رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد مجزرة (التابعين).. هل تتوقف نيران إسرائيل؟

حشود عسكرية أمريكية تتوافد على المنطقة، حتى وصلت إلى قبرص بشكل غير مسبوق، استعدادًا لمواجهة ضربة مرتقبة على إسرائيل، من إيران وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ردًا على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس السابق في طهران، واغتيال فؤاد شكر، رئيس أركان حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، والضربة الجوية لميناء الحديدة في اليمن.. وجهود دبلوماسية مكثفة، تتسابق عليها عواصم كثيرة، بغية إثناء طهران وأطرافها الأخرى، عن ضربتها المحتملة لإسرائيل، تجنبًا لتفجر حرب إقليمية في المنطقة، لا يعلم أحد ما الذي سينتج عنها.. وجولة دبلوماسية جديدة، دعا إليها الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الأمريكي جو بايدن، في بيان مشترك إسرائيل وحركة حماس إلى استئناف المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يوم الخامس عشر من أغسطس، في الدوحة أو القاهرة، لأن (الوقت قد حان، وبصورة فورية، لوضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لسكان قطاع غزة، وكذلك للرهائن الإسرائيليين وعائلاتهم، وحان الوقت للانتهاء من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين)، بعد أن سعت الأطراف الثلاثة: مصر وقطر والولايات المتحدة جاهدة، على مدار عدة أشهر للتوصل إلى اتفاق إطاري، مطروح الآن على الطاولة ولا ينقصه سوى الانتهاء من التفاصيل الخاصة بالتنفيذ.. وهو ما ثمنه كل العواصم الإقليمية والدولية.
هذا الاتفاق الذي (يستند إلى المبادئ التي طرحها الرئيس بايدن نهاية مايو الماضي، والتي دعمها قرار مجلس الأمن رقم 2735)، ينبغي عدم إضاعة مزيد من الوقت، كما يجب ألا تكون هناك أعذار من قبل أي طرف لمزيد من التأجيل.. فقد حان الوقت للإفراج عن الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق، وهم كوسطاء، (مستعدون، إذا اقتضت الضرورة، لطرح مُقترح نهائي لتسوية الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ، وعلى النحو الذي يلبي توقعات كل الأطراف)، واستئناف المحادثات المُلحة يوم الخميس القادم، في الدوحة أو القاهرة، بهدف سد كل الثغرات المتبقية، وبدء تنفيذ الاتفاق بدون أي تأجيل، وهو الاجتماع الذي يجري التخطيط له وسيحضره الوسطاء الرئيسيون، لكنه يحتاج موافقة إسرائيل وحماس.
هذا البيان المشترك، يعكس التزام الدول المشاركة بإيجاد حل سلمي ودائم للنزاع، وعلى جميع الأطراف المعنية الاستجابة لهذا النداء بحسن طوية، والمشاركة في المفاوضات بنية صادقة لإنهاء الصراع في غزة.. كما يؤكد أن مصر ستظل دائمًا داعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وستواصل بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وهو الدور الفعّال الذي تلعبه مصر في دعم القضية الفلسطينية وتحقيق الاستقرار في المنطقة، اتساقًا مع جهودها الدءوبة في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث لم تدخر القاهرة جهدًا في تسهيل دخول المساعدات وضمان وصولها إلى المحتاجين رغم التحديات والصعوبات.
لقد جاء البيان تعبيرًا عن الدور الحيوي والمحوري الذي تلعبه مصر في تعزيز الاستقرار في المنطقة، حيث كانت القاهرة، على الدوام، ركيزة أساسية في الجهود المبذولة للتوصل إلى حلول دبلوماسية للصراعات المستمرة، خصوصًا منذ اندلاع الحرب على غزة، وتحذيرها المستمر من توسع رقعة الصراع في المنطقة.. قد أثبتت مصر، بتاريخها الطويل في الوساطة والعمل الدبلوماسي، مرارًا وتكرارًا، قدرتها على قيادة جهود السلام في الشرق الأوسط، ليأتي البيان المشترك مؤكدًا، مرة أخرى، الدور المصري كعامل استقرار في المنطقة، ويعزز من مكانة القاهرة كمركز مهم لحل النزاعات الإقليمية.. إذ إن الجهود المصرية المتواصلة، سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو من خلال العمل المباشر مع الأطراف المعنية، تُظهر التزامًا واضحًا بدعم السلام وحماية حقوق الإنسان في المنطقة.. واستضافة مصر المتوقعة للمفاوضات المقبلة، في حال انعقادها في القاهرة، ستعطي دفعة قوية لهذه الجهود، وستؤكد من جديد دورها القيادي.
وفي رأيي، فإن البيان يعكس التعاون المثمر بين مصر وقطر والولايات المتحدة، الذي يعد مثالًا على أهمية الشراكات الدولية في مواجهة التحديات المشتركة.. فهذا التوافق بين الدول الثلاث على ضرورة استئناف المفاوضات، يعكس رغبة حقيقية في الوصول إلى حل دائم وشامل للصراع في غزة.. ويبقى من الضروري تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف إطلاق النار على غزة، حفاظًا على أرواح الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، لأن استمرار العنف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسئولياته التاريخية في حماية الشعب الفلسطيني، وضمان وصول المساعدات إليه بشكل آمن ومستدام.. وعلى إسرائيل أن تثبت، ولو لمرة واحدة، أنها جادة في مفاوضات وقف إطلاق النار في المنطقة، تجنبًا لمزيد من القتل والدمار، وسعيًا لأن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في أمان.. ليبرز السؤال المهم: هل تريد إسرائيل حقًا، سلامًا في المنطقة؟
لم تمض أربعة وعشرون ساعة على البيان الثلاثي، إلا وتفاجأ العالم بالصور المروعة والمشاهد الصادمة من مدرسة (التابعين) التي تؤوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة، إثر قصفها من جانب إسرائيل، واستشهاد أكثر من مائة فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، كالعادة، في مجزرة جماعية، انتهك بها الاحتلال الإسرائيلي القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من جديد، وسط تقاعس المجتمع الدولي تجاه محاسبة إسرائيل جراء هذه الانتهاكات، وهو ما يُعقد فرص وصول مفاوضات وقف إطلاق النار في القطاع المدمر إلى خواتيمها، عقب البيان المصري ـ القطري ـ الأمريكي، الذي دعا لاستئنافها، لأن الاستهداف المباشر لمراكز الإيواء ومخيمات النازحين، يعتبر جرائم حرب، تُبرز النهج الإجرامي الخطير لقوات الاحتلال، دون أي مراعاة للقيم القانونية والأخلاقية والإنسانية، وهو ما عبرت عنه كل بيانات الإدانة التي صدرت عن عواصم كثيرة، في المنطقة والعالم.
ومثلما دعت مصر إلى ضرورة إحلال السلام بين إسرائيل وحماس، فإنها أدانت، بأشد العبارات، في بيان صادر عن وزارة الخارجية والهجرة، قصف إسرائيل مدرسة (التابعين)، واستنكرت استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في حق المدنيين بقطاع غزة، فى استخفاف غير مسبوق بأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، مطالبة بموقف دولى موحد ونافذ، يوفر الحماية للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، ويضع حدًا لمسلسل استهداف المدنيين العُزل.. واعتبرت مصر أن استمرار ارتكاب تلك الجرائم واسعة النطاق، وتعمد إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل، في وقت يكثف الوسطاء جهودهم لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار في القطاع، هو دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلى لإنهاء تلك الحرب الضروس، وإمعان فى استمرار المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، تحت وطأة كارثة إنسانية دولية يقف العالم عاجزًا عن وضع حد لها.. ومع ذلك، فإن مصر سوف تستمر فى مساعيها وجهودها الدبلوماسية، وفى اتصالاتها المكثفة مع جميع الأطراف المؤثرة دوليًا، لضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشتى الطرق والوسائل، والعمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مهما تكبدت من مشاقٍ أو واجهته من معوقات.
■■ وبعد..
لم تتردد نانسي بيلوسي، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي، عندما سُئلت عما إذا كانت تعتقد أن نتنياهو (عقبة) أمام السلام في الشرق الأوسط، في قولها، (نعم، لقد كان كذلك لسنوات، ولا أعرف ما إذا كان خائفًا من السلام، أو غير قادر على السلام، أو أنه لا يريد السلام.. كان هو العقبة أمام حل الدولتين، لقد كان المشكلة).. وفي مقابلة مع مجلة (تايم) الأمريكية  ألمح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ربما يطيل أمد الحرب في غزة (في محاولة للتشبث بالسلطة)، وردًا على سؤال عما إذا كان يعتقد أن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الصراع لـ (أغراض سياسية)، أجب بايدن أن (هناك كل الأسباب التي تجعل الناس يتوصلون إلى هذا الاستنتاج).. وقال، إن خلافه الرئيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، هو رفضه البدء في التخطيط لغزة ما بعد الحرب، ورفضه إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، (خلافي الرئيسي مع نتنياهو، هو ماذا سيحدث بعد ذلك، ماذا سيحدث بعد انتهاء حرب غزة؟، يجب أن يكون هناك حل الدولتين، والانتقال إلى حل الدولتين، وهذا هو خلافي الأكبر مع  نتنياهو).. ولم يقل بايدن أن نتنياهو لا يريد حلًا لما يحدث في الأراضي المحتلة.. وهذه خلاصة القول.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.