أمريكيون لـ«الدستور»: مواجهة إسرائيل وإيران ستورط قوى دولية فى الحرب
توقع خبراء دوليون أن ترد إيران بقوة على عملية اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» الفلسطينية، خلال وجوده فى طهران، الأسبوع الماضى، مشيرين إلى أن الرد سيؤدى لسلسلة من التداعيات على منطقة الشرق الأوسط والعالم كله، نظرًا لأهمية المنطقة وتأثير المواجهات بها على أسواق النفط العالمية.
وأوضح الخبراء، خلال حديثهم، لـ«الدستور»، أن مستوى عدم الاستقرار فى المنطقة، الذى سيرتفع حال الرد الإيرانى على دولة الاحتلال، ينذر بخطر جر الولايات المتحدة إلى الصراعات بها بشكل مباشر، كما أنه قد يجتذب عدة قوى دولية أخرى للتدخل، الأمر الذى ستكون له تداعيات مختلفة وغير متوقعة داخل الإقليم وخارجه، فضلًا عن تأثيراته الاقتصادية الكبيرة.
وقالت منى يعقوبيان، نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى معهد السلام الأمريكى، إنه من المرجح جدًا أن ترد إيران على اغتيال «هنية»، خاصة أن طهران تشعر بأنها مضطرة لذلك، لأن عدم الرد يسبب إحراجًا كبيرًا للنظام الإيرانى، موضحة أن المواجهة الكبرى إذا اندلعت فستكون لها تأثيرات عالمية.
وأوضحت «يعقوبيان»، لـ«الدستور»، أن المواجهة بين إسرائيل وإيران تنطوى أولًا على خطر جر الولايات المتحدة مباشرة إليها، وثانيًا، ونظرًا لأهمية أسواق الطاقة والتجارة العالمية عبر منطقة الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يكون لها تأثير سلبى كبير على أسواق الطاقة والتجارة العالمية على نطاق أوسع.
وأضافت: «ثالثًا، من المرجح أن يخلف هذا المستوى من عدم الاستقرار فى منطقة عالمية كبرى تأثيرات إضافية غير متوقعة، ما قد يجتذب جهات فاعلة أخرى، ويؤدى أيضًا إلى ارتدادات فى مختلف أنحاء المنطقة وخارجها».
وأكملت: «من المؤسف أن التوترات الحالية لها تأثير سلبى على مفاوضات وقف إطلاق النار فى حرب غزة، والآن تتراجع احتمالات النجاح فى ذلك خلال الأمد القريب».
فيما أكدت إيرينا تسوكرمان، الباحثة الأمريكية فى الشئون الأمنية والدولية، أن إيران أعلنت عن أنها سترد على اغتيال هنية بشكل لا لبس فيه، عبر تصريحات من مسئوليها وبيانات بعثتها الدبلوماسية فى الأمم المتحدة، وسط توقعات بأن يشمل الرد هجومًا إيرانيًا بالصواريخ والطائرات دون طيار على إسرائيل، بالتعاون مع «حزب الله» اللبنانى.
وقالت «تسوكرمان»: «سبق لإيران أن نفذت ردودًا على مستويات مختلفة، منذ اغتيال قاسم سليمانى، القائد بالحرس الثورى الإيرانى، وهى حاليًا فى موقف صعب، لأنه إذا لم تحدث استجابة قوية بعد العملية الجريئة لاغتيال (هنية)، فإن المعارضة الداخلية ستحقق نصرًا كبيرًا، وسيبدو (محور المقاومة) برمته ضعيفًا، وسيفقد مصداقيته، وستنهار سرديته القائمة بالأساس على مواجهة إسرائيل».
وأشارت الباحثة الأمريكية إلى أن إيران لديها عدة خيارات للرد، يتم النظر فيها حاليًا بقوة، وأهمها الهجوم المختلط بالصواريخ والطائرات دون طيار لعدة أيام من مواقع إطلاق الصواريخ تحت الأرض، ما يصعب مهاجمتها، منوهة بأن مثل هذه العملية يمكن أن تنفذ عن طريق الحرس الثورى الإيرانى والقوات المسلحة الإيرانية، إلى جانب «حزب الله» اللبنانى، وربما بالتنسيق مع وكلاء آخرين فى المنطقة، لإحداث أكبر قدر ممكن من الأضرار المادية والاقتصادية لإسرائيل.
وحول الرد الإسرائيلى على ذلك، قالت: «هناك خطر كبير من أن تنتقم إسرائيل على أى رد مباشر، عبر توجيه ضربات قاسمة من الجو على (حزب الله)، بالإضافة إلى تدمير أهداف عالية القيمة فى إيران، مثل المنشآت النووية والقواعد العسكرية، حتى الموانئ البحرية والمواقع النفطية، وهو ما يمكن أن تنفذه إسرائيل، حتى بدون دعم الولايات المتحدة».
ولفتت «تسوكرمان» إلى أن هناك خيارات أخرى أمام إيران للرد، وإن كانت احتمالاتها أقل من سابقتها، لكونها أقل تأثيرًا أيضًا وتمثل انتقامًا غير مباشر، ومنها اختيار أهداف سهلة، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، موضحة أن تلك الأهداف قد تشمل بعض المقار الدبلوماسية الخارجية، والمواقع ذات الأهمية الاقتصادية، وربما بعض المواقع المدنية، لكونها لا تحظى بالتأمين الكافى على غرار المواقع العسكرية.
وحول الجهود الدولية لاحتواء التصعيد، نوهت «تسوكرمان» إلى أن الولايات المتحدة مستمرة حاليًا فى ضغوطها الكبيرة على إيران، خاصة أن واشنطن تنظر إلى طهران باعتبارها مسئولة عن زعزعة استقرار المنطقة برمتها، عبر شبكة وكلائها وعملائها.
وأضافت: «شبكة العملاء والوكلاء لطهران خلقت تصورًا خاطئًا عن القوة العسكرية الإيرانية، خاصة بعدما نجح هؤلاء الوكلاء فى إحداث تأثيرات أيديولوجية فى العديد من الدول، وتسببوا فى تداعيات اقتصادية عبر الإخلال بالأمن البحرى وحرية الملاحة فى البحر الأحمر، الأمر الذى كلف المجتمع الدولى أكثر من مليارى دولار، وأدى لتصاعد تكاليف الشحن، وقطع أكثر من ٦٠٪ من حركة المرور عبر قناة السويس».
واستطردت: «الغرب يرى أن الأيديولوجيا الإيرانية مسئولة عن انتشار التطرف فى المنطقة وفى أجزاء أخرى من العالم، وتسببت عبر وكلائها فى خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة، مثلما حدث أثناء هجمات الحوثى على شركة (أرامكو) النفطية، وغيرها من المواقع فى المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما أنها تعد مسئولة بشكل كبير عن الأزمات والصراعات فى العراق ولبنان واليمن وسوريا، فضلًا عن دورها فى تأجيج الإرهاب والحروب فى عدة دول، واستهداف أهداف غربية فى عدة دول بالمنطقة، من بينها قواعد عسكرية أمريكية، لذا فإن الضغوط الغربية عليها تتصاعد، حتى لا يؤدى ردها على إسرائيل إلى إشعال الشرق الأوسط برمته».
وأردفت: «كثيرون فى الولايات المتحدة يرون أن واشنطن كان بإمكانها احتواء التصعيد الإيرانى بسهولة فى الماضى، خاصة حين استولت إيران على السفارة الأمريكية فى عام ١٩٧٩، وكان يمكن حينها اعتبار ذلك عملًا من أعمال الحرب، والرد بقوة على الحكومة الثورية الجديدة والضعيفة، ومنذ ذلك الحين، كان لدى واشنطن العديد من الفرص للتعامل مع النظام الإيرانى، لكنها فضلت الانخراط فى الضغوط الاقتصادية والعسكرية، والتفاوض مع وكلاء إيران ومنحهم الشرعية، والآن يعانى الإقليم من ذلك».
وأضافت: «من ناحية أخرى، تتمتع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن (العرجاء) بنفوذ أقل بكثير لتقييد إسرائيل، لكونها تعيش أشهر عدم اليقين التى تسبق الانتخابات الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل، وهى حالة ستستمر حتى تتولى الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها، ما يترك لإسرائيل مجالًا كبيرًا للمناورة والرد بشكل أكثر جدية على إيران ووكلائها فى المنطقة».
وحول المساعدة الغربية المتوقعة لإسرائيل، حال الرد الإيرانى على اغتيال «هنية»، قالت الباحثة الأمريكية: «عدة دول غربية، على رأسها المملكة المتحدة وفرنسا، قدمت الدعم والمساعدة اللوجستية لإسرائيل خلال الهجوم الإيرانى المباشر عليها بالصواريخ والطائرات بدون طيار فى أبريل الماضى، ولكن مع التغييرات البرلمانية الجديدة فى تلك البلدان، من غير المرجح أن تلعب هذه الدول أدوارًا سياسية وعسكرية مباشرة حال التصعيد، رغم أنها ستواصل بالتأكيد التعاون الاستخباراتى والمعلوماتى مع إسرائيل».