مجزرة الفجر.. منتهى الفُجر
أكثر من مائة مواطن فلسطينى استشهدوا، وأصيب مئات آخرون، إثر قيام الطيران الحربى الإسرائيلى، فجر أمس، السبت، بقصف مدرسة «التابعين»، التى تؤوى نازحين فى حى الدرج شرق مدينة غزة. وأظهرت مقاطع فيديو، من موقع المجزرة، جرى تداولها على شبكات التواصل الاجتماعى، أشلاءً متناثرة، وقطعًا خرسانية مهشّمة ومعادن ملتوية، وعلب طعام فارغة، ملقاة فى بركة من الدماء.
طوال الأشهر العشرة الماضية، «ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، فى حى تلو الآخر ومستشفى تلو الآخر ومدرسة تلو الأخرى ومخيّم للاجئين تلو الآخر وفى منطقة آمنة تلو الأخرى»، وما بين التنصيص كتبته فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة فى الأراضى الفلسطينية، فى حسابها على شبكة «إكس». وعليه، لم تكتف مصر بإدانة مجزرة الفجر، «بأشد العبارات»، بل استنكرت، أيضًا، استمرار الاعتداءات الإسرائيلية فى حق المدنيين بقطاع غزة، واستخفاف دولة الاحتلال، غير المسبوق، بأحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، وطالبت بموقف دولى موحد ونافذ يوفر الحماية للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، ويضع حدًا لمسلسل استهداف المدنيين العزل.
منتهى الفُجر، بضم الفاء، أن تأتى هذه المجزرة بعد ساعات قليلة من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى عن قبوله مبادرة وسطاء التهدئة، التى انتهت، كما أشرنا، أمس، بدعوة حركة «حماس» والحكومة الإسرائيلية إلى استئناف المفاوضات، الأربعاء أو الخميس المقبلين، فى القاهرة أو الدوحة، وأكد فيها قادة مصر والولايات المتحدة وقطر أنهم، كوسطاء، مستعدون، إذا اقتضت الضرورة، لطرح مقترح نهائى، للتغلب على الثغرات، وحل الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ، على النحو الذى يلبى توقعات كل الأطراف. وفى مبادرتهم، أو بيانهم المشترك، قال القادة الثلاثة إن الوقت قد حان «كى يتم بصورة فورية وضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لشعب غزة، وكذا المعاناة المستمرة منذ أمد بعيد للرهائن وعائلاتهم».
تأسيسًا على ذلك، رأت مصر، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، صباح أمس، أن دولة الاحتلال تتعمد «إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل»، و«ارتكاب تلك الجرائم واسعة النطاق»، كلما تكثفت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، واصفة ذلك بأنه دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلى لإنهاء تلك الحرب الضروس، وإمعان فى استمرار المعاناة الإنسانية للفلسطينيين تحت وطأة كارثة إنسانية دولية يقف العالم عاجزًا عن وضع حد لها. غير أن مصر أكدت، بحسب البيان، أنها سوف تستمر فى مساعيها وجهودها الدبلوماسية، وفى اتصالاتها المكثفة مع جميع الأطراف المؤثرة دوليًا، لضمان إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والعمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مهما تكبدت من مشاقٍ أو واجهت من معوقات.
العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، المستمر منذ ١٠ أشهر، أسفر، إلى الآن، عن استشهاد حوالى ٤٠ ألفًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من ٩٢ ألفًا آخرين. كما دفع كل سكان القطاع تقريبًا، البالغ عددهم ٢.٤ مليون، إلى النزوح من حى إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى. ومع تحميله الولايات المتحدة المسئولية المباشرة عن مجزرة أمس، وربطه بين هذه «الجريمة النكراء» وإفراجها عن ٣.٥ مليار دولار لصالح إسرائيل، لإنفاقها على أسلحة وعتاد عسكرى أمريكى، كان غريبًا، ومثيرًا للدهشة، أن يطالب نبيل أبوردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، الإدارة الأمريكية بـ«إجبار دولة الاحتلال فورًا على وقف عدوانها ومجازرها ضد شعبنا الأعزل، واحترام قرارات الشرعية الدولية».
.. أخيرًا، وبعد أن رأينا، كما لعلّك رأيت ورأى العالم كله، أن الدعم الأمريكى اللا محدود لدولة الاحتلال، يتناقض مع مواقف إدارة بايدن المعلنة وتصريحات مسئوليها، لا يبقى غير أن نطالب المجتمع الدولى، بالتدخل الفورى، فعلًا لا قولًا، لحماية الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، ومجمل الأراضى المحتلة، ووقف الإبادة الجماعية الممنهجة التى يتعرض لها. ونتفق، تمامًا، مع حركة «فتح» فى أن «بيانات الإدانة الورقية لن تجفف الدماء النازفة جراء المجازر المتواصلة، التى يتم ارتكابها بأسلحة وذخائر أمريكية».