رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شخصية «قلب» مجدى يعقوب.. المتفردة

أمس الأول «الإثنين» تم تدشين مركز «مجدى يعقوب رواندا» لجراحة القلب، الذى أنشئ على غرار مركز أسوان، فى وجود الجراح العظيم ووزير خارجية مصر بدر عبدالعاطى، وقال يعقوب لـ«القاهرة الإخبارية»: «كل شىء بالمجان لخدمة الإنسانية المعذبة، فأمراض القلب أول ما تقتل عددًا كبيرًا من الناس، كما أنها تصيب الفئات السنية المختلفة، بالإضافة إلى أنّ الدول النامية بها أمراض كثيرة، ولا بد من تكرار مثل هذه المشروعات الطبية فى مختلف الدول الإفريقية»، افتتاح مركز كهذا إلى جوار معناه الإنسانى الراقى، هو عمل وطنى يليق باسم الرجل، ويليق بمصر التى تسعى إلى ترميم العلاقات مع الأشقاء الأفارقة.

يحدث هذا فى وقت يسعى فيه بعض القراصنة المرتزقة الى إحداث فتنة بنشرهم صورة مفبركة لأمير القلوب تدعى أن الرجل الكبير أعلن إسلامه، وتبين أنها كانت للدكتور «يعقوب» وهو يحتفل بأقدم مريض زرع له قلب لرجل شرطة إنجليزى، ديفيد آجات، يبلغ من العمر ٩٠ عامًا، وحمل يعقوب فى الصورة لافتة كتب عليها «عيد ميلاد سعيد ديفيد»، إلا أن مروجى الصورة المزيفة عدلوا فى الصورة واستبدلوا لافتة التهنئة بعيد الميلاد، بلافتة مكتوب عليها «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله».

كان أكثر المتفائلين يعتقد أن الشرطى الإنجليزى لن يعيش بعد إجراء العملية أكثر من سبعة أشهر، ولكن إرادة الله جعلته يعيش بعدها ٣٧ عامًا، ولا تدرى هدف الذى فبرك الصورة؟.

يعقوب الذى سيتم فى نوفمبر المقبل عامه التاسع والثمانين قدم ويقدم للبشرية ما يجعلنا نفخر بجنسيته المصرية، هو فارس، ليس فقط لأنه استحق اللقب من ملكة إنجلترا، ولكن لأن الفروسية هى العمل لصالح الضعفاء.

قبل ذلك قال أحد القادمين من الكهوف المظلمة فى التاريخ إنه لن يدخل الجنة، لأنه قبطى، «وكأن الله تعالى وكَّلهم بمصائر خلقه وأعطاهم حق إدخال هذا إلى الجنة وذاك إلى النار؟»، كما علقت دار الإفتاء وقتها.

الرجل الذى أحب جمال عبدالناصر الذى قال إن تعليم الطب حق لكل إنسان، وقال فى حديث للتليفزيون المصرى: «وهذا جعلنى أعمل ليل نهار، وكان هناك أطباء روس يدرسون فى كلية طب قصر العينى، وكانوا يعلموننا جيدًا، وكنا نذهب للريف لعلاج الناس البسيطة، وده كان بالنسبة لنا درس إنسانى»- يردد دائمًا أنه «خدام» المجتمع والناس الغلابة، ولا توجد تفرقة بين الناس، لأن المرض واحد والعلاج واحد ومهمتنا تخفيف آلام الناس.

ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن هذا الرمز المصرى الذى لم يفرق بين مواطنيه بسبب الدين أو اللون أو العرق أو المستوى الاجتماعى، يعمل بما يرضى الله ولا ينتظر ربحًا ولا ثناءً من أحد، هذا الرجل الذى تخرج فى كلية الطب فى جامعة القاهرة سنة ١٩٥٧ وتعلم فى شيكاغو فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أتم اختصاصه، بعدها رحل إلى بريطانيا، وقرر أن يتخصص فى جراحة القلب وأصبح إخصائيًا فى جراحة القلب والرئتين.

ويمكن أن نشير إلى بعض إنجازاته: تأسيس أكبر برنامج لزراعة القلب والرئة فى العالم فى بريطانيا، إنشاء مركز علوم القلب لندن، عام ٢٠٠٩ أنشأ مركز قلب أسوان للجراحات والبحوث فى صعيد مصر لمساعدة الأطفال الذين يعانون مشاكل فى القلب، أسهم فى إنشاء سلسلة الأمل الخيرية التى توفر الرعاية الجراحية القلبية للعالم النامى، أجرى العديد من العمليات الجراحية للأطفال فى جميع أنحاء العالم الذين ولدوا بسبب عيب خلقى فى الأوعية الدموية الرئيسية، كما أشرف على أكثر من ١٨ رسالة دكتوراه فى جراحة القلب، ونشر أكثر من ١٠٠٠ مقال علمى، وضع برامج للتدريب والبحث فى مجال جراحة القلب والأوعية الدموية.

ووالده دكتور «حبيب يعقوب» كان جراحًا أيضًا، وكان قدوة، وربما كانت حكاية عمته «أوجينى» التى توفيت ولم تتجاوز ٢١ عامًا من عمرها لإصابتها بضيق فى صمام القلب، وحزن والده عليها، هما ما جعلاه يريد أن يصبح جراحًا فى القلب.

نال السير مجدى يعقوب العديد من التكريمات المدنية نذكر منها على سبيل المثال: لقب فارس عام ١٩٩١، ووسام دولة باكستان، ووسام الجمهورية اللبنانية، ووسام مدينة بارما، ووسام مدينة أثينا، وجائزة راى فيش من معهد القلب فى تكساس للإنجاز العلمى فى أمراض القلب والأوعية الدموية عام ١٩٩٨، وجائزة الإنجاز المتميز عام ١٩٩٩، جائزة غولدن هيبوكريتس الدولية للتميز فى جراحة القلب عام ٢٠٠٣، وجائزة الجمعية الدولية لجراحة القلب وزرع الرئة عام ٢٠٠٤، والميدالية الذهبية من الجمعية الأوروبية لأمراض القلب عام ٢٠٠٦، ووسام الاستحقاق من رئيس الأكاديمية الدولية لعلوم القلب والأوعية الدموية عام ٢٠٠٧، وقلادة النيل العُظمى للعلوم والإنسانية عام ٢٠١١ وغيرها من الجوائز، لكن محبة الناس وتقديرهم له ولعلمه ولتواضعه ودأبه ومحبته لمصر والمصريين ستظل هى الجائزة الأهم.

عملية القلب فى إنجلترا تتكلف ٢٠٠ ألف دولار، ولكنها فى مركز أسوان تتكلف تسعة دولارات، هو يقول إنه لولا الطب كان يتمنى أن يزرع البرتقال، سئل مرة: هل قلوب البشر كلها متساوية، وما السبب الرئيسى فى اعتلال عضلة القلب؟، أجاب تقريبًا القلوب واحدة، لكن يظل لكل قلب على حدة شخصيته المتفردة، وهناك ظواهر إنسانية ومجتمعية وطبية بحاجة إلى وقفة للدراسة والتأمل، فمثلًا تمثل مصر وروسيا أعلى الدول فى معدلات الإصابة بالأمراض القلبية.. السير مجدى يعقوب أنت فى القلب.