الدواء.. أمن قومى
لا أحد ينكر وجود أزمة فى الدواء، وهناك حرص شديد جدًا من الدولة لعلاج هذه الأزمة، باعتبار أن توفير الدواء قضية أمن قومى، هذه الأزمة مردها إلى أسباب كثيرة، أولها على الإطلاق هو ارتفاع سعر الدولار الذى بموجبه يتم استيراد المواد الخام الفعالة فى تصنيع الدواء المصرى، وثانيها هو ثقافة المصريين فى استخدام الدواء، فالكثيرون لديهم هاجس خطير جدًا فى هذا الأمر، وهو القيام بالتخزين؛ خوفًا من نقص الدواء أو زيادة سعره، وثالثها هو عملية العرض والطلب التى تتم فى الأسواق، ورابعها هو أن الفترة الماضية قد توقف بعض المصانع عن العمل بسبب نقص المواد الخام.
هذه الأسباب الأربعة دفعت الحكومة مؤخرًا إلى العمل على حل الأزمة فى أسرع وقت. والمعروف أن مصر تنتج ٩١٪ محليًا من الدواء والباقى يتم استيراده من الخارج، وقد بدأت الحكومة تستشعر هذه الأزمة وتعالجها بفطنة وكياسة، عندما وفرت الدولار الكافى لاستيراد المواد الخام لبدء تشغيل المصانع المتعطلة، ويتبقى أمر مهم، هو ثقافة الاستهلاك عند المصريين، التى يجب أن تتغير فى ظل أن الدواء هو السلعة الثانية المسعرة فى البلاد بعد المواد البترولية، وبالتالى هناك إقبال شديد كما قلت على شراء الدواء؛ خوفًا من أمرين الأول زيادة الأسعار والثانى خوفًا من نقص المنتج. هذه الثقافة لها تأثير سلبى وخطير فى ظل أن كثيرين من المواطنين لا يتعاملون مع شراء الدواء بالاسم العلمى، وإنما بالعلامات التجارية، فى حين أن هناك دواء ما تكون له عدة بدائل من ذات المادة العلمية، وثقافة المصرى تصر على الشراء طبقًا للعلامة التجارية. كل ذلك يتسبب فى أزمات كثيرة.
والحقيقة أن هذه الأزمة شهدت مؤخرًا انفراجة بعد أن بدأت المصانع فى العودة للعمل بكامل طاقتها.
وتساند الدولة العاملين فى القطاع الطبى، من أجل توفير احتياجات المريض من الدواء، كما تستهدف الدولة توطين صناعة المستحضرات الحيوية وتوفيرها محليًا.
كما بدأت الحكومة فى التصدى للعقبات التى تواجه سوق الدواء، خلال الفترة الماضية، وتم العمل عليها تدريجيًا، بموجب تدابير اتخذتها الدولة، وقرارات عاجلة على جميع الأطراف بالسوق الدوائية، والتى بدأت بتدبير العملة الأجنبية لاستيراد المواد الخام، وإعادة النظر فى تسعير بعض الأدوية المهمة بعد تحرير سعر الصرف، مع مراعاة الجانب الاجتماعى للمواطنين، والاهتمام بإعادة رفع معدلات الإنتاج لكامل طاقتها، وضمان تحقيق سعر عادل وفقًا لالتزام الحكومة بالبُعد الاقتصادى للصناعة الدوائية.
لذلك بدأت انفراجة فى أزمة نواقص الدواء، لكن تحتاج بعض الوقت ليشعر المواطن بها؛ نظرًا لوجود ٨٠ ألف صيدلية فى البلاد، ولا يمكن إتاحة الأدوية الناقصة فى جميعها دفعة واحدة.
وهنا نعود إلى ثقافة التعامل مع الأدوية، فحين يتوفر الدواء الناقص تنتعش ظاهرة تخزين الدواء لدى بعض المرضى خوفًا من نقصه مرة أخرى، فيتم استهلاك أدوية بنسبة أعلى من إنتاج الشركات، وهو الأمر الذى يجعل فترة انتهاء الأزمة أطول، لدرجة أن حجم مبيعات الأدوية فى مصر بلغ ٩٠ مليار جنيه خلال الفترة من يناير إلى يونيو الماضى، بنسبة زيادة ٤٥ فى المائة عن ذات الفترة العام الماضى.
أليست قضية الدواء أمنًا قوميًا، ولا يمكن أبدًا أن تتخلى الدولة عن إيجاد حلول لها؟ والدليل هو تكليف الحكومة فى خطاب التكليف الرئاسى بضرورة الاهتمام البالغ بصحة المواطن، ويأتى على رأس ذلك توفير الدواء.
وهذا ما دفع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إلى القول بأن أزمة نقص الأدوية ستنتهى تدريجيًا خلال الثلاثة أشهر المقبلة، بعد تنفيذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لاستقرار سوق الدواء.