كينيدى.. الغائب والحاضر
تاركًا الحزب الديمقراطى، قرر روبرت كينيدى جونيور أن يخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية مستقلًا، ثم قرر، أمس الأول الجمعة، الانسحاب، وأعلن عن دعمه لمرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب، وفى اليوم نفسه، أعلن الأخير، فى تجمع انتخابى بولاية أريزونا، أنه سيشكل لجنة رئاسية للنظر فى محاولات اغتيال الرؤساء السابقين، إذا أعيد انتخابه، وسيكلف هذه اللجنة بالإفراج عن كل الوثائق المتبقية المتعلقة باغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدى، عم منافسه السابق وحليفه الحالى.
ابن شقيق الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة، الذى تم اغتياله سنة ١٩٦٣، ونجل السيناتور روبرت كينيدى، الذى تم اغتياله سنة ١٩٦٨ خلال حملته الانتخابية الرئاسية، والاثنان من عمالقة الحزب الديمقراطى، قرر فى أبريل ٢٠٢٣ منافسة الرئيس جو بايدن على الفوز بترشيح الحزب. وخلال الانتخابات التمهيدية هاجم سياسات بايدن، فى قضايا الديون والهجرة والإنفاق الحكومى وجرائم الكراهية و... و... وبحسب وكالة «رويترز»، أظهر استطلاع للرأى، جرى فى نوفمبر ٢٠٢٣ أنه حصل على دعم ٢٠٪ من الأمريكيين فى سباق ثلاثى مع بايدن وترامب. وفى المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه انسحابه من السباق، أدان كينيدى الابن ترشيح الحزب الديمقراطى كامالا هاريس، دون انتخابات تمهيدية، مشيرًا إلى أن لديه الكثير من التحفظات إزاء حزبه السابق، دفعته إلى دعم الرئيس ترامب.
الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، نجا من «محاولة اغتيال»، فى ١٣ يوليو الماضى، ووقتها، كتبنا، هنا، أن تلك المحاولة، أو أى محاولة اغتيال عمومًا، خاصة فى الولايات المتحدة، لا يمكن أن تمر دون أن نتذكر جريمة اغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدى، الذى توجد عشرات الشواهد، أو الأدلة، على أن سياسته الخارجية هى التى قتلته، وأن منفذ الجريمة «لى هارفى أوزوالد» كان مجرد أداة. وأشرنا إلى أن كينيدى هو القائل: «السياسة الداخلية قد تخذلنا ليس إلا، أما السياسة الخارجية فبإمكانها قتلنا».
لا يزال اغتيال جون كينيدى لغزًا كبيرًا فى تاريخ الولايات المتحدة، ومنذ ٢٢ من نوفمبر ١٩٦٣، يوم الاغتيال، ظهرت روايات كثيرة، أقلها مصداقية هى الرواية الرسمية، التى انتهت إليها تحقيقات استغرقت ١٠ أشهر، وملخصها أن لى هارفى أوزوالد، جندى «المارينز» السابق، تصرف بمفرده عندما أطلق النار على موكب كينيدى، وأصاب الرئيس بطلقتين فى ظهره ورأسه. لكن لجنة تحقيق خاصة، تابعة لمجلس النواب الأمريكى، خلصت سنة ١٩٧٩ إلى أن كينيدى «اغتيل على الأرجح نتيجة مؤامرة»، مرجحة قيام شخصين بإطلاق الرصاص. والنتيجة نفسها تقريبًا، انتهى إليها فيلم «JFK»، الذى أخرجه أوليفر ستون، وتم عرضه فى ٢٠ ديسمبر ١٩٩١، والذى مزج الواقع بالخيال ونسف الرواية الرسمية كليًا.
بعد ردود الفعل الواسعة التى أحدثها هذا الفيلم، جرى بموجب قانون، صدر فى ٢٦ أكتوبر ١٩٩٢، رفع الحظر عن بعض الملفات السرية المتعلقة بهذه القضية، وصولًا إلى قيام الأرشيف الوطنى الأمريكى، سنة ٢٠١٧، أى فى عهد ترامب، برفع الحظر عن دفعة رابعة، لكنها لم تكن الأخيرة، إذ تم إخضاع باقى الوثائق للمراجعة، بناء على طلب مكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة المخابرات المركزية.
دفعة خامسة من تلك الوثائق، قررت إدارة الرئيس بايدن نشرها، فى ديسمبر ٢٠٢٢، زاعمةً أن ٩٧٪ من إجمالى الوثائق صارت متاحة، غير أن المرسوم الرئاسى الصادر بشأن نشر تلك الدفعة قال إن بعض الوثائق سيبقى سريًا، من أجل الحماية من «خطر غير معلوم»، وأوضح أن «وكالات المخابرات بذلت جهودًا كبيرة فى مراجعة حوالى ١٦ ألف وثيقة، سبق نشرها جزئيًا، وقررت أن ٧٠٪ من هذه الوثائق يمكن نشرها الآن كاملة». والطريف، هو أن البيت الأبيض أعلن، فى ٣٠ يونيو ٢٠٢٣، عن اكتمال مراجعة جميع الوثائق، لكنه لم يعلن عن موعد محدد لإتاحتها أو الإفراج عنها.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكى الحالى أحيا، فى ٢٢ نوفمبر الماضى، الذكرى الستين لاغتيال جون كينيدى، داعيًا الأمريكيين إلى التوحد ومواصلة العمل على تحقيق الرؤية المتفائلة للرئيس الديمقراطى الراحل!