سكر بطعم العلقم 2.. عادل وأمه مارى وقائع مجهولة عن أقسى معركة فى البيت الريحانى
فجأة تخرج عجوز شمطاء من شباكها الصغير وهى تنظر باحتقار إلى الشاب الواقف منتصف المسرح، ثم تلقى سؤالها المكرر المبهج بلكنة تركية محببة: إنتى جايه تشتغلى إيه؟
فتنفجر الصالة بالضحك قبل أن يرد الشاب منفعلًا ومستغيثًا بمن حوله ثم صارخًا:
سواق يا ست هانم سوااااق.. إن شا الله يفرمنى تروماى سوااااق.
فيستمر الانفجار وترتج الأرض من تحت الممثلين والجمهور معًا، وتخلد كاميرات الجهاز السحرى الجديد المسمى التليفزيون ذلك المونولوج الخرافى الممتع فى ذاكرة ووجدان الأجيال عبر عقود تالية.
وتستمر اللوحة الكوميدية بين العجوز الشمطاء الظريفة والشاب الكوميديان، الذى ينظر إلى الجمهور وهو يلقى إفيهاته وكأنه يريد أن يضمن أنها أدت ما عليها من رسالة نشر البهجة.
مارى وعادل هما بطلا مسرح الريحانى حتى بداية الستينيات، وحاملا اللواء الكبير لسيد مسارح الشرق سى نجيب.. وكانا على رأس أهم إنتاجات الفرقة منذ الخمسينيات تمثيلًا لمارى وتمثيلًا وإخراجًا لعادل.. وخلفهما بالطبع يقف القطب الثانى لمعجزة مسرح الريحانى وهو بديع خيرى أبوعادل وصديق مارى.
أغلب الظن حينها أن محبى مسرح الريحانى ومرتاديه كل ليلة لم يدر فى خُلد أحدهم أن هذا الثنائى المبهر «مارى وعادل» الذى يجعلهم يتقافزون على مقاعدهم من الضحك كلما جمعتهما الخشبة، تكمن فى جوف كل واحد منهما نار موقدة تجاه الآخر.. وخلافات لم تنقطع منذ أن شبّ عادل الفتى الموهوب عن طوقه وبدأ يستمسك بزمام أمور الفرقة مديرًا فنيًا لها وشاغلًا موقع الريحانى الفسيح، الأمر الذى على ما يبدو كان الحجر الملوث الذى أُلقى فى بحيرة الود الصافى التى تكونت بين الاثنين «مارى وعادل». هذا الود والحب الذى خُلق منذ نهاية الأربعينيات قبيل وفاة الريحانى فى لحظة إنسانية فارقة حين شاهدت مارى لأول مرة فتى صغيرًا فى الثامنة عشرة من عمره يدخل عليها الكواليس خلف والده بديع خيرى، ليقذفه الأخير إليها قائلًا: «ده ابنك أنا ما ليش دعوة بيه».
حينها أخذت تلميذة الريحانى النجيبة كلمة بديع على محمل الحقيقة الواقعة وتعاملت مع عادل من منطلق الأمومة وآمنت بموهبته وصارت هى حائط صده الأول، قبل أن يشتد عوده خاصة بعد أن فارق الريحانى الحياة وصار عادل عنصرًا أساسيًا فى الفرقة.. هنا فقط بدأت تلوح فى الأفق بوادر الخلافات التى أخذت فى التعملق بين الفتى وأمه إلى أن تركت الأخيرة الفرقة وافترس المرض كبد الأول.. لتصل بهما دراما الحياة إلى نقطة لم يكن أحدهما يتخيل فى أسوأ كوابيسه أن يصلا إليها.. يوم أن مات عادل وفى حلقه غُصّة من أمه مارى لم يشفها حتى الموت.. كيف ذلك؟!
«الكواكب» تفشل فى الصلح بين مارى وعادل
«مارى تتمسك بمعاهدة ١٩٦٢».. لم يكن عنوانًا فانتازيًا ذلك الذى وضعته مجلة الكواكب لندوتها التى أقامتها لمارى منيب، ونُشرت فى عددها الصادر ٢ فبراير ١٩٦٣.. بل كان عنوانًا حقيقيًا تمامًا، لأن المجلة نشرت صورة زنكوغرافية واضحة لتلك المعاهدة بين عادل ومارى والمكتوبة بخط عادل الجميل.
ما قصة تلك المعاهدة؟
القصة ببساطة شديدة أن الخلافات عندما اشتدت بين عادل ومارى داخل الفرقة وصار الجو العام متوترًا لا يحتمل ولا يساعد فى الإبداع.. فقد لجأ على ما يبدو الأب بديع خيرى إلى إبرام تلك المعاهدة بين الاثنين حفاظًا على عهده القديم بحماية الفرقة التى تحمل اسم رفيقه الريحانى حتى لو خسر كل ما يملك فى سبيل ذلك.. وتكونت المعاهدة من ٥ بنود كانت كالتالى:
١- تكوين مجلس لإدارة الفرقة يشرف على توجيهها والتخطيط لها كما يضع برامجها ويلاحظ تدريباتها ويعمل على خلق جو من الألفة والتفاهم وحسن التعاون بين أفراد الفرقة جميعًا، ويتألف هذا المجلس من: الأستاذ بديع خيرى- الأستاذ عادل خيرى- الأستاذ طلعت حسن- السيدة مارى منيب.
٢- تعيين ممثلين وممثلات جدد من ذوى الكفاءات الفنية المعروفة.
٣- إخراج ثلاث روايات جديدة كل موسم.
٤- إخراج جميع الروايات القديمة مع إجراء التدريبات اللازمة لها.
٥- يتعاون الأستاذ عادل خيرى مع السيدة مارى فى الروايات التى تظهر بها، كما تتعاون السيدة مارى مع الأستاذ عادل خيرى فى الروايات التى تظهر بها.
٢٣- ٦- ١٩٦٢.
انتهت المعاهدة ووقع عليها الثنائى عادل ومارى.. الأول كتب «موافق» على طول الخط، والثانية كتبت «كل الموافقة ومنتهى الحب».
كان طلب مارى على وساطة «الكواكب» التى عرضها صحفيوها خلال الندوة: «ينفذوا شروط المعاهدة وأنا أرجع».
تحدثت مارى بحرقة شديدة وإيلام لعادل فى معرض كلامها وحكت عن أول مرة ترى فيها عادل عندما دخل عليها بديع بشاب خارج لتوّه من طور المراهقة لم يكمل الثامنة عشرة من عمره وقذف به إليها قائلًا: «ده ابنك»، وتقول مارى: «استلمت عادل (غشيم) ساعدته ودربته وهو يعترف بذلك والممثلين كمان.. أنا كنت أدير ظهرى للجمهور عشان أدى فرصة لعادل وأنصحه لغاية ما أفهمه، وعادل بقى كويس أوى دلوقتى».
ثم تضع مارى يدها على بداية الخلاف بينها وبين عادل قائلة: «أنا قبلت عادل كمخرج لكن لقيت إنى لازم أعمل حاجات مرضهاش لنفسى ومكانتى.. قولى الجملة دى.. أقول حاضر قدام الزملا إنما بصيت لقيته فى يوم عايز يعلقلى (زعزوعة) قصب فى ظهرى وامشى بيها الفصل كله على المسرح.. ده أنا برفض ألف جنيه فى السينما عشان عاوزينى ألبس بنطلون.. أقوم أعمل كده».
ثم تستطرد مارى: «أنا كنت دايمًا أقول له إنت كويس يا عادل.. برافو يا عادل إنما اللى حواليه كانوا عايزين يتقربوا له مش بالثناء والتشجيع إنما الواحد منهم يقوله تعرف أنا شفت ست مارى وهى بتعمل الحركة الفلانية أو الكلمة الفلانية عشان تقفل عليك».
ثم تكمل تدفق حكيها الذى يحمل مرارة عن عادل قائلة: «الفرقة مفيهاش إدارة داخلية.. أنا مش بعيب على عادل من الناحية الفنية.. عادل كويس خالص لكن المعاملة بتاعته مكانتش لطيفة، ده أول شرط مكتوب عندى فى اتفاقنا اللى ماضيين عليه المعاملة الكويسة والألفة والتفاهم الحسن بيننا وبين بعض.. كنت دايمًا أقول بكرة الأمور تتصلح لكن الجو كان وحش وعادل رغم إنى بعتبره زى ابنى وأشيله على كتافى مكانش الابن البار المحب أبدًا.. بيسمع كلام اللى حواليه».
كان حوار مارى الطويل مع «الكواكب» يدور فى أغلبه عن خلافها مع عادل، ولكنها لم تنس أن توجِّه لومًا صريحًا للأب بديع خيرى، حيث قالت فى غمرة فضفضتها: «أنا ياما أخدت طلعت (تقصد مدير الفرقة) ورحت لبديع البيت وهو وافق على كل الروايات اللى قدمتهاله، وكان مفروض نقدمها إنما اتركنت لأنها بطولتى.. اتركنت ليه؟!.. هو أنا بعد ٤٠ سنة أشتغل ترسو؟!».
وعندما عرضت «الكواكب» أن تكون واسطة خير بينها وبين عادل وفرقة الريحانى لتعود لمكانها قالت «معنديش مانع»، على أن يلتزم عادل بالشروط المبرمة فى الاتفاقية.
وبالفعل أخذ صحفى «الكواكب» ملخصًا لحديث مارى وذهب إلى عادل، الذى كان حينها يعيش آخر شهوره، حيث مات بعد أقل من ٣ أشهر من ذلك الحوار ونشرت «الكواكب» حوارها مع عادل بعنوان «عادل خيرى يقول: مارى منيب فى مكانة أمى».. وهو كما يبدو عنوان متفائل يوحى بأن الخلاف إلى زوال وستعود مارى لفرقتها.. لكن العنوان لم يكن سوى تخفيف لما قاله عادل داخل الحوار الذى تحدث فيه بحرقة عن هجوم مارى المتواصل عليه فى الصحف دون داعٍ، حيث قال:
«ما نُشر على لسانها كان طعنًا وتجريحًا، ومع ذلك لم يغضبنى لأنى أقدر الظروف المحيطة بها، لكننى كنت أتمنى لو أن السيدة مارى منيب وقد بلغت قمة النجاح لم تتناول واحدًا مثلى لا يزال فى بداية الطريق بهجوم ملىء بالتجريح ومسىء للكرامة».
وأغلق عادل، الذى كان غاضبًا جدًا، كل منفذ يحاول أن يفتحه صحفى «الكواكب» لإتمام الصلح بين الاثنين ويكسب سبقًا صحفيًا مهمًا لمجلته.. وقال عادل إنه على استعداد ليزورها فى بيتها ويصالحها لأنه يقدرها ويحترمها وهى عنده فى مقام أمه، لكن التعاون بينها وبين الفرقة أصبح مستحيلًا، على حد قوله.. ولم يرد أن يذكر الأسباب مكتفيًا بقوله «السيدة مارى تعرف الأسباب جيدًا»، وعندما قال له صحفى «الكواكب» إن مارى ذكرت الأسباب كاملة فى ندوتها بـ«الكواكب»، قال عادل غاضبًا:
لا أبدًا.. إنها لم تذكر الحقيقة، لأن الحقيقة تسىء إليها قبل أن تسىء إلى أحد آخر.
وهكذا فشلت مهمة «الكواكب» فى الصلح بين مارى وعادل، واستمرت الضغينة تكبر بين الاثنين خاصة عادل الذى كان يعيش ذروة حربه الضروس مع مرضه الذى قضى عليه بعد أسابيع قليلة من تلك المحاولة.
وصية عادل المخبأة: «مش عاوز مارى منيب تزورنى».. وشهادة صديقه: كان يخرج من كل خناقة معها على المستشفى
هل نستطيع أن نقول إن مارى ربما تكون سببًا غير مباشر فى شراسة مرضه المعروف أصلًا بتأثره بالحالة النفسية للمريض ما عجّل بوفاة عادل؟
ربما نعم.. ربما لا والتساؤل ليست له علاقة بقدر الله، فساعة عادل بالتأكيد كانت مكتوبة.. لكن ظهور وصية مجهولة بعد سنوات تجعل للفرضية منطقًا.
الوصية قرأها صحفى «الكواكب» حسين عثمان بحكم صداقته لعادل ووجوده فى الدقائق الأولى بجوار جثمان عادل بعد أن فارقته الحياة.. واطلاعه بغريزة الصحفى على أوراق عادل الأخيرة التى كتبها فى ساعاته الأخيرة.
الغريب أن حسين عثمان كتب فى عدد «الكواكب» بعد الوفاة مباشرة عن بعض من تلك الأوراق وترك ورقة وحيدة شديدة الحساسية لم يأت على ذكرها وأثرها فى نفسه مدة سبع سنوات حتى نشرها فى عدد «الكواكب» فى يونيو ١٩٧٠ بعد أن مات الجميع عادل وبديع ومارى.
ما علاقة مارى منيب بالأمر؟
حسين عثمان كتب معاتبًا فرقة الريحانى سنة ٧٠ على عدم تكريم عادل خيرى فى ذكراه، تحلل من سره الدفين الذى حبسه ٧ سنوات، حيث قال إن عادل قبل أن يموت بساعات طلب من زوجته إيناس حقى ورقة وقلمًا، وكتب على الورقة أغرب وصية له، وكانت تخص مارى منيب، حيث كتب: «وصيتى ألا تزورنى مارى إطلاقًا فى المستشفى».
وقعت زوجته الجميلة فى حيص بيص كيف تنفذ رغبة عادل المحرجة، وهل ترفض زيارة مارى منيب النجمة الكبيرة؟ فألقت الزوجة بكرة اللهب فى حجر زملائه الفنانين فى الفرقة الذين كانوا يزورونه بالصدفة، وكلفوا واحدة منهم وهى جمالات زايد بسرعة إبلاغ مارى قبل أن تحضر إلى المستشفى ويحدث الحرج العظيم.. لكن جمالات اعتذرت لصعوبة الموقف، لأنها لا تجرؤ أن تقول لمارى نجمة الفرقة الأولى وربيبة الريحانى هذا الكلام.. لكن لم تمر ساعات حتى رفع عادل خيرى بنفسه الحرج عنهم جميعًا، ومات قبل أن تزوره مارى.. وظلت مارى منيب حتى وفاتها بعد ذلك بست سنوات لم تعرف أن عادل خيرى مات وهو لا يطيق رؤيتها، وكأنه يحملها بشكل غير مباشر انتكاسة صحته.
إذن كانت تلك الوصية المخيفة لها خلفية رصدها أيضًا الصديق حسين عثمان فى مقاله الكاشف، حيث بدأ الأمر قبل سنوات عندما ترسخت مكانة عادل خيرى كنجم لفرقة الريحانى ومديرها. فقد قرر أن يجعل من الفرقة مدرسة أو معهدًا للتمثيل، فضم إليها عددًا من الشباب من الجنسين، وكان يوجه اهتمامًا كبيرًا للبراعم الجديدة ويسعى لإعطائها فرصًا كبيرة لإثبات وجودها، وهنا ثارت الخلافات مع نجمة الفرقة القديمة مارى منيب التى رأت أن ما يفعله عادل بمنح هؤلاء الشباب أدوارًا بارزة يكون على حساب أفراد الفرقة القدامى.. وقامت مارى منيب بالانسحاب أكثر من مرة للضغط على عادل، فكان الأب بديع خيرى يضطر للتدخل والتودد إلى مارى والرضوخ لضغوطها حرصًا على تماسك الفرقة التى أنشأها بعرقه وعرق الريحانى.
عادل لم يعجب بما يفعله والده كل مرة فقرر أن يُخيّر والده بين أن يعتزل التمثيل تمامًا أو أن يطلق يده فى إدارة الفرقة وتطويرها وفق رؤيته، دون الرضوخ لضغط مارى منيب الإنسانى.. وكان بديع بخبرته الطويلة يمتص غضب الجانبين.. جانب مارى وجانب ولده عادل ويهدئ الأمور المشتعلة، وكانت معاهدة ٦٢ التى ذكرتها «الكواكب» سابقًا واحدة من وسائل بديع للتهدئة بينهما.. ثم سرعان ما تعود الخلافات مجددًا عندما تعترض مارى بعنف على أى شىء يفعله عادل.. وعلى ما يبدو أن صحة عادل المُعتلة من الأساس لم تتحمل كل هذا الضغط من مارى حتى إنه، طبقًا لرواية صديقه، كان فى كل مرة تقع خلافات بينه وبين مارى يدخل على إثرها المستشفى يعالج من مضاعفات السكر الذى تؤثر عليه الحالة النفسية بطبيعة الحال.
مارى باكية: لن أقف على مسرح الريحانى بعد ذهاب ابنى عادل
السؤال هنا على الرغم من كم الخلافات السابقة، هل كانت مارى تدرك ما يشعر به عادل تجاهها.. أو بمعنى آخر هل أخبرها أحد بأن عادل مات وهو يشعر بالغضب الشديد منها للدرجة التى جعلته يفكر أول ما يفكر فى الإفاقة من غيبوبته أن يطلب من زوجته ورقة وقلمًا ليكتب فيها وصيته ألا تزوره مارى منيب إطلاقًا؟
الإجابة بكل تأكيد لا.
وأغلب الظن أن مارى كانت تعتبر عادل ابنها فعلًا، وحتى فى خلافاتها القاسية معه كانت تتعامل من منطلق «الأم التى تدعو على ولدها وتكره اللى يقول آمين»، طبقًا للمثل المصرى الشهير.
دعنا من الكلام الإنشائى وتعالَ معى نقرأ ما قالته مارى منيب فى حوارها الممتع فى مجلة «آخر ساعة» بتاريخ ١ يناير ١٩٦٤.. أى بعد أشهر قليلة من وفاة عادل خيرى. الحوار أجرته نجمة «آخر ساعة» إيريس نظمى، وكان بعنوان موجع على لسان مارى:
«قلبى يبكى عندما يضحك الناس».
ذهبت محررة «آخر ساعة» لمنزل مارى فى شبرا الذى تسكن فيه منذ ٣٥ عامًا.
استقبلت مارى الصحفية الشابة بترحاب شديد أظهرته الصور المرفقة بالحوار وهى تضحك وتداعب قططها «سعد وزتونة وسكر ولايكا» هكذا أسمتها مارى. تحدثت مارى كثيرًا عن أيام الحزن والدموع الطويلة التى عاشتها بعد وفاة أستاذها الريحانى.. لكن ما يهمنا هنا ما قالته مارى عن عادل خيرى، حيث جاءت الإجابة موجعة، تظهر ما حملته تلك السيدة لعادل وتنفى معرفتها بوصية عادل من الأساس، حيث قالت بالنص فى إجابة لسؤال إيريس عن سبب تركها فرقة الريحانى مؤخرًا: «بعد ما عادل راح.. من المستحيل أن أقف على مسرح الريحانى مرة أخرى، فأنا عندما حزنت على نجيب كنت شابة فى مقتبل عمرى وكان جسدى يحتمل الحزن والعذاب، لكن الآن أصبحت ست كبيرة لم أستطع تحمل الحزن طبعًا، وكيف أقف على مسرح الريحانى ولا أرى عادل يمثل أمامى.. عادل الطفل الذى ربيته على يدىّ إلى أن أصبح بطلًا.. يعز على نفسى جدًا أن أذهب ولا أجده، إن قلبى وأعصابى لا تحتمل وأنا مريضة بالقلب وأخشى على عمرى.. أصل أنا متلصمة».
انتهى كلام مارى عن عادل طفلها الذى رأته يكبر بين يديها، ولكنها قست عليه كما تقسو الأم على صغيرها وهى تظن أنها تحسن صنعًا، يجعلها هذا الظن أحيانًا لا ترى تبعات قسوتها عندما تزيد عن حدها على الصغير.. خاصة إذا كانت صحته مُعتلة، وهذا تقريبًا ما حدث مع عادل الذى زادته خلافاته مع أمه مارى مرضًا على مرض وأثقلته بالضغوط النفسية التى جعلت مناعته هشة تجاه هجمات السكر المتتالية التى لا ترحم.. حتى أجهز المرض عليه فى أول مايو ١٩٦٣ على خلاف ما هو منشور من معلومات عنه على الشبكة العنكبوتية أنه توفى فى ١٢ مارس.. وأوراق الصحف التى أرّخت يوم موته لا تكذب.. وليصحح الإنترنت إذن معلوماته. وهكذا انتهت حياة عادل خيرى الفتى الناضح بالموهبة والحضور وهو يرفض حتى رؤية مارى منيب.. وظلت مارى تبكيه ٦ سنوات تالية دون أن تعرف أنه مات «واخد على خاطره منها»، وهو تعبير عامى على سبيل التخفيف.. حتى لا نقول مقهورًا منها.
رحم الله الجميع عادل ومارى وبديع.