الولع بالفلكلور المصرى
لفظ فلكلور، فى الدائرة الثقافية والفنية؛ يعنى التراث الشعبى؛ مجموع التقاليد الشعبية والعادات الخاصة بثقافة بلد ما وحضارته «فلكلور شعبى، تراثى، غنائى»، وهو، بالإجمال، مرآة عادات الشعوب كما تقول المعاجم اللغوية.
أجد نفسى فى غنى عن ذكر الثراء الفلكلورى الذى تتمتع به بلادى الحبيبة، لا سيما فى الصعيد والدلتا، فهو مشهور كل الشهرة، وإن كانت شهرته ليست تفصيلية وإنما مجملة، ولهذا أتكلم هنا، راجيًا أن يجرى اهتمام أكبر بفلكلورنا القوى العظيم، هناك نقص حاد فى الدراسات التى تتناول الموروث، وفى الكتابات التى تعرف به، وتحث على جمعه وحفظه من الاندثار.
حين حصلت على منحة التفرغ من وزارة الثقافة المصرية، فى 2008، وهى المنحة التى استمرت إلى حدها الأقصى «أربع سنوات»، حرصت على أن أتقدم بمشروع فى العلوم الاجتماعية، كل عام كتاب، وقد جرى الأمر هكذا فعليًا، ولكن التفرغ لا يملك ميزانية لطباعة الكتب؛ وعلى هذا نشرت كتابًا واحدًا عن إحدى دور النشر الخاصة، وظلت الكتب الباقية، وهو موضوع متصل يكمل بعضه بعضًا، معطلة حتى الساعة، إلى أن أوفر لها نقودًا للنشر، وتدرون المصاعب الاقتصادية، أو أجد ناشرًا متحمسًا لا يبالى بالتكلفة أو المقدم المادى على الأقل.
منذ عامين شاركت فى الفيلم الوثائقى «وحدوه- الموت بالمصرى»، من إنتاج شركة cmc ومن إخراج المبدعة رشا الشامى، وهو فيلم عن الجنائز والتعديد العامى على الموتى «ذكر مناقبهم ومحاسنهم»، وما إلى ذلك مما يتعلق بالموضوع المثير، وهى منطقة فلكلورية صادحة لا لبس فيها، وقد حقق الفيلم نجاحًا هائلًا، وطالبنى الأصدقاء بتكرار التجربة فى مناطق شبيهة؛ لأنهم مولعون بالفلكلور، ويحبون العروض التى تجليه أمام أعينهم، والناس الذين لديهم وعى بحكاياته.
تنبهت إلى الفلكلور مبكرًا؛ لأننى ابن الصعيد المصرى الجنوبى العاج به، مظهرًا ومخبرًا، ومن خلال القراءة فى مجاله طبعًا، وإن كانت الأعطيات محدودة كما أسلفت، ثم من خلال البحث والدراسة إذ اضلعت بهما شخصيًا فى نطاقه، محاولًا تقديم شىء جديد فى هذا النطاق المذهل الآسر، ومن خلال الفرجة على الوثائقيات أو المشاركة فيها.
كم شعرت، فى مقام الفلكلور، أننى أحيى العلم فى طابور الصباح المدرسى، أو أتنزه على النيل، أو أزور الأهرام والمعابد والمتاحف، أو أتأمل الناس العاديين فى بيوتهم البسيطة الطيبة، شعرت بذلك كله فى الحقيقة، والمعنى شعرت بحضور الوطن، الوطن العلم والوطن الحضارة والوطن القوة البشرية، الفلكلور يضع الإنسان السابح فيه فى صميم بلده، ولا يصح أن يخرج من بحوره إلا شديد الانتماء، حاصدًا لآلئ فى قلبه وفى كلتا يديه.
روائح الفلكلور فى كل شارع وحارة فى مصر، وفى الأماكن برمتها، وفى المواسم والمناسبات أيًا كانت، ومهما تكن فلكلورات البلدان الأخرى فإن العرب والأجانب، على حد سواء، يستريحون إلى فلكلورنا بذاته، ويصفونه بالمدهش الحميم.