علي جمعة: الحمد والشكر منهج حياة
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن المعاني كثيرة تبدأ بالمعرفة، ثم بالعمل، ثم بالاستمرار على العمل؛ حتى تكون لك عادة لا تتخلى عنها، ثم بعد ذلك تحولها إلى منهجِ حياة تعيشه ويعيش فيك.
ومن هذا "الحمد، والشكر" وأعلى الحمد والشكر هو لله رب العالمين، تعرفه وتعمل به ثم تديم العمل عليه، حتى يصير لك معيشةً ومنهجًا ؛ فتعيش في الحمد، ويعيش الحمد فيك.
ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ أمرنا بالشكر لله رب العالمين، وحتى يحوله إلى عمل، قال: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ وحتى يصير لنا عادة، قال في ركن الصلاة، في فاتحة الكتاب: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ففرضها عليك، وفرض عليك تكرارها في الصلاة ؛ فتديم العمل.
كل ذلك في ظاهر القول؛ وَلَكِنَّ الذي يجب أن تنقل نفسك إليه أن يكون الحمد منهجًا تعيشه ويعيشك، فتظل في كل حركاتك وسكناتك في دائرة الحمد لله رب العالمين.
عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله ﷺ، أخبرنا بِمَا هو كائن في الغيب، فقال: «إن الملائكة إذا قبضت ولد أحدكم، ناداها الله سبحانه وتعالى، فقال: أقبضتم روح ولدِ عبدي؟ فيقولون: نعم، يا ربنا، فيقول جل جلاله: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: قال: الحمد لله». لم يتبرم بقضاء الله والمصيبة جلل، فَقَدَ ابنه ولعله أن يكون وحيدًا، وكل ما ظل الولد أمامك ينمو ويكبر كل ما تعلق قلبك به.
يقول ربنا جل جلاله في علاه: «ابنوا لعبدي بيتًا، وسموه: بيت الحمد».
إذن، فالحمد أصبح منهج حياة.
يقول سيدنا النبي ﷺ: «مَنْ لم يشكر للناس، لا يشكر الله». فإذا قدم أحدهم إليك معروفًا، فينبغي عليك أن تقول له: "جزاك الله خيرًا، شكرًا". فإذا لم تفعل، وقلت: "الحمد لله"، ولم تشكر مَنْ أجرى الله الفضل على يديه، فإن الله لا يقبل منك هذا الحمد.
إذن الأمر تعدى مرحلة الاعتقاد والفعل والدوام عليه ؛ إلى مرحلة المعيشة فيه وأن يعيش فينا، حتى إن الله سبحانه وتعالى، يربط شكر الناس بشكره: «مَنْ لم يشكر للناس، لا يشكر الله».
وسيدنا النبي ﷺ يقول: «إن الله يحب من أحدكم إذا أكل أكلة: أن يحمد الله، وإذا شرب شربة: أن يحمد الله».
ما هذا الجمال؟ إنه المعيشة، إنه الدخول في تفاصيل حركات الحياة، وربطها برب العالمين، إذا وصلت أيها المؤمن، إلى درجة أن تعيش في الحمد، وأن يعيش الحمد فيك، هل ستكون غافلًا عن ذكر الله؟ هل ستفعل المنكرات ؟
"الحمد" معنى من المعاني التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها وهى كثيرة؛ لكن كلها على هذا المستوى: "معرفةٌ"، فـ "عملٌ"، فـ "دوامٌ"، فـ "معيشة ".
ولما فَقَدت الناس هذه المعاني لم يحسنوا عملها، وبالتالي لم يدوموا عليها؛ ولذلك لم يعيشوا فيها، ورأينا ما رأينا؛ من تفككٍ في المجتمع، ومن أن أحدهم يهرف بِمَا لا يعرف، وانعكست الأحوال، وابتعدنا عن منهج الله؛ بل صور بعضهم منهج الله على غير ما هو عليه، فكان حجابًا بين الخلق والخالق، وَصَدَّ عن سبيل الله ؛ وكل ذلك يقتضي غضب الله ولا يقتضي رضا الله.