أسرار «تليجرام» العسكرية!
بكفالة قيمتها ٥ ملايين يورو، مع وضعه تحت رقابة صارمة، وإلزامه بعدم مغادرة البلاد وتسجيل حضوره لدى الشرطة مرتين فى الأسبوع، أطلقت فرنسا، مساء الأربعاء، سراح بافيل دوروف، مؤسس تطبيق «تليجرام» ورئيسه التنفيذى، الذى تم إلقاء القبض عليه، السبت الماضى، بعد هبوط طائرته الخاصة فى مطار «باريس لوبورجيه» القريب من العاصمة الفرنسية، على خلفية اتهامات مختلفة تتراوح بين الاحتيال وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة والإرهاب و... و... وجرائم خطيرة أخرى.
حكومات عديدة حاولت استمالة صاحب «تليجرام» والسيطرة عليه، لكنها فشلت فى الأمرين. وفى حوار مع المذيع الأمريكى تاكر كارلسون، قال رجل الأعمال الروسى الفرنسى الإماراتى، فى أبريل الماضى، إنه زار الولايات المتحدة عدة مرات، ودائمًا ما كان يستقبله عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالى فى المطار ويحاولون إقناعه بالتعاون معهم. كما ذكرت مصادر عديدة أن الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، تناول معه الغداء، سنة ٢٠١٨، وطلب منه نقل مقر شركته إلى فرنسا. والطريف هو أن الرئيس الفرنسى برّر، الخميس، قرار منح «دوروف» الجنسية الفرنسية، الذى صدر سنة ٢٠٢١، بأنه جاء نتيجة «استراتيجية» تتعلق بأولئك الذين «يبذلون جهدًا لتعلم اللغة الفرنسية ويتألقون فى العالم»!
فى مقال سابق، أشرنا إلى أن التطبيق، الذى يزيد عدد مستخدميه على ٩٠٠ مليون، يكاد يكون هو المنصة الوحيدة التى لا تفرض رقابة على المحتوى المتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، أو بالعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، كغيره من المنصات، التى تقوم بتعليق أو حظر الحسابات، التى تشتبه فى انحيازها لروسيا، أو تنتقد المجازر الإسرائيلية. كما نقلنا عن بيان أصدرته السفارة الروسية فى باريس، أنها طالبت السلطات الفرنسية بمعرفة أسباب احتجاز «دوروف» والسماح بزيارة قنصلية، وقوبل طلبها بالرفض.
لاحقًا، قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، إن فرنسا تدهس، بشكل فج، المعايير الدولية لحرية الرأى والتعبير، وأكدت أن الدبلوماسيين الروس يفعلون ما يجب عليهم فعله. كما قال ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، إن «الاتهامات الموجّهة لدوروف خطيرة جدًا، وتتطلب إثباتات على القدر نفسه من القوة، وإلا فسيكون من الواضح أن هذه هى محاولة لتقييد حرية التواصل والترهيب المباشر». والخميس، تحدث «بيسكوف»، مجددًا، عن القضية وطالب بألا «تتحول إلى اضطهاد سياسى»، مؤكدًا أن بلاده «ستراقب ما سيحدث» فى هذه القضية.
رد الفعل الروسى الغاضب و«غير العادى»، على قضية «دوروف»، أرجعته جريدة «وول ستريت جورنال» إلى خوف روسيا من تسريب أسرارها العسكرية. وأوضحت الجريدة الأمريكية، أو زعمت، فى تقرير نشرته الخميس، أن الجنود والجواسيس الروس يعتمدون على تطبيق «تليجرام»، بشكل أساسى، فى تنسيق تحركاتهم وجمع المعلومات المخابراتية. كما نقلت عن أليكسى روجوزين، المستشار بالبرلمان الروسى، الذى عمل سابقًا مديرًا تنفيذيًا فى مجال الصناعات العسكرية، أن كثيرين يمزحون بشأن احتجاز «دوروف» ويقولون إنه «اعتقال لكبير ضباط الإشارة فى القوات المسلحة الروسية»!
أيضًا، كشفت وسائل إعلام روسية عن صدور تعليمات للموظفين الحكوميين بحذف سجلات محادثاتهم على «تليجرام». وفى حسابه على التطبيق نفسه، كتب أندريه ميدفيديف، مراسل التليفزيون الروسى الرسمى، أن اعتقال «دوروف» لم يكن سيُحدث مثل هذا الصدى فى روسيا، إلا بسبب المراسلات الحربية، واصفًا التطبيق بأنه «بديل للشبكة العسكرية السرية». غير أن سيرجى ناريشكين، مدير المخابرات الخارجية الروسية، قال فى حوار مع وكالة أنباء «تاس»، إنه لا يتوقع أن يشارك «دوروف» أى معلومات من شأنها الإضرار بالدولة الروسية مع الحكومة الفرنسية أو غيرها من الحكومات الغربية.
.. أخيرًا، وإلى جانب الأسئلة الكثيرة بشأن توقيت وظروف وملابسات احتجاز صاحب «تليجرام» فى فرنسا، وما قد يتعرض له من ضغوط ومساومات لتسوية القضية، نرى، وربما ترى أنت، أيضًا، أن هناك سؤالًا، بديهيًا ومنطقيًا ومشروعًا، حول طبيعة التنازلات التى قدّمها، ويقدّمها، أصحاب المنصات الأخرى، الذين لا يتعرضون لملاحقات، أو مضايقات، من حكومات الدول التى يقيمون فيها أو يتردّدون عليها.