الروائي مصطفي نصر يكشف لـ"الدستور" ذكرياته مع إدوارد الخراط
كشف الكاتب الروائي الكبير مصطفي نصر كواليس الصداقة التي جمعته بـ إدوارد الخراط، وقال في تصريحات خاصة لـ“الدستور”: قرأت للعديد من القصاصين والروائيين العرب، أكثر مما قرأت لإدوارد الخراط، رغم ذلك، فهناك وشائج كثيرة تجمعني بإدوارد الخراط، فهو أصلا من بلدة أخميم بصعيد مصر، وأنا من بلدة المراغة - المدينة القريبة جدا من أخميم - وجاء والدي وإخوته الأربعة أيضا إلى الإسكندرية للبحث عن عمل.
غيط العنب وبنات الإسكندرية
ويترك إدوارد حي غيط العنب ويسكن شارع ابن زهر، فسألته: “شارع ابن زهر من ناحية حي كرموز، أو حي محرم بك؟ فقال: من ناحية حي محرم بك، يعني قريبا جدا من شارع الأقحوان الذي أسكنه”.
يذكر الخراط في روايته "يا بنات الإسكندرية" إن منى تخرج في الصباح من حارة الجلنار بغيط العنب، ولا تعود من مشغل روزا الخياطة الشامية في غيط العنب- أيضا – إلا في العصرية. وبعدها بقليل تعود جمالات – أختها الكبيرة – من فابريقة الغزل بكرموز.
ويضيف “نصر”: وأنا أعرف حارة الجلنار جيدا، أما عن فابريقة الغزل في كرموز فقد دخلتها مرات كثيرة جدا وأنا صغير، فقد كنت أحمل عمود الأكل لفتاة - جارة لنا في البيت - لتفطر به في شهر رمضان عندما تعمل في وردية الساعة الثالثة، حيث تبقى في الفابريقة حتى الحادية عشر مساء.
يصعد إدوارد إلى سطح البيت، يقتحم مملكة البط، يتابع منى وهي تضع دكر البط تحت فخذها برفق، وتمسك المنقار المفلطح بيد وتقطر الماء، وباليد الأخرى تزج بأقراص الردة المعجونة بالذرة العويجة.
يطلب إدوارد مقابلة منى بعد أن أخلفت موعدين، غير مؤكدين مع ذلك، مرة في الشلالات، ومرة على قمة حارتنا وشارع راغب باشا.
وشارع راغب باشا هو الشارع الرئيسي في حينا، والمنطقة كلها متسمية على إسمه، وهو الشارع الخلفي لشارعنا، يعني ممكن أسمع من بيتي أصوات نفير السيارات العالية في شارع راغب باشا.
وذكر إدوارد إن منى ترفع وجهها إلى محروس ـ ابن خالتها ـ الطويل، الغليظ الشفتين الذي يسكن بيت ملك في البياصة بعد شارع 12.
وشارع 12 قريب من بيتي، واسمه الحقيق شارع يوسف الحكيم، واشتهر باسم شارع 12، لأن عرضه 12 متر، أيام كانوا يسمون الشوارع بعرضها، شارع 8 وشارع 12.
لكن البياصة ليست بعد شارع 12، وإنما هي في نهاية شارع الروضة، المعروف هناك باسم جبل ناعسة، وهو في منتصف شارع 12 تقريبا.
الخراط أمين مخازن الإنجليز في الحرب العالمية الثانية
ويمضي نصر في حديثه عن إداوارد الخراط، لافتا إلى: في قصة من قصص إدوارد، يتحدث عن عمله أيام كان أمين مخازن الإنجليز وقت الحرب العالمية الثانية، فقد جاءت سفينة محملة بالبضائع، ولابد من تعتيقها وإدخالها المخازن، فيذهب إدوارد الخراط إلى حي اللبان، وفي شارع متفرع من شارع الفراهدة الكبير والمشهور هناك، يدخل شارع القاضي الفاضل، هذه المنطقة كانت جزء من الكومبكير، أيام الدعارة المرخصة، ثم شارع الجنينة وشارع ابن بطوطة وشارع النجع وشارع النخل، وهذه كانت الدعارة الرخيصة في الإسكندرية، وإنما مكان الدعارة الراقية في شارع الهماميل الذي يذهب إليه الضباط الإنجليز، لذا أقاموا هناك نقطة شرطة الهماميل لحمايتهم.
يدخل إدوارد شارع القاضي الفاضل، يعرف هو رقم البيت الذي لم يدخله من قبل، لابد من أن يأتي بمقاول التعتيق لنقل البضائع، هو مضطر لمقابلة هذا المقاول.
يصعد إدوارد درجات السلم، يصل للدور الأول العلوي، نساء شبه عرايا تقفن أمام الشقة، يدعونه للدخول، وهو مكسوف، لا يجيبهم بشيء، يضع قدمه على أول درجة لتصل به إلى الدور الثاني العلوي، فتضحك امرأة في خلاعة، قائلة: هو أنت منهم؟ وتكمل الأخرى السخرية منه.
أمام الشقة الثانية صبي ينام في إغراء كاشفا عن نصفه الأسفل، ورجل يدعو إدوارد للدخول، وإدوارد لا يجيبهم بشيء، ففي المكان كل أنواع الدعارة. يكمل إدوارد الصعود إلى سطح البيت، حيث حجرة المقاول الصعيدي الذي إختلف مع زوجته، فترك لها البيت وجاء إلى هنا ليسكن حجرة فوق السطوح.
يرتدي المقاول ملابسه مسرعا، وينزل معه، يقول إدواردد له إدوارد: كيف تعيش مع ناس بهذا الشكل؟
فيقول المقاول الصعيدي باستخفاف: دول غلابة.
إنني أعرف حي اللبان جيدا، فشارع الفراهدة تحول الآن إلى منطقة صناعية فيها ورش الحديد والمسابك، وورش الخشب التي عمل أقاربي فيها، وزرتهم كثيرا هناك.
اختلاف رأي البعض مع إدوارد الخراط
إدوارد جمع بين نقاء اللغة العربية وجذالتها، فلغته حساسة وشاعرية، وأتقن اللغتين الفرنسة والإنجليزية، وبعض أعماله تتصف بالغموض والضبابية، وفي ندوة بقصر ثقافة الحرية تحدث الناقد عبد الرحمن أبو عوف في ذلك، وهو يناقش صديقنا سعيد بكر الذي حاول انتهاج طريقة إدوارد الخراط ومحمود عوض عبد العال ومحمد إبراهيم مبروك ومحمد الصاوي في كتابة القصص، فقال عبد الرحمن أبو عوف لسعيد بكر: “الطريق الذي تمشي فيه لا يؤدي للطريق العام، بل هو مسدود، وكل من مشى فيه لم يكمل طريقه، وأذكروا لي كاتب واحد مازال مستمرا في السير في هذا الطريق”.
قلت له: إدوارد الخراط، فقال عبد الرحمن أبو عوف في استخفاف: هو فيه حد بيقرا لإدوارد؟
وفي لقاء أدبي آخر في مدينة الإسماعيلية، قابلت مجموعة من الأدباء، بعضهم كان متحمسا ومبهورا بإدوارد الخراط، فقلت لهم: إنني اقرأ لاستمتع بالقراءة، وهذا ما لا أجده في بعض أعمال إدوارد.
فقال أحدهم بحماس شديد وقد غلبني برأيه: “المتعة نسبية، ونحن نجدها في أعمال إدوارد أكثر من غيره”.