أفراح وأحزان الثانوية.. وغياب الإبداع!
بمناسبة الأفراح والأحزان التى تعيشها حاليًا الأسر المصرية، بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة، نجد أن الإبداع والابتكار غائبان بين الطلاب.. فالفَرِحون حققوا مجاميع مرتفعة تجعل مكتب التنسيق الفاشل يؤهلهم إلى الدخول إلى ما يسمى بكليات القمة. والذين حصلوا على مجاميع منخفضة باتت الأحزان تحاصرهم وذويهم بشكل بشع.
وكما قلت من قبل فإن نظام التنسيق للقبول بالجامعات فاشل، ويحتاج إلى النسف لأنه يقتل تمامًا كل المواهب، ويمنع الابتكار والإبداع ولا يوجه الطالب التوجيه الصحيح، طبقًا لرغباته وميوله، وهو لا يبنى شخصية المواطن ولا يفيد المجتمع، ويضع الطالب فى مكان لا يرغبه ويقيده على العموم فى دراسة علم لا يتوافق مع ميوله وإمكاناته. ومن هنا جاءت قضية وحالة الحزن والفرح التى تسود الأسر المصرية. وهذا يذكرنى تمامًا أيام كنت طالبًا فى الثانوية العامة بقرية الزرقا التى تحولت فيما بعد إلى مدينة بمحافظة دمياط.. كان الراسبون يتلقون توبيخًا على الهواء مباشرة من خلال ميكروفون المدرسة، فقد كان هناك صوت جهورى يتم اختياره لهذه المهمة يعلق تعليقات قاسية أشد من المعلق الرياضى فى مباراة كرة قدم.. يقول إن الطالب الفلانى الذى رسب كان لا يؤدى واجبه وكان يدخن السجائر ويفعل كذا وكذا. وتستمر التعليقات المسيئة التى تتسبب فى قيام ضعاف النفوس بالانتحار! وكأن هذا الطالب حرق روما أو أضاع الأندلس. ويأتى هذا المعلق على الطالب الناجح فيلقى الثناء الشديد عليه، وقد يفشل هذا الطالب الذى رشحه مكتب التنسيق فى كليته فيما بعد!
كنا جميعًا كطلاب فى هذه الفترة نخشى على أنفسنا من هذا اليوم العصيب ونعمل ألف حساب لتعليق هذا المعلق.
على كل حال هذه الذكريات لها دلالة قوية، لقد كنا نتعلم فى مدارس رغم سوء حظنا بدون كهرباء، ونقرأ ونتوغل فى القراءة على لمبة الجاز، والقادر منا كان يستخدم ما يسمى بـ«الكلوب»، لأنه أشد إضاءة ويعمل بمادة السبرتو. الآن تغيرت الأمور وتبدلت فالحال أحسن كثيرًا، ورغم ذلك نجد إبداع الطلاب قد اختفى إلى حد كبير!.. هل بسبب الرفاهية التى يعيشها أبناؤنا أم أن المعاناة فعلًا هى التى تخلق إنسانًا مختلفًا؟.. هناك نظريات كثيرة فى علم النفس تؤكد أن المعاناة تخلق مبدعًا وهذا كلام مردود عليه.
الإمكانات الكثيرة ووسائل الراحة هى التى يجب أن تجعل المرء يلتهم الكتاب، وفى الواقع نجد الأمور تتراجع. هل كما يقول علماء النفس إن المعاناة تولد الإبداع؟ أم أن الخلل فينا نحن وفى أبنائنا؟
الآن أعتقد أن هذه النظرية خاطئة، فالإبداع يحتاج إلى وسائل كثيرة مساعدة وطالما أن هذه الوسائل متوافرة، فلا بد أن يزداد الإبداع. لكن الحقيقة الغائبة عن الجميع أن المناهج الدراسية التى تعود عليها أبناؤنا الآن تعتمد على الحفظ والتلقين وتضع العقل جانبًا، فلا نجد مبدعًا ولا مفكرًا، وإنما نجد متلقيًا حافظًا. وتلك كارثة حقيقية، مثلما نجد طفلًا صغيرًا يحفظ القرآن الكريم ولا يستطيع تفسيره أو تأويله مع الفارق فى التشبيه. المناهج التعليمية الحالية أم الكوارث تعتمد على طريقة الحفظ وتبتعد عن التفكير النقدى، ما جعلنا نجد هذه النوعية من الخريجين غير الأسوياء بخلاف ما كنا عليه فى السابق، كانت هناك مناهج معتدلة وكان المدرسون يعلموننا كيف ننقد ونختلف ونتحاور، فلا يمكن أن نجد مدرسًا يدخل الفصل دون أن يتحاور مع التلاميذ. وهنا تتولد الأفكار وتتوالى الآراء ويخرج التلميذ ولديه القدرة على التعبير بعد ما هضم المنهج المقرر تمامًا. وهذا بالتبعية يقودنا إلى ضرورة تغيير المناهج الحالية، كما قلت فى مقالات سابقة.
إن هناك فرصة ذهبية أمام الوزير محمد عبداللطيف ليعيد إلى التعليم رونقه كما كان، فالمرحلة الابتدائية من رياض الأطفال حتى الثانوية العامة فى حاجة شديدة إلى ضرورة نسف هذه المناهج وضرورة تأهيل المعلمين على التفكير العلمى والنقدى. وهذه ليست هناك أزمة فى تطبيقها فى ظل أوضاع جديدة ومتغيرات إيجابية.
الآن تتوافر كل المزايا والمتطلبات ووسائل الراحة المختلفة أكثر مما مضى، وبالتالى نرد على نظرية علماء النفس بأن المعاناة ليست وحدها التى تولد الإبداع والابتكار.