الحدود المشتعلة.. كيف تتعرض مصر للخطر من جميع الاتجاهات؟
تقف القاهرة الآن وسط منطقة مشتعلة، والخطر على جميع حدودها تقريبًا، وخصوصًا الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، وسط مخاوف من تهديدات أخرى قد تتفجر بشكل أكبر على الحدود الشمالية.
ولا يقتصر دور مصر على مواجهة تداعيات هذه المخاطر ومحاولات إقحامها فى أى صراعات الدائرة المحيطة، بل إنها تعمل أيضًا لإيجاد حل يوقف تلك الحروب التى لن ينتصر أحد فيها، ولن يتحمل أعباءها سوى شعوب تلك الدول.
وتعمل مصر بجهدٍ غير مسبوق، عبر دبلوماسيتها وأجهزتها المعنية، من أجل احتواء أى تصعيد إقليمى قبل اندلاعه، والعمل على التصدى لأى تحركات خبيثة تؤثر على أمنها القومى، وتزيد من الأزمات الاقتصادية «المستوردة».
الحدود الشرقية تداعيات أمنية واقتصادية لـ«حرب غزة».. ومواجهة حاسمة للوجود الإسرائيلى على الحدود
تواجه مصر عدة تحديات بطول حدودها الشرقية، فإذا كانت الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة هى التحدى الرئيسى، نجد تحديًا آخر على الجبهة ذاتها، متمثلًا فى اضطرابات الملاحة فى البحر الأحمر بفعل هجمات جماعة الحوثى ضد السفن فى منطقة مضيق باب المندب.
ومنذ اندلاع الحرب، تحاول إسرائيل اختلاق الذرائع للبقاء داخل قطاع غزة لأطول فترة ممكنة، بهدف استغلال أى فرصة قد تتم إتاحتها لتنفيذ خطتها الرئيسية من تلك الحرب والمتمثلة فى «مخطط التهجير» لإخلاء الأراضى الفلسطينية من سكانها باتجاه مصر، لا سيما شبه جزيرة سيناء.
بالطبع تلقى تلك الحرب بظلالها على مصر، فإلى جانب التحديات الأمنية، هناك أعباء أخرى أيضًا، منها اقتصادية، نظرًا للدور التاريخى والواجب الوطنى الذى تقوم به تجاه الأشقاء الفلسطينيين، بإرسال المساعدات الإنسانية والإغاثية، واستقبال المرضى والمصابين للعلاج داخل المستشفيات المصرية.
وطوال عام، تعمل مصر بلا هوادة كوسيط فى المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، والأطراف ذات التأثير لا سيما على تل أبيب، من أجل التوصل إلى صيغة توافقية لوقف إطلاق النار داخل القطاع، ووقف المأساة الإنسانية التى يعيشها المدنيون الفلسطينيون، وكذلك لتجنيب المنطقة ويلات حرب إقليمية أوسع.
وفى الوقت ذاته، تدرك القاهرة جيدًا المخطط الذى تسعى إليه تل أبيب، وتدرك ضعف التبريرات التى تتحدث عنها الأخيرة بضرورة وجود قواتها على حدود قطاع غزة مع سيناء، ومحاولاتها نقل معبر رفح من موقعه الحالى، أو تعطيل عمله بالسيطرة عليه أو وضع تصورات حوله.
وتحاول إسرائيل إطالة أمد الحرب واكتساب المزيد من الوقت، ظنًا منها أن ذلك يتيح لها الثبات على الحدود المصرية، أو التفاوض عليها.
وتقف مصر، سواء على الأرض أو خلال المناقشات، بالمرصاد فى مواجهة أى مخطط يمس أمنها القومى من تلك الجهة، حيث تسعى لفرض إرادتها على كل الأطراف، وترفض بشكل قاطع أى محاولة لتهجير الفلسطينيين، أو سيطرة إسرائيل على المعبر الفلسطينى المصرى «رفح»، أو الوجود داخل محور «فيلادلفيا».
وتشهد حركة الملاحة فى البحر الأحمر أزمة غير مسبوقة، بدأت مع شن الحوثيين فى اليمن هجمات ضد إسرائيل بالتزامن مع الحرب الحالية فى غزة.
وشن الحوثيون هجمات سواء باستخدام صواريخ أو طائرات مسيرة ضد جنوب إسرائيل، لا سيما ضد مدينة إيلات الإسرائيلية، الملاصقة للحدود المصرية على ساحل البحر المتوسط.
وأعلنت جماعة الحوثى عن فرض ما أسمته بـ«حظرًا» على مرور السفن سواء الإسرائيلية أو التابعة لإسرائيليين، أو المتوجهة إلى الاحتلال عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب.
ومنذ ذلك الحين، بدأت الجماعة فى شن هجمات واسعة باستخدام مسيرات وصواريخ على تلك السفن الإسرائيلية، ولم يتوقف الأمر على الهجمات، بل إنها بادرت باحتجاز السفن لديها.
وفى ديسمبر الماضى، أعلن الحوثيون عن منع مرور كل السفن من جميع الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية، وزادت حدة الاضطراب حينها بعد أن شنت أمريكا وبريطانيا سلسلة هجمات مشتركة على مناطق تسيطر عليها الجماعة داخل اليمن ردًا على استهداف السفن، ليعلن بعدها الحوثيون عن أن هجماتهم ستشمل السفن الأمريكية والبريطانية.
وبسبب ذلك التوتر، لجأ العديد من شركات الشحن البحرى حول العالم إلى تحويل مسار رحلاتها بعيدًا عن البحر الأحمر وخليج عدن، ما ألقى بظلاله على حركة التجارة البحرية عبر قناة السويس، وهو ما يعنى أن الاقتصاد المصرى يتأثر بتراجع إيراداتها، حيث بلغت ٨٥.٧ مليار جنيه خلال النصف الأول من ٢٠٢٤، مقابل ١٥٥ مليار جنيه إيراداتها خلال النصف المناظر من العام الماضى.
وفى السياق ذاته، أعلن أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس المصرية، فى بيان، خلال شهر يوليو الماضى، عن أن إيرادات القناة تراجعت إلى ٧.٢ مليار دولار فى العام المالى ٢٠٢٣/٢٠٢٤، مقابل ٩.٤ مليار دولار فى العام المالى الذى سبقه ٢٠٢٢/٢٠٢٣.
الحدود الجنوبية الصراع يستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع فى السودان
يشهد السودان حربًا ضارية بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع منذ أبريل ٢٠٢٣، وهى الحرب التى تسبب أزمات لدول الجوار، وتهدد الأمن والاستقرار الإقليمى فى منطقة القرن الإفريقى. ونتجت عن الحرب فى السودان موجة مجاعة لم يشهدها العالم مسبقًا، وزيادة موجات اللاجئين والنازحين إلى دول الجوار، لا سيما إلى مصر، حيث كشفت رولا أمين، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، عن أن السودانيين يمثلون ٥٧٪ من إجمالى عدد اللاجئين المسجلين لديها من جميع الجنسيات داخل مصر.
ودفعت الحرب فى السودان إلى نزوح أكثر من ١.٢ مليون شخص خارج البلاد، كما أن التقديرات الدولية حول عدد ضحايا الحرب فى السودان تتحدث عن أنها تصل إلى ١٥٠ ألف شخص، وتزايد حدة التصعيد العسكرى الداخلى فى السودان مع محاولة اغتيال الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودانى، فى ٣١ يوليو الماضى. وتقود مصر جهودًا مكثفة، بالتعاون مع الأطراف المعنية، من أجل إنهاء الحرب الدائرة فى السودان عبر اتفاق «سودانى سودانى» يحترم سيادة الدولة الشقيقة، ويلبى احتياجات وتطلعات شعبها الذى يسعى للتخلص من ويلات الحرب المستمرة.
الحدود الغربية «برميل بارود» فى طرابلس.. ومخاوف من تجدد الاشتباكات بين قوات الجيش الوطنى والحكومة
حاولت مصر بشكل مستمر إخماد الحرب فى ليبيا، لكن فى الأيام القليلة الماضية، شهدت طرابلس توترًا ينذر بتفجر الحرب مجددًا بين الأطرف هناك.
وشهد الثلث الأول من شهر أغسطس الجارى تحرك قوات المشير خليفة حفتر، الموجودة فى شرق ليبيا، باتجاه جنوب غرب البلاد، ومن بينها قوات برية، وعن الهدف المعلن لتلك الخطوة، قالت القوات البرية، فى بيان، إنها تأتى فى إطار خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية للوطن، وتعزيز الأمن القومى للبلد واستقراره فى هذه المناطق الحيوية، عبر تكثيف الدوريات الصحراوية والرقابة على الشريط الحدودى مع الدول المجاورة.
وفى المقابل، حشد عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة الوطنية الليبية قواته داخل غرب البلاد، حيث أعلن صلاح النمروش، معاون رئيس الأركان العامة للجيش الليبى التابع لتلك الحكومة، عن أنه وجه القوات برفع درجة الاستعداد لصد أى هجوم محتمل.
ولم يكن ذلك هو التطور الوحيد الذى ينذر بخطر مجدد داخل الدولة التى تقع على الحدود الغربية لمصر، حيث شهدت منطقة «تاجوراء» بطرابلس اشتباكات مسلحة بعد مدة طويلة من الهدوء.
وكشف مصدر فى مديرية أمن طرابلس، لوكالة «فرانس برس» الفرنسية، عن أن الاشتباكات وقعت بين عناصر كتيبة تدعى «الرحبة دروع»، وعناصر كتيبة تدعى «الشهيدة صبرية»، بعد مناوشات وخلاف تطور إلى تبادل إطلاق النار واستخدام أسلحة متوسطة.
وفى ظل تلك التحركات التى تنذر بتجدد اندلاع حرب جديدة بين الجانبين المتحاربين داخل ليبيا، تبذل مصر جهودًا لم تتوقف من أجل منع أى تجدد للاشتباكات المسلحة داخل الدولة الجارة.
وتعمل مصر على محاولة احتواء ذلك التصعيد، والتشجيع على ضرورة وجود حل «ليبى- ليبى» يكون بتوافق بين كل الأطراف والقوى الليبية.