عبدالمنعم سعيد: "الحدود المشتعلة" تُعطل مسيرة التنمية فى مصر وتُحمل الدولة أعباءً كبرى (حوار)
◄الأوضاع المحيطة تترك تأثيرات شديدة السلبية على الأوضاع الاقتصاية الداخلية
◄ تراجع إيرادات قناة السويس وتهديد الاستثمارات وملف اللاجئين أبرز تأثيرات التوترات شرقًا وغربًا وجنوبًا
◄ لا أتوقع انفراجة قريبة فى المفاوضات بين إسرائيل و«حماس» لأن طرفى التفاوض لديهما نزعات انتحارية
◄ مصر نجحت فى السيطرة على الأوضاع فى ليبيا والمفاوضات مع تركيا أدت لاستمرار التهدئة هناك
◄ الوضع فى السودان خطير مع وجود ميليشيات مسلحة والبلد معرض للتقسيم حالة استمرار الصراع
أكد الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسى وعضو مجلس الشيوخ، أن الدولة المصرية محاطة بالعديد من التحديات والتهديدات التى تؤثر على أمنها القومى وعلى أوضاعها الداخلية والاقتصادية وغيرها من المجالات، ورغم ذلك تعاملت الدولة مع كل هذه الأزمات بنجاح.
وخلال حواره مع «الدستور»، كشف «سعيد» عن أن من بين التحديات التى تتعرض لها مصر، جراء الاضطرابات الحالية، إمكانية تورطها فى هذه الحروب والصراعات نتيجة تهديدها الأمن القومى المصرى، مضيفًا أنه من الوارد أن تندلع حرب إقليمية فى المنطقة فى أى لحظة، وهو ما تحاول مصر تجنبه ومنع حدوثه، وإذا حدث ذلك سيكون هناك بكل تأكيد دور للقاهرة فى هذا الأمر، وستكون عواقب ذلك وخيمة على المنطقة بكل تأكيد.
وقال إن الدبلوماسية الرئاسية نجحت فى إفشال مخططات كثيرة، والرئيس عبد الفتاح السيسى تحدث مع قادة وزعماء العالم بشأن ضرورة حل الأزمة ووقف العدوان الإسرائيلى على غزة، وعدم توسيع رقعة الصراع فى المنطقة، مضيفًا أن الجميع يعلم جيدًا أهمية الدور المصرى وقوة الدولة المصرية وقدرتها على تحقيق الاستقرار فى المنطقة.
■ بداية.. ماذا عن رؤيتك لما يحدث على الحدود المصرية شرقًا وغربًا وجنوبًا؟
- الدولة المصرية محاطة بالعديد من التحديات والتهديدات المختلفة التى تؤثر وتهدد أمنها القومى، ولها كذلك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الأوضاع الداخلية والاقتصاد المصرى وغيرهما من المجالات.
■ ماذا عن التأثيرات المباشرة لتلك التحديات على الأوضاع فى مصر؟
- كل تلك التحديات على الحدود المصرية لها تأثير مباشر على الأوضاع فى مصر، منها على سبيل المثال التأثير على الاقتصاد المصرى من خلال تراجع أعداد السائحين، ومحاولة تصدير أن مصر ضمن منطقة حروب ومخاطر، وبالتالى يكون لهذا تأثير سلبى. وما يحدث فى منطقة البحر الأحمر له تأثيراته المباشرة على قناة السويس مثل التراجع الكبير فى إيرادات القناة، مع شن الحوثيين فى اليمن هجمات ضد إسرائيل بالتزامن مع الحرب الحالية فى غزة، وهو ما دفع العديد من شركات الشحن البحرى حول العالم إلى تحويل مسار رحلاتها بعيدًا عن البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما أثر بشكل كبير على حركة الملاحة البحرية عبر القناة.
ومن ضمن تلك التأثيرات المباشرة النظرة العالمية لمصر فيما يتعلق بقدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، وكذلك ملف الهجرة بالنسبة لمواطنى الدول التى تشهد أزمات وحروبًا، فمصر تشهد وجود أعداد ضخمة للغاية من السوريين والسودانيين وغيرهما من الجنسيات، فهناك تقديرات الآن بأنه يوجد ما بين ٤ لـ٥ ملايين سودانى فى مصر، وهذا الأمر يؤدى إلى مزيد من الأعباء بكل تأكيد على الدولة المصرية.
■ ماذا عن الخسائر أو التأثيرات غير المباشرة؟
- هناك خسائر غير مباشرة منها أن التهديد يصل إلى إمكانية تورط مصر فى هذه الحروب والصراعات، نتيجة تهديدها الأمن القومى المصرى، فعلى سبيل المثال من الوارد أن تندلع حرب إقليمية فى المنطقة فى أى لحظة، وهو ما تحاول مصر تجنبه ومنع حدوثه، وإذا حدث ذلك سيكون هناك بكل تأكيد دور لمصر فى هذا الأمر، وستكون عواقبها وخيمة على المنطقة بكل تأكيد.
■ هل ترى أن تلك التحديات أدت إلى حرمان مصر من التنمية المنشودة؟
- للأسف الشديد كل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للتحديات والتهديدات والحدود المشتعلة لها تكلفتها على الدولة المصرية، ومنها حرمانها من التنمية، فمع تزايد وتيرة الصراعات والحرب أصبحت تكلفة التنمية أضعاف ما كان يمكن تحمله، فالمعدات والأدوات التى تستخدمها فى تحقيق التنمية والبناء تتضاعف تكلفة استخدامها عدة مرات، وهذه نقطة وتحد كبير يؤثر على المناخ العام للدولة.
■ ننتقل إلى الحدود الشرقية وما يحدث فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر
ما تأثيره على الداخل المصرى والأمن القومى للبلاد؟
- بكل تأكيد هو عبء إضافى، وهناك خسائر كبرى على مصر نتيجة الأوضاع فى قطاع غزة والتوترات على الحدود الشرقية، وهذا أدى لانشغال مصر عن تحقيق التنمية.
وعندما نتحدث عن حرب غزة، فهى حرب لها شكل أصولى، لأن «حماس» هى امتداد لجماعة الإخوان المسلمين ولكن داخل فلسطين، فما فعلته «حماس» فى ٧ أكتوبر كان له تأثير على الشباب المصرى، والبعض حاول تصدير صورة أن «حماس» هى من تستطيع مواجهة إسرائيل عسكريًا، ولكن بالعكس، ما فعلته «حماس» أدى إلى تدمير غزة تدميرًا غير مسبوق، فغزة كانت محررة قبل ٧ أكتوبر، وما حدث تسبب فى تدميرها وأدى إلى وضع غير مستقر.
وهناك العديد من الدول العربية كانت تسير فى طريق التنمية الحقيقية وعلى رأسها مصر، ولكن ما حدث فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم يعمل على تعطيل هذه المسيرة.
■ كيف ترى التحركات المصرية المستمرة فى هذا الملف ورعايتها المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار؟
- هذه هى الحرب الخامسة من إسرائيل على قطاع غزة، ومصر فى كل تلك الحروب كان لها دور قوى ومؤثر بشكل أو بآخر، فكل أجهزة الدولة المصرية المعنية بهذا الأمر تتحرك تحركات إيجابية من أجل السيطرة على الموقف ومحاولة وقف نزيف الدم الفلسطينى ووقف آلة الحرب العسكرية فى قطاع غزة، والتوصل إلى وقف إطلاق نار وهدنة إنسانية لالتقاط الأنفاس.
■ ماذا عن رؤيتك للدبلوماسية الرئاسية وتحركات الرئيس السيسى فى هذا الملف؟
- الدبلوماسية الرئاسية مهمة جدًا فى تلك الفترة ونجحت فى إفشال مخططات كثيرة، والرئيس السيسى تحدث فى كل الاتصالات الهاتفية واللقاءات المختلفة مع قادة وزعماء العالم عن ضرورة حل الأزمة ووقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وضرورة التوصل لوقف إطلاق نار، وعدم توسيع رقعة الصراع فى المنطقة، والجميع يعلم جيدًا أهمية الدور المصرى وقوة الدولة المصرية وقدرتها على تحقيق الاستقرار فى المنطقة.
كما أن كل أجهزة الدولة تتحرك تحركات إيجابية للغاية فى هذا الملف، فالأجهزة المعنية لها دور كبير فى محاولات الوصول لهدنة إنسانية ومحاولات تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف.
كما أن تحركات وزارة الخارجية والقوات المسلحة فى هذا الملف مهمة للغاية، ونجحت بالفعل الدولة المصرية فى مواجهة مخططات إسرائيلية كبرى وعلى رأسها مخطط التهجير.
■ ما الأعباء التى تتحملها الدولة المصرية فى هذا الملف؟
- كما ذكرت هناك أعباء كبرى على الدولة المصرية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى أن مصر أدت دورها الإنسانى من خلال إرسال العديد من المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية للأشقاء فى فلسطين، كما تحملت مصر أعباء أخرى تتعلق بعلاج المصابين الفلسطينيين داخل المستشفيات المصرية، وغيرها من الخطوات التى اتخذتها وأدت إلى مزيد من الأعباء.
■ كيف ترى تحركات إسرائيل الآن؟
- أظن أن إسرائيل الآن مجبرة على التواضع، لأنها تعلم أنها لن تستطيع أن تكون القوة الحاكمة العسكرية فى المنطقة، وللأسف إسرائيل بها فائض قوة شديد ولديها نزعة تدميرية، كما أن المنطقة تشهد عدم قدرة على التحكم فى تحركات الميليشيات، وبالتالى العنف والتدمير لا يولدان إلا مزيدًا من الميليشيات فى المنطقة. وأنا أرى أنه يجب أن يكون هناك دور رئيسى للدول العربية وتحديدًا مصر والإمارات والسعودية والمغرب، وهذا تحد كبير ما بعد حرب غزة، وأعتقد أن مصر سيكون عليها الدور الأكبر، لأنها الدولة الوطنية الأصيلة فى المنطقة ولديها هوية وطنية، وكذلك لديها ثوابت واضحة فى سياستها الخارجية.
■ هل ترى أن هناك تربصًا بالدولة المصرية فى ظل اشتعال الأوضاع حولها؟
- أرى أن هذا الأمر هو جزء من المتغيرات الإقليمية والدولية ونتيجة للحروب المستمرة، وبالتالى ليست هناك مؤامرة، ولكن بما أن مصر هى ركيزة الاستقرار فى المنطقة فبالتالى هناك تأثير مباشر وغير مباشر عليها، ومصر لديها فرصة أن تحول كل هذا الظلام إلى تنمية حقيقية.
■ ما رؤيتك للمفاوض المصرى فى ظل الجهود المبذولة من أجل الوصول لوقف إطلاق النار؟
- المفاوض المصرى تعامل مع الأزمات والتحديات المختلفة باحترافية شديدة وبذل مجهودات ضخمة من أجل السيطرة على الأوضاع والوصول لصفقة بين الطرفين ووقف إطلاق النار، رغم أن هناك أمورًا تحاول إسرائيل استفزاز مصر عن طريقها، ولكن الدولة المصرية وأجهزتها قادرة على التعامل مع مختلف المواقف.
كما أن منطقة محور فيلادلفيا هى منطقة منزوعة السلاح بحكم اتفاقية ٢٠٠٥، وهذه الاتفاقية تلزم إسرائيل بعدم وضع أى قوات فيها، والعلاقة بين مصر وغزة لا تنظمها اتفاقية السلام مع إسرائيل بل اتفاقية المعابر التى تم توقيعها عام ٢٠٠٥، والتى تحدد أن الجانب الفلسطينى من المعابر تديره السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن الإسرائيليين يحاولون انتهاز كل فرصة لخلخلة أى اتفاق دولى أو مطالب للأمم المتحدة فى سبيل فرض سياسة الأمر الواقع.
كما أن إسرائيل تحاول من خلال مزاعم متعددة أن تجد مبررًا لوجود قواتها فى المنطقة، ومصر ترفض هذا الأمر بشكل قاطع، وتطالب بتنفيذ الاتفاقية كما هى.
ولن تستدرج مصر إلى أى شىء لا تريده فيما يخص القضية الفلسطينية، والولايات المتحدة الأمريكية تتفهم الموقف المصرى الرافض لوجود أى قوات تابعة للاحتلال فى محور فيلادلفيا، بالإضافة إلى أن الدولة المصرية رفضت فتح معبر رفح قبل أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارته من الجانب الآخر وانسحاب الإسرائيليين.
■ هل تتوقع أن تكون هناك صفقة ووقف لإطلاق النار فى قطاع غزة قريبًا؟
- للأسف لا أتوقع حدوث ذلك قريبًا، خاصة أن العنصرين الرئيسيين فى هذه المفاوضات، وهما الطرفان «حماس» وإسرائيل، لديهما نزعات انتحارية وهو ما يفشل جهود المفاوضات، بالإضافة إلى أن هناك عيبًا خطيرًا فى المفاوضات وهو أن الممثل الرئيسى للدولة الفلسطينية فى المفاوضات يجب أن يكون السلطة الفلسطينية نفسها وليس «حماس»، ورغم ذلك مصر تمارس أقصى ما تستطيع تنفيذه من أجل حقن دماء الشعب الفلسطينى.
■ إذا كنت لا تتوقع الوصول قريبًا لوقف إطلاق النار.. فما الذى سنصل إليه خلال الأيام المقبلة من وجهة نظرك؟
- أتوقع استمرار الحرب على قطاع غزة مع استمرار التدمير فى كل شىء بالقطاع.
■ ما رأيك فى الموقف الأمريكى؟
- إسرائيل حليف رئيسى ومهم للولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا حركت أكبر قدر من السفن والغواصات لحماية إسرائيل منذ ٧ أكتوبر، والعقوبة الوحيدة التى تؤثر فى إسرائيل هى وقف توريد الأسلحة والذخائر الأمريكية والأوروبية إليها.
وهنا لا بد أن أشير إلى أن إسرائيل تتمنى توجيه ضربة إيرانية لها، حتى تتخذ تلك الضربة ذريعة لضرب المفاعلات النووية الإيرانية وتدمير طاقتها النووية.
■ ننتقل إلى ما يحدث على حدودنا الغربية فى ليبيا.. ما رؤيتك للوضع هناك وتأثيره المباشر على مصر؟
- نجحت مصر فى السيطرة على الأوضاع فى ليبيا بشكل كبير وهناك تهدئة جارية، كما أن المفاوضات مع تركيا أدت لاستمرار التهدئة هناك.
كما أعتقد أن زيارة الرئيس السيسى تركيا الشهر المقبل، ستشهد مناقشة كيفية الوصول بليبيا إلى منطقة الاستقرار الدائم وليس الاستقرار المؤقت.
كما أن الوضع فى ليبيا يشهد وجود مؤسسات لديها عوار تشريعى وعوار شرعى مثل مجلس النواب وغيره من المؤسسات، ولكن رغم ذلك فإن ليبيا أقل دول المنطقة من حيث عدم الاستقرار.
■ كيف تقيّم التحركات المصرية المستمرة واللقاءات المتواصلة من أجل إنهاء الحرب فى السودان؟
- دور مصر مؤثر بكل تأكيد من أجل إنهاء الصراع والحرب المستمرة فى السودان الشقيق، وهناك تنسيق مستمر بين مصر والسعودية والإمارات من أجل الوصول لحل للأزمة السودانية، ولكن الأهم هنا ضرورة خلق دولة وطنية فى السودان، لأنه إذا لم يتم خلق دولة وطنية سنترك دائمًا النار تحت الرماد، وهذا الأمر لا ينطبق على السودان فقط ولكن على كل البلدان.
■ تحدثت عن ضرورة قيام الدولة الوطنية فى البلدان التى تشهد صراعات وهى من ضمن ثوابت السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الماضية.. كيف ترى هذا الأمر؟
- الدولة المصرية لديها ثوابت واضحة فى علاقتها مع كل الدول، وكذلك فى تعاملها مع الأزمات والحروب المختلفة فى المنطقة، وسياسة مصر الخارجية قائمة على عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وكذلك ضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية ومقدرات الشعوب ومنع تقسيم وتفتيت هذه الدول.
■ ماذا عن الوضع فى السودان؟
- الوضع فى السودان يمثل خطرًا كبيرًا، خاصة فى ظل وجود ميليشيات مسلحة، بالإضافة إلى وجود فصائل وتنظيمات متعددة وانقسامات شديدة، وبالتالى فالدولة السودانية معرضة للتقسيم فى حال استمر هذا الصراع هناك.
فالسودان منذ انفصاله عن مصر عاش على انقلاب عسكرى ثم دولة مدنية وهكذا، ويستمر الصراع فى هذا الإطار، وعلاج هذا الأمر هو وجود دولة وطنية، بالإضافة إلى وجود نخبة جديدة، الأمر يحتاج إلى دولة تقبل الجميع، وأن يتم القضاء على العشائرية، كما يجب القضاء على فكرة حمل السلاح خارج إطار المؤسسة إذا أردنا أن يشهد البلد استقرارًا حقيقيًا.