محمد سعيد الرز يكتب: ماذا لو فشلت مفاوضات غزة؟
دخلت المفاوضات غير المباشرة بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس وأخواتها من الفصائل الفلسطينية في غزة دائرة الشك في إمكانية نجاحها. صحيح أن مصر لعبت دورا اساسيا ومكثفا في صدور البيان الثلاثي باسم رئيسي الولايات المتحدة ومصر وامير قطر ادراكا من القاهرة للعواقب الكارثية التي تسببها الحرب الإقليمية المفتوحة ، لكن نتنياهو المحكوم بعنجهية عنصرية مفرطة ذاهب في اتجاه آخر بعيدا عن الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار فهو يتمادى في حرب الابادة ضد ابناء غزة ساعيا نحو سراب عنوانه تفريغ هذا القطاع من أكثر من مليوني فلسطيني ليضمه إلى دائرة المستوطنات وليتفرغ بعد ذلك إلى إلحاق الضفة الغربية به ، وهكذا يكون قد حقق الهدف الاستراتيجي الرابع في الحلم الصهيوني بعد قيام المنظمة الصهيونية العالمية وتهجير اليهود إلى فلسطين وإقامة كيان معترف به على أرضها وممهدا ، بعد الاستيلاء على كل فلسطين ، لتحقيق الهدفين المتبقيين وهما تدمير مقومات الدول العربية وتفجير مجتمعاتها والذهاب نحو إسرائيل الكبرى .
هذا المشروع العنصري انكشفت بنوده بداية ستينيات القرن الماضي وتحدث عنه كثير من المفكرين العرب أبرزهم الكاتب الحكم دروزة في مؤلفه الجامع عام 1964 تحت عنوان بروتوكولات حكماء صهيون .
من هنا ندرك لماذا ينهج نتنياهو وحكومته العنصرية أسلوب الابادة البشرية لابناء غزة ، ورفضه وتمييعه لأي صفقة تفضي إلى وقف إطلاق النار ، وقبل ذلك تصميمه على دفن اتفاق أوسلو ومحاولة اغتيال اتفاق وادي عربة والسعي لخرق اتفاق كامب ديفيد في محور فيلادلفيا واتهاماته المغرضة والباطلة لمصر بتسريب السلاح إلى مقاومة غزة ، إضافة إلى تشريع صهيونية الدولة الإسرائيلية في الكنيست والاستهداف الدائم لحرمة المسجد الأقصى ونشر المستوطنات في الضفة الغربية وغلاف غزة وقرب الحدود الأردنية. المفاوضات الدائرة الآن في الدوحة أو القاهرة يريد منها نتنياهو أن تحقق له في التفاوض ما عجز عن تحقيقه في الحرب ، أي أن يسترد كل الأسرى مقابل من يحددهم هو من معتقلين فلسطينيين وهو الذي يشترط إلى أين يذهبون بعد خروجهم من المعتقلات الإسرائيلية، ويريد أن يبقي محور نتساريم الواصل بين شمال غزة وجنوبها تحت سيطرته ، وأن يبقي جيشه في محور فيلادلفيا على حدود سيناء ، وأن يعود للحرب اذا فشلت المرحلة الثانية من التفاوض وأن لا يكون لحماس وأخواتها اي دور عسكري أو سياسي أو إداري وأن يرهن إعادة إعمار غزة بتطورات المرحلة الثانية ويرفض اي دور للسلطة الفلسطينية في القطاع . أنه يتصرف وكأنه منتصر في حربه علما انه لم يستطع تحقيق اي هدف من أهدافها طيلة عشرة أشهر، ولذلك يصبح السؤال مشروعا ماذا لو فشلت مفاوضات الفرصة الأخيرة؟
في البدء فإن نتنياهو يريد اهداء اي صفقة سلام ، اذا تحققت وهذا مستبعد ، للمرشح دونالد ترامب الذي يراهن عليه بدلا من الرئيس المغادر للبيت الأبيض جو بايدن ، ويبدو أن هذا هو السر المخفي الذي يجعل كل الموفدين الدوليين يستغربون تعنت نتنياهو حيال مشاريع التفاوض الثلاثة حتى الآن، وآخرهم وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن في زيارته العاشرة لتل أبيب منذ السابع من أكتوبر.
واذا فشلت المفاوضات الحالية فهذا يعني عودة إيران واذرعها في المنطقة ، حزب الله والحوثيين والفصائل العراقية إلى نقطة التوتر الأعلى ، على اساس أن إسرائيل واميركا من ورائها يريدان شراء الوقت لتمييع وتفريغ قوة الرد الذي تعهدوا به بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في ضاحية بيروت .
ويقال أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أبلغ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بأن حزب الله ومحور المقاومة فقدوا ثقتهم بوساطته ، أي هوكشتاين ، كونه وعدهم سابقا بأن إسرائيل لن تقصف بيروت وضاحيتها الجنوبية ، لكنها فعلت ذلك .
و من هنا تؤكد المعلومات في العاصمة اللبنانية أن اي تعقيد أو فشل في المفاوضات الحالية وبعد التنازلات الفلسطينية ورفض تل أبيب تقديم اي تنازل بل على العكس هي تقدم شروطا لا يمكن القبول بها ، فإن الرد سيكون محتما وقويا وموجعا ويستمر لعدة أيام أو أسابيع، وهو لن يكون مماثلا لما سبقه ، على أن يبدأ حزب الله بالرد وتتولى إيران وحلفائها الترصد للرد الإسرائيلي، أما إذا صمم نتنياهو على اندلاع حرب اقليمية كبرى فالحسابات متخذة لذلك حتى ولو استغرقت هذه الحرب ثلاث سنوات .
هذا في حال فشلت المفاوضات ، وهو ما تسعى مصر لتجنيب المنطقة كوارثه خاصة في ظل التطورات الخطيرة على الساحة العالمية من بحر الصين إلى كوريا إلى أوكرانيا. حرب موسعة تعني انهيار معادلات كثيرة في المنطقة وتغيير معالم قائمة .