الوزير بمفرده لا يكفى
تمنيت أمس لو تنهض العملية التعليمية فى المرحلة قبل الجامعية، أسوة بما حدث فى التعليم الجامعى الذى قفز قفزة هائلة طبقًا لما أعلنته التصنيفات الدولية. وهذه الأمنية ليست صعبة التحقيق أو عسيرة التنفيذ، ولكنها بالفعل تحتاج إلى إرادة حديدية من الدولة كى يتم تنفيذ هذه الخطوة. وعندما قلت بالأمس إن الوزير محمد عبداللطيف أمامه الفرصة للقيام بهذه المهمة كان الهدف هو الوصول إلى نتائج على الأرض بأسرع وقت. وقد بدأ الوزير بالثانوية العامة من خلال تمصير التعليم الأمريكى.
السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل هذا كافٍ؟ وهل هذه المهمة الصعبة يستطيع الوزير تحقيقها بمفرده.. أم أن هناك دراسات وأبحاثًا يملكها الوزير لتنفيذها على الأرض؟ أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مشاركة مجتمعية فعالة فى هذا الشأن.. ولمَ لا؟ خاصة أن الدولة قامت بإرادة حقيقية من خلال الرئيس عبدالفتاح السيسى بإجراء الحوار الوطنى العظيم الذى حقق نتائج مذهلة على الأرض. وخرج الحوار بتوصيات ومخرجات مهمة فى العديد من القضايا المهمة ومنها ما هو تنفيذى، وقد صدرت التعليمات إلى الحكومة للتنفيذ الفورى ومنها ما هو تشريعى، وهذا يحتاج بالضرورة إلى إعداد مشروعات قوانين من جانب الحكومة وتقديمها إلى مجلس النواب لاعتمادها حتى تكون محل تنفيذ. السؤال: لماذا لا تقوم الحكومة بطرح قضية تطوير تعليم فى المرحلة قبل الجامعية من رياض الأطفال وحتى الثانوى على الحوار الوطنى لإبداء رأيه ومشاركة أطياف المجتمع المختلفة لتبدى بدلوها وتخرج بتوصيات ومخرجات قابلة للتنفيذ بدلًا من ترك الساحة للوزير بمفرده، خاصة لو علمنا أن هناك تجربة سابقة قام بها الوزير الأسبق طارق شوقى، وتمت مواجهتها بكل عنف وتم إبطالها بسبب المعارضين لكل تطوير أو تحديث حتى تم عزل الوزير.. بهذا الشكل لا يجب أن نترك وزير التربية والتعليم الحالى بمفرده فى هذه المعركة، ومن باب أولى طرح هذه الإشكالية على الحوار الوطنى حتى نصل إلى نتائج إيجابية.
مرة أخرى.. نحن فى حاجة شديدة جدًا إلى رؤية جديدة لنظام التعليم فى مصر، لإحداث تغيير حقيقى يتماشى مع روح العصر الذى نحياه الآن.. والجميع بلا استثناء يعترف بوجود فساد كبير فى العملية التعليمية متأصل من عقود طويلة مضت، وتراكمت العديد من المشاكل بشكل يدعو إلى الحسرة والألم، وبالتالى لا بد من نسف العملية التعليمية الحالية.
الوزير محمد عبداللطيف، مثل كل الوزراء الذين سبقوه، أعلن عن أن هناك بالفعل حالة فساد فى التعليم، ولم يعد هناك وقت آخر لاستمرارها.. والرجل لم يعترض أبدًا على خوض غمار الحرب.
الحقيقة أننا فعلًا فى حاجة إلى أن يشارك الجميع فى هذه الحرب، والوزير وحده أو بمفرده لا يمكن أن يحقق الإصلاح المنشود للعملية التعليمية. بل إن تحديث وتطوير التعليم مسئولية جماعية لكل المتخصصين فى هذا الشأن.
التعليم فى مصر ليس مبانى وفصولًا أو منشآت فقط، إنما هو منهج دراسة ومعلمون يقومون بالتدريس، فالمناهج الدراسية يجب استبدالها بأخرى لا تعتمد على الحفظ والتلقين، فى حين أن الأمر يحتاج إلى فهم وتدبر وإعمال العقل وقياس المهارات، مما يعلمه أهل التعليم فى طرق التدريس المختلفة الحديثة، والابتعاد عن الطرق القديمة البالية التى تسببت فى وجود تلاميذ حتى مرحلة التعليم الأساسى لا يعرفون القراءة والكتابة، والمعلمون فى أغلبهم يحتاجون إلى إعادة تأهيل من جديد، لأن نظامهم الحالى لا يتفق مع طبيعة المرحلة الراهنة فى مشروع بناء الدولة الجديدة، ويتسبب هؤلاء المعلمون فى كوارث لا تحصى ولا تعد، وضاعت مهمتهم فى خلق أجيال جديدة واعية، وكل هم المعلمين أن يحفظ التلاميذ لمجرد دخول الامتحانات. والمشكلة أيضًا فى المعلمين أنهم لا يريدون تغييرًا فى طريقة تدريسهم.
قضية التعليم فى مصر لا يجوز أن تترك للوزير وحده فى ظل هذه البشاعة السائدة فى المدارس حاليًا، بل يجب إشراك جميع مؤسسات الدولة، وإجراء حوار مجتمعى يشارك فيه جميع أبناء مصر من كل الاتجاهات من أجل تحقيق النهضة المطلوبة، وذلك من خلال الحوار الوطنى، وتحميل الوزير وحده المسألة بمثابة خطأ فادح، لأن القضية أكبر بكثير من إمكانات فرد.
ولأننا نريد فعلًا دولة حديثة، فلا بد من النهوض بالتعليم وعلاج ما أفسده الدهر على مدار سنوات طويلة حتى استفحلت المشاكل بهذا الشكل المزرى.. ولا بد أن يكون الاهتمام بالتعليم يؤسس للدولة الجديدة التى يحلم بها كل أبناء مصر، ولو تم إهمال هذا الفساد فى التعليم، فعلى الدنيا السلام.