رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محور فيلادلفيا.. أزمة يفتعلها نتنياهو مع مصر!

نفت مصر، شكلًا وموضوعًا، صحة ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية، من موافقة القاهرة على بقاء القوات الإسرائيلية فى محور فيلادلفيا، مؤكدة «أن مصر تجدد تمسكها بالانسحاب الإسرائيلى الكامل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا»، ردًا على استباق رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لقاءه وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بينكن، فى القدس، وإعلانه الإصرار على البقاء فى محور فيلادلفيا، تحت ذريعة منع حركة حماس من إعادة التسلح.. وقال مكتب نتنياهو فى بيان «لقد تمسك رئيس الوزراء بهذا المطلب الأساسى، الذى يشكل ضرورة أساسية لتحقيق أهداف الحرب، فغيرت حماس موقفها.. وحتى اليوم، يصر رئيس الوزراء على بقائنا فى محور فيلادلفيا، لمنع الإرهابيين من إعادة التسلح»، رغم آراء المفاوضين الإسرائيليين، بأن هذا الطلب يمنع أى إمكانية للاتفاق.. وقال نتنياهو للوفد المفاوض «لا تنازل عن محور فيلادلفيا.. وهو ليس ملفًا أمنيًا يمكن العودة إليه»، بينما قال الوفد المفاوض لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إن «محور فيلادلفيا يمكن العودة إليه فى أى وقت»، وقد نصح وزير الدفاع، يوآف جالانت، نتنياهو، بأنه دون التوصل لصفقة بشأن غزة، قد نتزلق إسرائيل إلى حرب إقليمية.. وأشارت هيئة البث الإسرائيلية، نقلًا عن مسئولين إسرائيليين، إلى أن الجانب الإسرائيلى يؤيد اقتراح الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق، يتضمن انسحابًا تدريجيًا للجيش من المحور.. كذلك أكدت مصر أن إرسال قوات أجنبية إلى غزة لن يحدث، وأمر غير قابل للنقاش، مثلما رفضت المقترحات الإسرائيلية للبقاء فى محور فيلادلفيا، ولو بعدد قليل، لأنها ترفض أى رقابة لتل أبيب على المحور، وتتمسك بتسليم معبر رفح للفلسطينيين.
وكانت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، كشفت تفاصيل المقترح الأمريكى الجديد لصفقة وقف إطلاق النار فى قطاع غزة والمحتجزين، لكن المقترح لم يحل الخلاف بشأن قضيتين لا تزالان عالقتين، وهما محور فيلادلفيا ونتساريم.. ويحدد المقترح بدقة، عدد وأسماء المحتجزين الإسرائيليين، الذين سيطلق سراحهم فى المرحلة الأولى ومواعيد الإطلاق، بحيث يتم إطلاق سراح النساء والمجندات أولًا.. كما تضمن المقترح أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم، مقابل كل محتجز إسرائيلى، على أن يشمل ذلك إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المحررين فى صفقة جلعاد شاليط، وأُعيد سجنهم مرة أخرى، وكذلك ترتيبات تحركات الجيش الإسرائيلى فى مناطق مختلفة من قطاع غزة خلال فترة الهدنة.. ووفق القناة الإسرائيلية، فإن المقترح الأمريكى لبّى معظم مطالب إسرائيل، دون حل الخلاف بشأن محورى فيلادلفيا ونتساريم.. فالفجوة تكمن فى أن إسرائيل مستعدة لإبقاء قوات هناك فى محور فيلادلفيا، لكن مصر تصر على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلى.
وفى حين تتواصل الجهود الدبلوماسية والمفاوضات السياسية، فإن مصر لا تترك أى شىء للمصادفة.. فقد طالب وزير الدفاع، الفريق أول عبدالمجيد صقر، رجال القوات المسلحة، بالحفاظ على أعلى درجات الجاهزية القتالية، لتظل قادرة على الوفاء بالمهام والمسئوليات المكلفة بها فى حماية ركائز الأمن القومى المصرى.. وشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة التعبوى للجيش الثانى الميدانى، الذى استمر لعدة أيام، فى إطار خطة التدريب القتالى لتشكيلات ووحدات القوات المسلحة، وقد أكد حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على الاهتمام بالفرد المقاتل، وتطوير منظومات التدريب بالوحدات والتشكيلات، والوصول بها إلى أرقى مستويات الاستعداد القتالى، لأن التدريب هو جوهر الكفاءة القتالية، وعامل الحسم لنجاح القوات فى تنفيذ مهامها بكفاءة واقتدار، تزامنًا مع التوترات التى تشهدها المنطقة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على حدود مصر الشرقية، منذ أكثر من عشرة أشهر، وتوقعات بتوسع رقعة الحرب لتشمل عدة دول إقليمية أخرى.. وتفقد الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، إحدى المراحل التدريبية لمشروع تكتيكى تنفذه إحدى وحدات الجيش الثالث الميدانى، فى إطار خطة التدريب القتالى لتشكيلات ووحدات القوات المسلحة، الذى أكد أن رجال الجيش الثالث الميدانى يبذلون أقصى جهد، للوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة القتالية، لتنفيذ كل المهام التى توكل إليهم بكفاءة واقتدار.
وسط كل الذى يدور حول محور فيلادلفيا، ثارت تساؤلات بشأن تأثير ذلك على مصير معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، خصوصًا أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تشهد توترًا متصاعدًا فى الفترة الأخيرة.. وجاء إعلان إسرائيل الأخير بشأن السيطرة على محور فيلادلفيا ليثير التساؤلات، عما إذا كانت تلك الخطوة تخرق بنود اتفاقية السلام، وإذا ما كانت مصر وإسرائيل قادرتين على تعليقها؟.. ولنعود إلى البدايات.
خاضت كل من مصر وإسرائيل حروبًا عدة، كان آخرها فى أكتوبر 1973، قبل أن يوقعا اتفاقية سلام فى 1979، بعد عام من توقيع معاهدة كامب ديفيد فى 1978، بوساطة أمريكية.. ويقع محور فيلادلفيا، الذى يسمى أيضًا «محور صلاح الدين»، على امتداد الحدود بين قطاع غزة ومصر، بطول أربعة عشر كيلومترًا وعرض مائة متر، ويخضع لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، الذى تعده «منطقة عازلة».. ورسم البروتوكول الملحق بالاتفاقية، الحدود بين البلدين، وقسمها إلى أربع مناطق رئيسية، تقع ثلاث منها فى شبه جزيرة سيناء بالأراضى المصرية، وواحدة داخل إسرائيل تسمى المنطقة «د».. وتسمح اتفاقية السلام لإسرائيل ومصر بنشر قوات محدودة العدد والعتاد، ومحددة بالأرقام ونوعيات السلاح والآليات، للقيام بدوريات على جانب المحور، لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية الأخرى.
أتاحت الاتفاقية تواجدًا إسرائيليًا ضمن هذا الشريط العازل محور فيلادلفيا، وهو يقع ضمن المنطقة «د» بموجب الملحق الأول، البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلى وترتيبات الأمن، التى تتيح تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة وتحصينات ميدانية ومراقبين من الأمم المتحدة.. ولا تتضمن القوة الإسرائيلية أى تواجد للدبابات أو المدفعيات أو الصواريخ، ما عدا الصواريخ الفردية، أرض جو.. ويمكن أن تمتلك قوات المشاة الإسرائيلية فى هذه المنطقة حتى مائة وثمانين مركبة عسكرية، وبإجمالى عدد مشاة لا يتجاوز أربعة آلاف.. وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر على هذه المنطقة «د»، بما يتضمن محور فيلادلفيا، حتى انسحابها منها وتسليمها للسلطة الفلسطينية عام 2005.. ولترتيب تواجد مصرى لقوات حرس الحدود، تم توقيع «اتفاقية فيلادلفيا»، التى تتماشى مع اتفاقية «المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية» التى تم التوقيع عليها فى العام ذاته.
وكجزء من هذا الانسحاب الذى قررته حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى وقتذاك، أرئيل شارون، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية فيلادلفيا، التى تنص على نشر وحدة من سبعمائة وخمسين جنديًا من حرس الحدود المصريين، على طول المنطقة العازلة «على الجانب المصرى».. وكان هؤلاء أول جنود مصريين يقومون بدوريات فى هذه المنطقة منذ حرب 1967، حين احتلت إسرائيل قطاع غزة الذى كانت تديره مصر آنذاك، وشبه جزيرة سيناء.. تمثلت مهمة هؤلاء الجنود فى مراقبة المحور من الجانب المصرى، أى الحدود الوحيدة فى قطاع غزة الخارجة عن السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلى، لمكافحة الإرهاب ومنع أى عمل من أعمال التسلل والتهريب.. وقد أودعت هذه الاتفاقية لدى الأمم المتحدة، كجزء أصيل من معاهدة كامب ديفيد.
نعود إلى مدى قانونية إعلان الجيش الإسرائيلى سيطرته على المحور، لنقول إنه قانونيًا، لا تستطيع إسرائيل تعديل أى تواجد لها فى تلك المنطقة دون رضا مصر.. وإذا كانت مصر لا تريد الدخول فى مواجهة مع إسرائيل، ولا التراجع عن معاهدة السلام، لكن فى حال انتهاك الاتفاقية، يصبح من حق مصر اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية، بدءًا من اللجوء إلى المحاكم الدولية، مرورًا بتكثيف عدد قواتها فى المنطقة هى الأخرى، وصولًا إلى الانسحاب من الاتفاقية.. وفى حال إلغاء المعاهدة، فإن ذلك سيحرم إسرائيل من الهدوء الذى كانت تتمتع به على الحدود الجنوبية، وسيشكل تعزيز قواتها على الحدود مع مصر تحديًا للجيش الإسرائيلى، الذى ينتشر فى الضفة الغربية ويخوض حربًا فى قطاع غزة، ومناوشات يومية مع حزب الله على الحدود مع لبنان، وحرب قد تتسع بين إسرائيل من ناحية وإيران وحلفائها من ناحية أخرى.. وحتى الآن تراقب مصر الضغوط المتزايدة على حدودها مع غزة، ودفعت بتعزيزات عسكرية إلى الحدود من جانبها، ولكنها حذرت إسرائيل من أى خطوة قد تؤدى إلى إجبار سكان القطاع على دخول الأراضى المصرية، أو بقاء الجيش الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا ومعبر رفح، خصوصًا وأنه وفقًا للقانون الدولى بشأن المعاهدات الدولية، فإن اتفاقية فيينا لعام 1969، المتعلقة بالاتفاقيات الدولية تنص على، أنه فى حال تعرض الأمن القومى لأى دولة لخطر ما، فمن حق هذه الدولة مراجعة أو تجميد الاتفاقية بشكل جزئى أو كلى، أو حتى إلغاؤها بشكل كامل.. فهل يصر نتنياهو على التحدى ويمضى إلى آخر الطريق؟.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.