ليس خيرًا مطلقًا.. فاحذروه
فيديو مثير جدًا شاهدته قبل ساعات لطفلة يبدو من ملامحها أنها من دول جنوب شرق آسيا، ولا يتجاوز عمرها الخمس سنوات. الطفلة تغُط فى نوم عميق، بينما تتحرك أصابع يدها اليمنى نحو كف يدها اليسرى المفتوح وكأنها تحمل فيه جهازًا محمولًا ضاغطة على أزراره. يصاحب الفيديو كتابة موجزة تفيد بأنها شديدة التعلق بهاتفها لدرجة أنها لا تتركه وقت تناول طعامها، ما انتهى بها إلى هذا الحال. ثم تلاحقت على الشاشة معلومات تستهدف توعية المتابعين بتأثيرات الإنترنت عمومًا والهاتف المحمول خاصة على الأطفال، والتى تمثلت فى عدم الراحة فى العينين والتلف التدريجى فى حاسة البصر.
كما يدخل الطفل إلى نمط النوم المتقطع، حيث يستيقظ أثناء الليل، فضلًا عن ملازمة الرعب الليلى.
من التأثيرات السلبية لكثرة استخدام الأطفال الإنترنت أيضًا ما يصيب الصحة العقلية للطفل، فيكون عُرضة للقلق والاكتئاب وطيف التوحد، فضلًا عن تأخر النطق عند الرُضع منهم. أما طلاب المدارس من مدمنى الإنترنت فسينتهى بهم الأمر لعدم الانتباه، وبالتالى الحصول على الدرجات المنخفضة. لكن الخطر الحقيقى الذى يهدد المدمنين لاستخدام الإنترنت عبر الهاتف من الأطفال فهو خطر الإصابة بأمراض مزمنة فى عمر صغير مثل أمراض السمنة والسُكرى، ومستقبلًا يكون هذا الطفل ضحية محتملة لارتفاع ضغط الدم.
لا يمكن لمنصف أن ينكر ما للإنترنت من فوائد كثيرة استفاد منها كل من تعاملوا معه، إذ تتعدد أوجه النفع به من تسهيلات توفر جهدًا ووقتًا ومالًا كنا نبذلها جميعًا قبل أن يصل الإنسان لهذه المعجزة، التى لا يمكن لعاقل أن ينكر فضلها على البشرية فى كل القطاعات. ولكنه الإنسان الذى يفسد بسوء استخدامه كل صالح ويلوث كل جميل، فى حين يبقى الأصعب فى الأمر هو حين نعجز عن حماية أولادنا وبناتنا الصغار من مساوئ هذا الاختراع.
كثيرة هى المآزق التى قد يتعرض لها أطفالنا حين نبيح لهم استخدام الإنترنت بحرية مطلقة دون عين رقيبة ترشد وتوجه. الخطر الحقيقى أن الطفل ليس كالكبار، فهو لا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه حيال ما قد يتعرض له جرّاء استخدامه الإنترنت. فلا أظن أن طفلًا يمكنه أن يدفع عن نفسه أذى المتنمرين عبر صفحات السوشيال ميديا إذا ما تعرض للتنمر لأى سبب كلون بشرته أو طول قامته أو بسبب جنسيته أو تبعًا لديانته أو غيرها من الأسباب التى تدعو المتنمرين لتسليط أنيابهم لنهش جسد هذا الطفل أو ذاك بسب وطنه أو تدمير نفسيته أو تشكيكه فى عقيدته.
والحل الأسلم فى مثل تلك الحالات هو أن نجنب أطفالنا كل تلك الأخطار المحتملة بأن نمنعهم عن التعامل مع الإنترنت قدر المستطاع، أو أن تكون دقائق وُلوجه إليه تحت رقابتنا المباشرة إذا لم يكن قد تجاوز العشر سنوات. أما الأطفال الأكبر من ذلك نسبيًا فهم لن يسمحوا لولى الأمر بمراقبتهم، وهنا يكون الحل الأنسب هو المتابعة وليس المراقبة المباشرة.
إننا حين نُولى أطفالنا شيئًا من وقتنا ونمنحهم كثيرًا من اهتمامنا بمتابعة نشاطهم عبر الإنترنت فإننا بهذا لا ننتهك حريتهم ولا نجُور على حق من الحقوق التى تم تكريسها فى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989، وهى المعاهدة التى حازت أكبر قدر من التصديقات فى العالم، ولكننا فى هذه الحالة نحميهم من أن يكونوا عُرضة لأى انتهاك أو استغلال عبر الإنترنت بما فى ذلك الاستغلال الجنسى.
أظن أن من واجبنا كولاة أمور أن نكون داعمين لأى إجراءات تهدف لحماية أبنائنا من مخاطر الإنترنت، وأن لا ندعهم فريسة سهلة لهذا الوحش الإلكترونى الذى لا يملك قلبًا. ولا أرى عيبًا فى الاستفادة من تجربة أى دولة استطاعت حماية أطفالها من مخاطر الإنترنت، فتلك هى التجارب التى يصح أن نصفها بالتجارب الإنسانية بحيث لا تستأثر بها دولة بعينها دون غيرها من دول العالم.