًا كارثيًا على إسرائيل وليس على حركة «حماس». كما أكد يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، أن نتنياهو «اخترع عقبة محور فيلادلفيا، لإحباط التوصل إلى اتفاق وحماية حكومته من السقوط».
يصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلى على الاحتفاظ بقوات فى محور فيلادلفيا، الممتد على طول حدود غزة الجنوبية مع مصر، بينما يؤكد بينى جانتس، القائد السابق للجيش الإسرائيلى، عدم وجود أسباب أمنية لذلك، لافتًا إلى أن القضية لا تتعلق بذلك المحور، بل بعدم اتخاذ قرارات استراتيجية حقيقية. وقال «جانتس»، الذى كان عضوًا فى حكومة الحرب، واستقال فى يونيو الماضى، إن بقاء الجنود فى محور فيلادلفيا، سيجعلهم «هدفًا سهلًا». وبعد أن طالب نتنياهو بأن «يضع المفاتيح ويذهب إلى منزله»، أكد أن الوقت قد حان لإجراء انتخابات مبكرة و«تشكيل حكومة قومية تعبر عن تنوع المجتمع الإسرائيلى». ولعلك تتذكر أن جريدة «هآرتس»، كانت قد أكدت، فى إحدى افتتاحياتها، أن كل يوم تستمر فيه حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، هو يوم تغرق فيه إسرائيل، أكثر فأكثر، فى هاوية سيكون من الصعب الخروج منها.
.. أخيرًا، قيل إن الإدارة الأمريكية تعمل على مقترح جديد لوقف إطلاق النار، من المقرر أن تعلن عن تفاصيله، خلال أيام، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلى قال، لشبكة «فوكس نيوز»: لا يوجد اتفاق قريب، ما يعنى أنه «لن يوقف إطلاق النار.. أو الأكاذيب»، وما بين التنصيص كان عنوان مقالنا، أمس، فى «الأهرام»، الذى أشرنا فيه إلى أن ذلك المتهم، قضائيًا، بالفساد وخيانة الأمانة والرشوة والاحتيال، لا يشغله غير كيفية إنقاذ نفسه من مصير أسود، شديد السواد، ينتظره، فور توقف آلة القتل الإسرائيلية. وأوضحنا أنه من الطبيعى أن يحاول، باستماتة، حماية حكومته من السقوط، لأن بقاءه فى منصبه يتيح له التأثير على احتمالات محاكمته، ويسمح له، أيضًا، بمنع تشكيل لجنة تحقيق فى إخفاقات ٧ أكتوبر.