راية الدم
الاتهامات لا تزال تُلاحق إيران فى اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس.. رغم أن اغتياله ليس غامضًا، أو لغزًا يصعب فك شفرته.. لأن الفاعل معروف، حتى لو لم يعترف.. أعتقد أن مقتل الرئيس الإيرانى السابق إبراهيم رئيسى، فى الطائرة المنكوبة، أكثر غموضًا بكثير من مقتل هنية.
ما يضع إيران فى دائرة الشك هو: كيف عرفت إسرائيل مكانه بالتحديد؟ فهو شارك فى حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد «مسعود بزشكيان»، ورفض الإقامة فى الفندق.. واتخذ من أحد المساكن الخاصة بالمحاربين القدماء فى شمال طهران مقرًا لإقامته.
قيل فى البداية إن المقذوف أو الصاروخ الذى اغتاله استهدف السرير الذى ينام عليه، وهناك من يقول إنه تم اغتياله أثناء الاستحمام.. أما الروايات الأمريكية فتشير إلى قنبلة تمت زراعتها منذ شهرين.. أيًا كان، فهذه تفاصيل دقيقة للغاية لا تحصل عليها أجهزة الاستخبارات سوى من عناصر شديدة القرب من الهدف.. تاريخ الاغتيالات السياسية سواء الإسرائيلية أو غيرها ملىء بتجنيد العناصر القريبة جدًا من الأشخاص.. وعلى مر التاريخ، عادة يكون المحيطون أو الحراس الشخصيون أحدهم هو الخائن أو بعضهم.. وفى نفس الوقت يتبنى البعض وجهة نظر أخرى وهى التواطؤ.
وأعتقد أن هذا الاتهام تحديدًا هو ما يجعل إيران تهدد وتتوعد بمحو إسرائيل من الوجود، وكأنها بذلك تنفض عن نفسها ما تشعر به من اتهامات وإهانات وشعور بالضعف والاختراق، خاصة أن إسرائيل لم تستطع استهدافه فى قطر، وهو ما أشارت إليه صحف بريطانية، بأن دولة الاحتلال استغلت خروج هنية من قطر أخيرًا، وسفره إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد ونفذت ضربة صاروخية دقيقة للغاية استشهد فيها هنية وحارس أمن فقط بصاروخ أرض أرض.. والذى استهدف مقر إقامته أثناء نومه خلال الساعات الأولى من فجر يوم الأربعاء.
وفى نفس اليوم، أعلنت إسرائيل عن أنها اغتالت القيادى العسكرى البارز فى حزب الله اللبنانى فؤاد شكر، فى ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الثلاثاء.. ويوم الأربعاء أعلن حزب الله عن العثور على جثته.
وقالت إسرائيل إنها قتلته وحملته مسئولية الهجوم الصاروخى على مجدل الشمس، فى مرتفعات الجولان السورية المحتلة، حيث تحتلها إسرائيل منذ عام ١٩٦٧.. وأسفر الحادث عن مقتل ١٢ شخصًا.. وفى اليوم التالى لاستهداف هنية والعثور على جثة شكر، أعلنت إسرائيل فى صباح الخميس، أى بعد ٢٤ ساعة فقط، عن أنها قتلت محمد الضيف، القائد العام لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، منذ نحو ثلاثة أسابيع فى الهجوم الدى نفذته قوات الاحتلال فى منطقة المواصى بخان يونس فى ١٣ يوليو الماضى، والذى كان ملقبًا بالرجل الشبح بعد ٧ محاولات فاشلة لاغتياله من قبل الموساد، والضيف هو شخص شديد الأهمية، وطوال مسيرته التى بدأت من الثمانينيات، أى تقريبًا منذ ٤٠ سنة، نُسب إليه الفضل فى تصميم سلاح حماس الأقوى وهو صواريخ القسام، وشبكة الأنفاق التى حفرت أسفل غزة وصناعة القنابل، كما أنه العقل المدبر لهجوم ٧ أكتوبر بجانب السنوار.
إذن هى ثلاث ضربات قوية وقاصمة للظهر من إسرائيل لحماس وحزب الله تم الإعلان عنها خلال يوم واحد فقط.. ما خلف شعورًا كبيرًا بالظلم والاحتقان لدى العالم العربى المستفز أساسًا من صمت العالم ودعم الدول الكبرى لإسرائيل.. ولكنها حرب، فمن الطبيعى أن يتفوق طرف على الآخر فى مرحلة ما ويُهزم فى أخرى.
ومن وقتها وإيران تطلق تصريحات نارية وتهديدات بالانتقام الشديد.. وما تفعله إيران حتى الآن بتعبيرات كرة القدم أنها تقوم «بترقيص» العالم، حيث أعلنت عبر تصريحات نارية بتوعد وانتقام ليس له مثيل لإسرائيل.
وتحركت البوارج والسفن الأمريكية، وقالت البنتاجون إنها تنشر طائرات مقاتلة إضافية فى المنطقة لمساعدة إسرائيل والدفاع عنها من الهجمات الإيرانية المحتملة، ورفع العالم درجة الحظر والاستعداد، وتوقفت رحلات جوية، وحذرت الدول رعاياها وحثتهم على الرحيل من لبنان.. العالم يتأهب كل يوم، وإيران لا تفعل شيئًا.
وبينما تؤكد إيران استهداف هنية بمقذوف جوى قد يكون أطلق من خارج إيران، وتحقق فى ملابسات الحادث.. قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إنه اغتيل من خلال زرع قنبلة موقوتة يتم التحكم فيها عن بُعد، وتم تهريبها إلى داخل المبنى من شهرين، وأن إسرائيل كانت تريد اغتياله فى جنازة رئيسى، ولكنها شعرت بأن الخطة معرضة للفشل.. الشعور العام بأن إيران لن تفعل ما تقول، وأنه سيكون مجرد إطلاق صواريخ، هو فى النهاية تفاهمات سياسية، وأنها بالطبع تخشى غضب الأمريكان، فى حين تم تسريب أخبار عن مساعدات صينية وروسية لإيران فى ضربتها المحتملة لإسرائيل، وأغلب الظن أن إيران- التى رفعت الراية الحمراء التى تسمى راية الدم على قبة مسجد «جمكران» بمدينة «قم» التى تعتبر مقدسة فى طهران منذ يوم اغتيال هنية، وهذه الراية تعبر عن الثأر بالدم، ويتم رفعها فى حالة الثأر والانتقام- تريد الثأر لكرامتها وليس لهنية.