رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصاديون: الاقتصاد يعانى من التوترات الجيوسياسية فى دول الجوار

التوترات الجيوسياسية
التوترات الجيوسياسية

أكد خبراء اقتصاديون أن التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، واشتعال حدود مصر الثلاثة: الجنوبية «السودان»، والشرقية «فلسطين»، والغربية «ليبيا»، تؤثر سلبيًا بشكل كبير على الاقتصاد المصرى، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة، والخلل فى سلاسل الإمداد وحركة الملاحة العالمية.

وأوضح الخبراء، الذين تحدثت إليهم «الدستور»، أن التأثيرات السلبية للحروب والنزاعات فى البلدان المجاورة، مثل السودان وفلسطين وليبيا، تشمل تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة، وبالتالى تراجع النمو الاقتصادى بصفة عامة، وزيادة معدلات البطالة.

ورأوا أنه من أجل مواجهة هذه التحديات تحتاج مصر إلى محفزات استثمارية واقتصادية جديدة، ودعم وتعميق الصناعة المحلية، والتوسع فى الاستثمار الزراعى، على ضوء أن الزراعة والصناعة من الحلول الدائمة لتنمية الاقتصاد خلال الأزمات والحروب.

تأثير سلبى على التجارة والاستثمار والتنمية البشرية

نبّه الدكتور حامد جميل، عضو مجلس إدارة شركة «سيناء للمنجنيز» التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، إلى التأثير السلبى الكبير للحروب والأزمات الجيوسياسية على الاقتصاد الوطنى، خاصة فيما يتعلق بتراجع معدلات التجارة والاستثمار.

وقال «جميل» إن النزاعات فى ليبيا والسودان تؤثر على حركة البضائع والخدمات بين مصر وهذين البلدين الشقيقين، ما يؤدى إلى تراجع معدلات الصادرات والواردات، إلى جانب تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأن المستثمرين يتجنبون الاستثمار فى منطقة غير مستقرة.

وأضاف: «تأثيرات الحروب فى البلدان المجاورة على مصر تتضمن كذلك تراجع الإيرادات العامة، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع التنمية البشرية، ما يصعب من مهمة الدولة فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى بسبب هذه الظروف الصعبة».

وعن سبل مواجهة هذه التحديات، قال الاستشارى الاقتصادى: «للتعامل مع هذه التحديات تحتاج مصر إلى اتخاذ إجراءات وإصلاحات اقتصادية فورية، على رأسها تعزيز آليات دعم الفئات السكانية الأكثر احتياجًا، وإصلاح سوق العمل، وتعزيز التعاون الاقتصادى الإقليمى، علاوة على تعزيز الاستثمارات فى البنية التحتية والخدمات الأساسية، لتحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة».

وقال المهندس أسامة حفيلة، رئيس جمعية مستثمرى دمياط، إن مصر تأثرت بشكل كبير بالحروب فى البلدان المجاورة، ويأتى على رأس هذه التأثيرات تراجع النمو الاقتصادى، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع إيرادات السياحة وقناة السويس. وأضاف «حفيلة»: «للتعامل مع هذه التحديات تحتاج مصر إلى اتخاذ إجراءات مستهدفة وإصلاحات اقتصادية، لضمان الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى، وتحقيق التنمية المستدامة».

 

مواجهة النزاعات الإقليمية بروح وخطط اقتصاد الحرب

توقع الخبير المصرفى، محمد عبدالعال، وجود تأثير سلبى على مصر نتيجة الحروب والنزاعات الإقليمية بالمنطقة واشتعال الحدود الثلاثة فى ليبيا والسودان وفلسطين، مشيرًا إلى أن نتائج هذه الحروب اقتصاديًا تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مصر  بكل ما تحمله من مخاطر اقتصادية وتوترات جيوسياسية وأوضاع اجتماعية متدنية إلى دول الجوار.

وأشار «عبدالعال» إلى أن مصر حاليًا بحكم موقعها الجغرافى، ومن واقع مسئولياتها القومية التاريخية، تواجه على أرض الواقع حزمة من توترات وحروب ونزاعات مشتعلة فى منطقة ثلاثية الحدود والجبهات.

وأضاف: هناك الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والإسرائيلى اللبنانى، والإسرائيلى الإيرانى، ثم النزاع والانقسام السودانى، والنزاع والانقسام الليبى، وفى حال استمرار تمدد تلك الصراعات وتوسع أطرافها فمن المؤكد أن تكون لها تداعيات مشابهة لتداعيات صدمتى كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، خاصة فى الجانب الاقتصادى والتأثير السلبى المتوقع على ارتفاع الأسعار نتيجة احتمال توقف خطوط الإمداد، وبالتالى احتمال عودة الضغوط التضخمية بعد أن نجحت أدوات السياسة النقدية التقييدية للبنك المركزى المصرى فى كبح جماحه وأخذ معدله يسجل منحنى هبوط.

ولفت إلى أنه لا أحد يتصور كم تتكبد مصر من نفقات لتلبية احتياجات الضيوف الموجودين على أرضها نتيجة هروبهم من مخاطر تلك الحروب والنزاعات فى بلادهم، كما أن الحروب أدت إلى تقلص ونقص ملموس فى المصادر التقليدية السيادية المعروفة، والتى تمثل حجر الأساس فى توفير احتياجات البلاد من النقد الأجنبى اللازم لتمويل عمليات الاستيراد وسد الفجوات النقدية لضمان استقرار أسواق النقد والمال وسعر الصرف.

وأوضح: «خير دليل على ذلك، الانخفاض الكبير فى إيرادات قناة السويس نتيجة توترات البحر الأحمر، وانتقاص الدخل السياحى، لخوف السياح القادمين للمنطقة، مقارنة بما كان متوقعًا ومخططًا قبل تلك الحروب، وتترتب على ذلك آثار سلبية على مستويات التشغيل والاستثمار الأجنبى، وعلى توازن ميزان المدفوعات والميزان التجارى، واستمرار تلك الحروب والصراعات سيؤدى حتمًا إلى التوجه لزيادة الإنفاق الدفاعى، ما يعنى مزيدًا من الضغط على الموازنة والتأثير على بنود الإنفاق الأخرى». 

وتابع: «إن لم تتوقف الصراعات فستكون بمثابة فرامل تبطئ من عملية تنفيذ خطط التنمية المستدامة، وترفع من معدلات الفقر لدى غالبية دول المنطقة».

وأشار إلى أنه على مصر أن تواجه الأمر بروح وخطط اقتصاد الحرب أو خطط إدارة الأزمات، فعلى سبيل المثال يتعين الاعتماد على الإنتاج المحلى بقدر المستطاع، ووضع خطط بديلة لتوطين الصناعة والتصنيع الزراعى وتوفير مصادر لجلب السلع الاستراتيجية ومستلزمات الإنتاج من أماكن بديلة وتوسيع دوائر وقنوات تصدير السلع المحلية.

وأضاف: «من أهم احتياطيات المواجهة لأى تطور فى حروب المنطقة هو توفير مخزون كافٍ من كل الاحتياجات الضرورية لفترات معقولة تحقق الأمن الغذائى بأسعار معقولة، كما أن تكثيف وتعميق سبل التعاون والدعم من مؤسسات التمويل الدولية سيكون أمرًا جوهريًا».

 

زيادة تكلفة استيراد النفط تزيد الأعباء على الموازنة

اتفق الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، حول التأثير السلبى الكبير للتوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة فى السودان وفلسطين وليبيا، على الاقتصاد المصرى.

وقال «غراب» إن أول هذه التأثيرات السلبية بدأ بتراجع إيرادات قناة السويس بسبب اضطرابات حركة الملاحة فى البحر الأحمر جراء هجمات «الحوثيين»، ما أدى إلى تراجع أعداد السفن العابرة وحمولتها عبر القناة، مضيفًا: «وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء، تتعرض قناة السويس لخسائر من ٥٠٠ إلى ٥٥٠ مليون دولار شهريًا، نتيجة هذه الاضطرابات».

وواصل الخبير الاقتصادى: «الحكومة الليبية أعلنت عن إيقاف إنتاج النفط وتصديره فى جميع حقول البلاد، وفرض حالة القوة القاهرة، ما تسبب فى ارتفاع أسعار النفط بمقدار ٣٪، فى اليوم الأول لإصدار القرار».

وأكمل: «زاد هذا من المخاوف التى تشير إلى أن التصعيد فى الشرق الأوسط سيؤدى إلى اضطراب إمدادات النفط من المنطقة، ما ينعكس على ارتفاع سعر النفط، الذى تستورده مصر من الخارج، ما يرفع تكلفة استيراده، ويؤدى إلى زيادة الأعباء على الموازنة العامة للدولة».

وتابع: «تصاعد التوترات الجيوسياسية يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، فينتقل هذا التأثير إلى رفع أسعار السلع، خاصة الاستراتيجية مثل القمح، ما يتسبب فى رفع معدلات التضخم، خاصة أن رفع سعر النفط يرفع من سعر المحروقات وشرائح الكهرباء».

ونبّه إلى أن «التصعيد الجيوسياسى يتسبب فى هروب بعض الأموال الساخنة، وهى نوع من الاستثمار غير المباشر، ما يؤدى فى النهاية إلى تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار». وعن تأثير ما يحدث على السياحة المصرية، قال الخبير الاقتصادى: «وفقًا لتقرير رسمى صادر عن وزارة السياحة والآثار، بلغت إيرادات السياحة نحو ٦.٦ مليار دولار، خلال النصف الأول من العام الجارى، مع وصول عدد السائحين الوافدين إلى مصر لنحو ٧.١ مليون سائح، وذلك مقارنة بـ١٠.٩ مليار دولار خلال أول ٩ أشهر من العام المالى ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤».

وعن سبل مواجهة هذه التحديات، أوضح «غراب»: «لا بد من استمرار تنفيذ الدولة خطة تعميق التصنيع المحلى، خاصة تصنيع السلع التى نستوردها من الخارج، لتقليل فاتورة الواردات، وزيادة الإنتاج المحلى وخفض تكلفته، مقابل زيادة حجم الصادرات».

وأضاف: «نحتاج من الدولة إلى تقديم مزيد من الدعم للمستثمرين والمصنعين والمنتجين، لمساعدتهم على زيادة الإنتاج، والتوسع فى مشروعاتهم، إضافة إلى استمرار إقامة معارض ومنافذ وشوادر للسلع واللحوم على مستوى الجمهورية بأسعار مخفضة، على أن تتوافر طوال العام، لمحاربة جشع التجار وتوفير السلع للمواطنين».

 

الأزمات العالمية السابقة أطاحت باقتصادات دول كبرى

قال الدكتور كريم عادل، الخبير الاقتصادى رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إنه على الرغم بما تتمتع به مصر من موقع لوجستى متميز، فإن القدر جعلها مُحاصرة فى محيط إقليمى ملتهب شمالًا وشرقًا وجنوبًا وغربًا.

وأوضح «عادل» أن الدولة محفوفة بالمخاطر والتحديات ذات الانعكاسات والتأثيرات السلبية على الاقتصاد المصرى، ذلك أن جميع الأحداث والصراعات، بطبيعة أطرافها، قادرة على أن تؤثر على أى اقتصاد مهما كانت قوته.

وأشار إلى أن الأزمات العالمية السابقة أطاحت باقتصادات دول كبرى، والأمثلة على ذلك ليست ببعيدة، والاقتصاد العالمى بوجه عام، والاقتصاد المصرى بخاصة، لا يزالان فى مرحلة التعافى، ولم يفيقا من تداعيات آخر الأزمات، ما يجعل الأثر أكبر والضرر مضاعفًا. 

ولفت الخبير الاقتصادى إلى أن الأثر الأكبر سيكون على سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى وسلة العملات الأجنبية الأخرى نتيجة نقص الموارد الدولارية من مصادر الدخل الدولارى الأساسية، بسبب تأثر قناة السويس والسياحة والصادرات، وهو ما يترتب عليه زيادة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه نتيجة وجود طلب على الدولار، مع انخفاض المعروض منه بالتزامن مع وجود متطلبات والتزامات دولارية مستحقة على الدولة.

ولفت إلى أن تأثيرات الحرب والأوضاع المضطربة فى الفترة الحالية ستؤثر على اتجاهات المستثمرين ومعدلات الاستثمار، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وكذلك سوق الأوراق المالية المصرية، فالجميع يترقب وينتظر ما ستئول إليه هذه الأوضاع، لا سيما أن التوترات الجيوسياسية تؤثر على مستويات الأسعار عالميًا، ومن ثم أسعار السلع الاستراتيجية والأساسية فى الدولة التى تستورد نسبة كبيرة من احتياجاتها الغذائية والصناعية والدوائية، نظرًا لتأثر الممرات الملاحية ذات الصلة، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، بما فى ذلك أسعار النفط عالميًا التى تعد شديدة الحساسية والتأثر بالأحداث الإقليمية والعالمية.

وأضاف أن ذلك يأتى نتيجة زيادة الطلب، سواء نتيجة الصراعات والاضطرابات أو الاتجاه نحو تأمين كميات كبيرة كمخزون استراتيجى تحسبًا لمزيد من الارتفاعات فى الأسعار، ومن ثم ارتفاعات فى معدل التضخم وتباطؤ معدلات النمو فى ظل احتمالية تعطل سلاسل الإمداد والتوريد عالميًا.

وقال الخبير الاقتصادى إن قطاع السياحة شديد التأثر، خاصةً أنه يتم تصنيف الدولة المحاطة بالصراعات بكونها منطقة حمراء «Red Zone» ومن ثم تخوف المسافرين فى ظل تحذيرات الدول لرعاياها من السفر إليها، وبالتالى فإن الدولة عليها تبنى سياسات اقتصادية ووضع سيناريوهات استباقية لإدارة تلك الأزمة والحد من آثارها وتداعيتها السلبية.

وأضاف أن الأموال الساخنة التى عادت الدولة للاعتماد عليها ستكون من أكثر التهديدات ذات التأثير المباشر على سعر الصرف، فى ظل تفاقم الصراع العسكرى، فهى أموال تبحث عن استثمار آمن وبيئة مستقرة اقتصاديًا وأمنيًا.

وتابع: «إن تكثيف الجهود الدبلوماسية الجادة وتوسيع دائرة أطراف المفاوضات بإرادة حقيقية صادقة، بما فى ذلك دول الخليج والشرق الأوسط، من الممكن أن يسهم فى استقرار الأوضاع ليستفيد الجميع من زوال المخاطر والتأثيرات».