محللون: مصر لن تقبل وجود جندى إسرائيلى واحد فى محور «فيلادلفيا»
أطلق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، موجة جديدة من الأكاذيب، خلال مؤتمر صحفى جديد من مدينة القدس المحتلة، ليواصل بذلك وضع العراقيل أمام إتمام المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتبادل الأسرى والمحتجزين.
وأجهض «نتنياهو»، بتأكيده بقاء قوات جيش الاحتلال فى محور «فيلادلفيا»، كل محاولات ومفاوضات وقف إطلاق النار، التى كان من المقرر استئنافها، اليوم، ما أشعل غضب أهالى المحتجزين الإسرائيليين فى غزة، الذين وصفوا تصريحات رئيس حكومتهم بأنها بمثابة حكم إعدام بحق باقى المحتجزين.
وأكد كثير من المحللين السياسيين، إلى جانب أسر أهالى المحتجزين أنفسهم، أن «نتنياهو»، من خلال تصريحاته وادعاءاته الكاذبة المستمرة، يسعى إلى إطالة أمد الحرب الحالية، خوفًا من محاسبته عقب انتهاء فترة حكمه، فى ظل اعتقاده بأن نهاية حرب غزة هى نهاية مؤكدة له.
وقالت الدكتورة تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية الفلسطينية، إن التصريحات الأخيرة لـ«نتنياهو» تأتى فى مضمار الاستفزاز المتواصل، وصولًا إلى التصعيد المباشر، فى ظل أن بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلى فى محور «فيلادلفيا» لا يعد تحديًا للجانب الفلسطينى فحسب، وإنما تحدٍ للجانب المصرى.
وأضافت الباحثة الفلسطينية: «هذه التصريحات تأتى ردًا على مواقف مصر، وإفشالها مخططات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، التى تأتى ضمن (صفقة القرن)، وأهم بنودها الرامية لاستقطاع ٧٥٠ كم من سيناء لصالح الفلسطينيين، من أجل إقامة (دويلة غزة)».
وواصلت: «إفشال مصر مخطط التهجير القسرى جعل الاحتلال الإسرائيلى يريد الانتقام منها، من خلال تحديها بإبقاء قواته العسكرية فى محور فيلادلفيا، مع إطلاق تصريحات حول وجود أنفاق تحت الأرض، وهى تصريحات تُظهر إبداع نتنياهو فى بث روايات كاذبة مضللة بعيدة تمامًا عن الحقيقة».
وأكملت: «المعدات العسكرية لحركة (حماس) تصنيع محلى، من خلال الترسانة الحديدية التى كانت تدخل من معبر كرم أبوسالم، إضافة إلى المال القطرى الذى كان يتم إدخاله من معبر إيريز (بيت حانون)، بموافقة نتنياهو نفسه وليس مصر».
وتابعت: «فشل نتنياهو فى التنبؤ بحدوث (طوفان الأقصى) دفعه إلى إلقاء اللوم على مصر، وقلب الحقائق أمام الداخل الإسرائيلى»، مؤكدة أن «تصريحات نتنياهو رسالة استباقية لإفشال مسار المفاوضات، التى يرغب فى عدم نجاحها حتى مجىء ترامب إلى حكم البيت الأبيض».
وقال الدكتور صلاح عبدالعاطى، رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين «حشد»، إن التصريحات الأخيرة لـ«نتنياهو» تأتى فى ظل تصاعد الاحتجاجات الداخلية ضده فى إسرائيل، التى تطالب بإتمام اتفاقية لتبادل الأسرى والمحتجزين، وهو ما يرفضه رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذى يتعمد استخدام المفاوضات كغطاء لإطالة أمد الحرب.
وأضاف «عبدالعاطى»: «المؤتمرات الصحفية الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى تأتى من أجل إفشال جهود الوسطاء الساعية لإنهاء العدوان وتبادل الأسرى، من خلال التمسك بمحور فيلادلفيا، والتصعيد فى مواجهة مصر، واتهامها بتسهيل تهريب الأسلحة».
وواصل: «كل هذا يهدف إلى تحدى مصر، فى ظل رفضها تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وإصرارها على انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، الذى يشكل الوجود الإسرائيلى فيه خرقًا لاتفاقية كامب ديفيد، وكذلك اتفاقية المعابر».
وأكمل: «نتنياهو لا يعبأ بالعلاقات المصرية- الإسرائيلية، ولا أى علاقات أخرى، كل ما يهتم به هو استمرار بقائه فى الحكم، لذا يطلق الأكاذيب تلو الأخرى، بهدف إطالة أمد الحرب، وإنهاء أى جهود للوسطاء، ظنًا منه أن الأمر يخدم بقاءه فى الحكم، لحين وصول ترامب إلى حكم الولايات المتحدة، والذى يمكن أن يدفع تجاه تنفيذ مشروع اليمين المتطرف لتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير سكان غزة وأهالى الضفة، وضم أراضٍ جديدة».
وتوقع أن تكون تصريحات «نتنياهو» تأثيرًا سلبيًا على أجواء المفاوضات، وقدرة الوسطاء على الوصول إلى مقاربات تسمح بإتمام الصفقة، فضلًا عن تأثيرها على تدخلات الوسيط الأمريكى، فى حال تراجع «نتنياهو» عن قبول ما سبق أن وافق عليه، فرئيس «الموساد» أكد أن الأخير وافق سابقًا على الانسحاب من محور «فيلادلفيا».
واختتم «عبدالعاطى» بقوله: «نحن أمام تصريحات تهدف إلى وقف المفاوضات نهائيًا، وإرسال رسالة إلى الوسطاء، خاصة مصر والولايات المتحدة، مفادها أن نتنياهو سيتصدى بكل قوة لأى صفقة تبادل».
أما الدكتور نزار نزال، الباحث الفلسطينى المختص فى الشأن الإسرائيلى، فقال إن «من الواضح أن نتنياهو يريد خلق جو من الفوضى فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال تحويل محور فيلادلفيا إلى (مسمار جحا)، رغم ابتعاد إسرائيل عنه طوال ١٩ عامًا كاملة، ورغم أن نتنياهو نفسه صوت لصالح هذا الانسحاب، فى ٢٠٠٥، حين كان وزيرًا للمالية».
وأضاف «نزال»: «نتنياهو يريد أن يعوق المفاوضات، وينسف جهود الوسطاء لعقد صفقة لوقف الحرب، إلى جانب التصعيد مع مصر، وهو ما تنبهت إليه الولايات المتحدة، وكذلك مصر التى وجهت رسالة إلى واشنطن لمطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بضرورة ضبط الإيقاع، وإلا الأمور لن تكون خيرًا».
وواصل: «مصر دولة كبيرة ولها جيش كبير تخشاه الدولة العميقة والعلمانيون فى إسرائيل، لكن نتنياهو يريد التصعيد مع مصر، وأن يخوض فى مناوشات معها، بل حتى يريد إلغاء ملاحق اتفاقية كامب ديفيد لعام ٢٠٠٥، ما دفع مصر لتوجيه رسالة إلى الأمريكيين حول ذلك، ولعل هذا ما يفسر مكالمة بايدن العنيفة مع نتنياهو».
وتابع: «ما زال نتنياهو متمسكًا برأيه، وسط إصرار مصرى على انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، وإتمام المفاوضات وفق ما تم الاتفاق عليه»، متوقعًا أن يتجاوب الإسرائيليون مع الرؤية المصرية فى النهاية، لأن مصر دولة ذات ثقل سياسى قوى، ولديها إمكانات عسكرية وجيش قادر على حماية حدود البلاد.
واختتم بقوله: «وجود قوات إسرائيلية فى محور فيلادلفيا هو انتهاك صارخ للاتفاقيات الموقعة بين مصر وإسرائيل، ويهدد الأمن القومى المصرى، لذا فإن مصر لن توافق على وجود جندى واحد فى المحور».